«استراتيجية مواجهة داعش»… والتحالف السلبي «السوري ـ الأميركي»!
خالد العبّود
أمين سرّ مجلس الشعب السوري
مضحك موقف الإدارة الأميركية في سعيها لتصريف وتسليك انزياحها باتجاه إعادة إنتاج تموضعها من الدولة السورية وقيادتها، ومضحك موقف «السيد أوباما» وهو «يؤكد»، نقول: «يؤكد»، على أنّ هناك «إجماعاً دوليّاً» على أنّ الرئيس بشار الأسد أضحى «مرفوضاً» أن يكون رئيساً للدولة السورية، والسبب أنّ هناك «براميل» متفجرة يلقيها على شعبه!.
«السيد أوباما» لم يستطع أن يقول بأنّه يطالب الرئيس بشار الأسد بالتنحي، كما كان يطالبه سابقاً، ولم يقل لنا لماذا كان يطالبه سابقاً بذلك، أي أنّ «السيد أوباما» تغاضى وقفز فوق مطالبته للرئيس بشار الأسد بالـ «تنحي»، واعتبر أنّ هناك «إجماعاً دوليّاً» على ذلك، وبرّر هذا «الإجماع» بأنّ هناك «براميل» متفجرة يلقيها الرئيس بشار على شعبه، عظيم، نحن سنأخذ بهذه المقولة، ونحن سنعتبر أنّ «البراميل المتفجرة» كانت تلقى منذ اليوم الأول على «المتظاهرين»، وهو السبب الذي جعل «السيد أوباما» يطالب بـ «رحيل» و «تنحي» الرئيس الأسد، لكن، احتراماً لعقول الأميركيين، نقول: احتراماً لعقول الأميركيين، ولا نريد أن يحترم عقولنا، هل باستطاعة «السيد أوباما» أن يقول لنا على من تلقي الطائرات الأميركية صواريخها في العراق اليوم أيضاً، هل فعلاً تلقيها على الشعب العراقي، على المدنيين والآمنين والعزل والأبرياء، فإذا كان الجواب بـ «نعم»، فإن «السيد أوباما» والإدارة الأميركية مطلوب منهما أيضا التنحي، وهناك إجماع دولي على أنهما قاتلان وعليهما أن يرحلا!.
أما إذا كان جواب «السيد أوباما» بـ «لا»، وهو كذلك، فإننا نسأله سؤالاً آخر، سؤالاً جديداً، إذن على من تلقي الطائرات الأميركية صواريخها في العراق الشقيق، الجواب سيكون، بأنّ هناك إرهابيين يقتلون الناس وأنّ هناك منظمات تمارس الإرهاب ضد أبناء المنطقة، وسيضيف بأن هذه المنظمات وهذا الإرهاب أضحى يمثل تهديداً لأمن الولايات المتحدة القومي، معتمداً على مشهد واحد، نعني به المشهد الذي أضحى معروفاً للجميع، بطله بريطاني في صفوف الإرهابيين يقتل صحافياً أميركياً افتقد في سورية قبل شهور عديدة.
نعم نحن مع «السيد أوباما» بأنّ مقتل مواطن أميركي بغير وجه حق في أيّ مكان من العالم، طالما مقتله يقوم على رسالة موجّه لخيارات أبناء الولايات المتحدة، فهو تهديد مباشر لأمنها وخياراتها، لكن هل من المعقول أن يتناسى «السيد أوباما» أنّ الشعب السوري، وأنّ مؤسسات الدولة السورية، تتعرض منذ ما يقارب أربع سنوات للقتل والنهب والسلب، هل نسي أو تناسى «السيد أوباما» المشهد الذي توقف عنده العالم بكامله، وهو مشهد القاتل الذي التهم كبد أحد أبناء القوات المسلحة السورية، هل نسي وتناسى «السيد أوباما» أنّ مدارس ومستشفيات ومستوصفات ودور عبادة قد أحرقت في السورية، وهل نسى وتناسى أن رجال علم ورجال دين وأناساً عاديين قد اختطفوا وعذّبوا وتمّ التعامل معهم خارج كل سياقات التعامل الإنساني؟!.
إنّ الإدارة الأميركية و»السيد أوباما» تحديداً بحاجة ماسة اليوم لإعادة إنتاج خريطة تموضع جديد، يسمح لهم أو يمنحهم القدرة على الحركة في مواجهة العنف في المنطقة، ليس دفاعاً عن المنطقة، أو دفاعاً عن شعوبها، فهذا لا يعنيهم لا من قريب ولا من بعيد، فـ «السيد أوباما» والإدارة الأميركية سيدافعون عن مصالحهم في المنطقة، كونهم يدركون جيّداً أنّ المنطقة على «كفّ عفريت»، وبالتالي فإن مصالحهم كذلك، الأمر الذي أرغمهم على الدفاع عن مصالحهم تحت عنوان مكافحة الإرهاب الذي أخذ يستطيل ويصل خطوطاً «داكنة الحمرة»!!
ليس باستطاعة «السيد أوباما» إلا الاستدارة بشكل لطيف لا تؤثر هذه الاستدارة على جملة مواقف سابقة له، ولا تؤثر على عامل استقرار سياسي يحفظ موازين قوى داخلية أميركية، أو يسيء إلى منظومة عمل جمعي، إقليمي ودولي، كان قد أنجزها في وجه الرئيس بشار الأسد ومحور المقاومة.
ليس باستطاعة «السيد أوباما» إلا الانحناء لطوفان المشاكل الذي أغرق به المنطقة، خصوصاً أنّه لا يمكنه أن يخلص جسد الولايات المتحدة منها، وفق المنهج الذي اتبعه خلال مسيرة العدوان التي أعلنها على المنطقة.
من هنا نستطيع القول بأنّ «السيد أوباما» ليس بمقدوره الحديث عن «استراتيجية» مواجهة لـ «داعش» بعيداً عن كمّ هائل من المعلومات التي يختزنها وعاء الاستخبارات السورية، والذي تشكل بفضل مواجهة وملاحقة «داعش»، كون أنّ هناك زمناً طويلاً من المواجهة والملاحقة والمتابعة والاختراقات التي قامت بها الاستخبارات السورية، في معركتها الأخيرة مع أكثر من منظمة إرهابية مدعومة من قوى دولية وإقليمية.
إنّ العمل على إنشاء «حلف دولي» من أجل مواجهة «داعش» في المنطقة أضحى حاجة أميركية صرفة، كما أنّ المعلومات التي لم تستطع أن تحيط بها الاستخبارات الأميركية من أجل ملاحقة «داعش» أو وضع «استراتيجية» في سبيل ملاحقتها، ليست كافية أيضاً، الأمر الذي يجعلها مضطرة لتنسيقها وتعاونها مع الدولة السورية، بمعنى أنّ هذا «التحالف» الناشئ اليوم إنما هو «تحالف سلبي»، أملته الضرورة ذاتها والحاجة التي دفعت صاحب العدوان الرئيسي أن يكون بحاجة إلى من وقع العدوان عليه، وهي إحدى أهم نتاج المعركة التي دارت بيننا وبين الولايات المتحدة على أرضنا، وهو ردّ موضوعي كبير ومهم على كلّ من كان يقول بأن «الأزمة» بين أطراف سورية، في حين، كنا وما زلنا، نقول بأن هناك «عدواناً» على الوطن السوري، وعلى كل السوريين!
لا تستطيع الإدارة الأميركية أن تضع «استراتيجية» مواجهة لـ «داعش»، «استراتيجية» مجدية وحقيقية، بعيداً عن وعاء معلومات تشكل لدى الاستخبارات السورية، وليس بمقدورها أيضاً أن تخوض هذه الحرب بعيداً عن «تحالف» مع قوى إقليمية محدّدة على رأسها الدولة السورية، غير أنّ هذا «التحالف» سيبقى موصوفاً ومحدّداً «بالتحالف السالب»، أي تحالف الحاجة والضرورة، وهو من أغرب وأعقد التحالفات الدولية، غير أنّه كان قائماً في لحظات تاريخية سابقة، حيث حصل هذا التحالف بين الدولة السورية والولايات المتحدة خلال حرب «تحرير الكويت»، وحصل أيضاً خلال تحالفهما بهذا المعنى على أكتاف غزو الولايات المتحدة للعراق، وتحديداً في اللحظات الأخيرة من عمر الاحتلال الأميركي للعراق، حيث كان مطلوباً أن يكون هناك تحالف أمنيّ مع سورية، كي تضمن الولايات المتحدة سلامة خروجها من الأراضي العراقية، لكنّه «التحالف السلبي» الذي ضمن أخيراً اندحار القوات الأميركية من العراق!
نعتقد أخيراً أنّ «استراتيجية مواجهة داعش» التي أضحت حاجة أميركية صرفة لا يمكن لها أن تنجز بعيداً عن التحالف السلبي «السوري الأميركي»، هذا التحالف الذي سيعلن إخفاق الإدارة الأميركية من النيل من حلف أرادت أن تشطبه من على خريطة فعل المنطقة!