«داعش» يرجح التصويت في الكونغرس الأميركي تأجيل المعركة الفاصلة إلى نهاية العام

استمرّت وسائل الإعلام ومراكز النخب الفكرية والسياسية في تداول معطيات استراتيجية أوباما ضدّ «داعش»، وكانت الحدث الأبرز في معظم التغطيات والنقاشات في كافة المراكز والمؤسسات.

سيسلّط قسم التحليل المرفق الأضواء على التجاذبات السياسية الأخيرة في الخارطة الأميركية، لا سيما دعم أغلبية من ممثلي الحزب الجمهوري لسياسته ومعارضة عدد كبير من النواب الديمقراطيين. وفاز أوباما في تصويت الكونغرس بفضل الحزب الجمهوري. وسيستعرض أيضاً الدوافع التي تقف وراء «الانشطارات» الموقتة تجسيداً لسياسة حزبية معدّة بإتقان ودقة للولوج الى الانتخابات النصفية بتفوّق الحزب الجمهوري قبل البدء بها.

استراتيجية أوباما

حث مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية صنّاع القرار على بلورة استراتيجية شاملة في المنطقة يشكل التصدي لـ«داعش» أحد أضلعها. وقال: «محاربة الدولة الاسلامية ما هي الا مواجهة تصدي واحدة للدولة في الصراع على مستقبل الاسلام واستقرار الدول الاسلامية… وينبغي على الولايات المتحدة إنشاء إطار أوسع للعمل مع المسلمين والحلفاء الآخرين، والبناء على الدروس المستفادة من عمليات التصدي للدولة الإسلامية بغية المضي في حرب أطول».

تناول معهد كارنيغي المخاطر المترتبة على استراتيجية الرئيس اوباما ضدّ «داعش». واوضح انّ إحداها تكمن في «اعلانه استهداف قادة الدولة الاسلامية، كما اشار الى انتصارات حققها في اليمن والصومال، لن تفضي الى تهيئة الارضية لحلول مستدامة معها… اذ تنطوي الغارات الجوية على إيقاع المزيد من الضحايا الأبرياء وتسهم في زيادة منسوب التطرف».

حذر معهد كاتو الرئيس اوباما وادارته من ضيق ذرع الشعب الاميركي في حربه ضدّ «داعش». وبالمقارنة فإنّ «تنظيم القاعدة شكل خطراً واضحاً قائماً للأمن القومي الاميركي». اما «داعش» في ذهن الجمهور «فلا يرى فيه تهديداً مماثلاً… خاصة ان المؤسسة الاستخباراتية الاميركية اوضحت رسمياً انّ هناك احتمالا صفريا لمواجهة تحدّ من نوع استهداف الدولة الاسلامية الاراضي الاميركية». وعليه، اضاف المعهد، «وفي ظل عدم توفر تهديد حقيقي من الدولة الاسلامية، فإنّ المردود غير الملموس للحملة تبدو شاحبة بالنسبة إلى الكلفة المرئية، ناهيك عن حالة الإحباط». وحذر من مضيّ الرئيس اوباما في خطته، اذ «سيوفر ارضية لاعتقاد العديد بأنّ مجمل الحملة في حقيقتها ترمي الى إعادة رسم خارطة الشرق الاوسط، عوضاً عن اتخاذ إجراء ضروري للدفاع عن النفس». وفنّد المعهد المبرّرات التي سيقت في السابق لتبرير التدخل اذ انّ «الشعب الاميركي سئم من مبدأ بناء الدولة» ونشر الديمقراطية.

تناول مركز الأمن الاميركي الجديد مسألة الارهاب بشكل اوسع من زاوية الثروات المتراكمة لدى «داعش» وقدرته على التمويل الذاتي محذراً من «سيطرة «داعش» على حقول النفط في سورية والعراق… للتزوّد بالوقود اللازم له وبيعه بطرق غير مشروعة… تصل قيمته نحو 2 مليون دولار يوميا». وأخطر المركز صناع القرار من تداعيات تمدّد «داعش» وتوغله «داخل الاراضي العراقية، وامكانية سيطرته الحقيقية على حقول النفط في اقليم كردستان..».

نفوذ قطر

أشار معهد كارنيغي الى «الفشل الذريع للسياسة القَطَرية الرامية الى توطيد نفوذها في الاقليم..». واضاف انها كغيرها من اللاعبين «راهنت على الأطراف الرابحة وتساوقت مع الرياح السياسية والعمل مع عدد من الاطراف، حتى المتقلّبة منها مثل المجموعات الجهادية». وحول تغيّر المسارات وتداعياتها أوضح المعهد انه منذ عام 2011 «تعاني سياسة قطر الخارجية من سوء التقدير، والتحديات الداخلية، والضغوط الدولية… ودخلت جراء ذلك في مرحلة الانكماش». واعتبر المعهد انّ تنافس قطر مع السعودية قد أضرّ بالأولى «وينبغي عليها التعاطي مع الأمر بشكل مشترك وهو المفتاح لبسط نفوذها في الاقليم».

تركيا

تأرجُح تركيا مرة اخرى نحو التكامل مع الاتحاد الاوروبي كان موضع اهتمام صندوق جيرمان مارشال الذي أعرب عن خشيته من الأمر اذ «تستخدمه السلطات التركية منصة انطلاق لإحياء الامبراطورية التركية ومجد العثمانيين، او ربما خطوة تكتيكية لتوطيد أقدامها في السلطة وتمديد أمد الحصانة» من الملاحقة القانونية التي يتمتع المسؤولون بها. وناشد المعهد «دول الاتحاد الاوروبي والأحزاب المعارضة استغلال الفرصة المتاحة لإلزام تركيا تطبيق الإصلاحات المطلوبة لعضوية أوروبية مستدامة».

ثمة إجماع في عاصمة القرار على انّ الرئيس اوباما شدّ الرحال باتجاه معسكر الحرب وصقور السياسة، مما وفر له الدعم الميسّر لسياسته المعلنة أخيراً، بل «كوفئ» بمصادقة الكونغرس على توفير مبلغ 500 مليون دولار إضافي تنفق على تجهيز وتسليح قوى المعارضة السورية المسلحة. وصوّت لصالح القرار عدد كبير من الأعضاء الجمهوريين، 159 مقابل 114 للنواب عن الحزب الديمقراطي، وعارضه 85 عضو من الحزب الديمقراطي مقابل 71 معارض من الحزب المنافس. محصلة الأمر انّ فوز أوباما تحقق على أيدي النواب الجمهوريين.

بعبارة أخرى تبنى الجمهوريون سياسة اوباما التصعيدية التي تكمل سياسات سلفه جورج بوش الابن، رغم لهجة الخطاب السياسي العلني في انتقاده، ومعارضة معتبرة من قبل حزبه الديمقراطي، نحو 40 . وجاء اوضح تصريح عقب التصويت على لسان رئيس مجلس النواب الجمهوري جون بينر، قائلاً: «بصراحة اعتقد انّ ما يطلبه الرئيس اوباما سويّ… لا ارى اي عائق امامنا لرفض ما يطلبه منا الرئيس». بينما اعرب احد اقطاب الحزب الديمقراطي المعتبرين، جيم ماكغفرن، عن عميق قلقه لشن غارات جوية في الاجواء العراقية، واصفاً ذاك القرار الرئاسي بأنه «مثير للسخرية».

يذكر انّ أقطاب الحزب الجمهوري اشاعوا في البدء ضرورة توجه الرئيس اوباما للكونغرس لنيل تفويض لسياسته المعلنة في العراق، ومن ثم تراجع هؤلاء عن هذا الشرط. بل اوضح رئيس مجلس النواب ان «الرئيس هو المخوّل بتقرير التوجه للكونغرس للتصويت على ذاك التفويض من عدمه، والادارة لم تقدم على ذلك بعد».

خلفية عسكرية

تجدر الإشارة الى انّ عدداً كبيراً من نواب الحزبين في الكونغرس أتى من خلفية عسكرية وهم الذين عارضوا استراتيجية اوباما. وجاء على لسان النائب والعضو السابق في سلاح مشاة البحرية، المارينز، دانكان هنتر الذي قضى بعض خدمته في العراق وافغانستان، انّ الاستراتيجية المعلنة «لا تساوي شيئاً» ولا يمكنها تدمير الدولة الاسلامية. نظيره الديمقراطي تولسي غابارد، عن ولاية هوايي والذي خدم في العراق، وصف الاستراتيجية بأنها «غير واقعية… وستستغرق زمناً طويلاً قبل ان تلوح بوادرها في الافق».

الاجابة على تحوّل بعض موازين القوى في هذه المرحلة، دعم الجمهوريين للرئيس اوباما، تتعلق بالانتخابات النصفية المقبلة وعينهم على الفوز بأغلبية مجلس الشيوخ والاحتفاظ بأغلبية مجلس النواب، ولخشيتهم ان تؤثر معارضتهم الثابتة للرئيس اوباما على نتائج تلك الانتخابات. ولعل الأدقّ ان ما تبقى من زمن إلى حين شهر الانتخابات، تشرين الثاني، ان أقطاب الحزب الجمهوري سحبوا البساط من تحت قادة الحزب الديمقراطي ورموا جانباً الاتهامات الموجهة لهم «بتعطيل الأداء الحكومي والتسبّب في الطريق المسدود».

وأتت حملة التعبئة الاعلامية أكُلها في الوعي العام، اذ اظهر أحدث استطلاعات للرأي تنامي الدعم الشعبي لسياسة اوباما في العراق وسورية، 53 بعد خطاب الرئيس، مقابل 42 قبل ذلك. اي انّ الكفة تميل لصالح معسكر الحرب الذي يتزعّمه خطاب الحزب الجمهوري، ولا شك انّ قادته قرأوا النبض الشعبي بدقة عقب حملة إعلامية وسياسية مكثفة ومدروسة.

في هذا الصدد، أشار عدد من استطلاعات الرأي في الآونة الاخيرة الى تنامي الدعم الشعبي لخطاب اوباما المفعم بمفردات الحرب ضدّ «داعش». واوردت شبكة ان بي سي للتلفزة انّ التأييد بلغ 62 ، وشخصته وكالة «رويترز» للانباء بنسبة 64 ، ومعهد بيو بنسبة 53 . اللافت في تلك الحزمة من الاستطلاعات ان تأييد اوباما بين الجمهوريين بلغ 64 ، بينما بين اوساط الديمقراطيين فقد بلغ 60 . وذهب استطلاع وكالة «رويترز» إلى القول انّ أغلبية الشعب الاميركي، 53 ، يؤيد استراتيجية اوباما المعلنة حتى لو استغرقت سنتين او ثلاث، كما قدرها البيت الابيض.

نتائج الاستطلاعات لفتت قادة الحزب الجمهوري الذين اعتادوا على إفشال اي مشروع او اقتراح مقدم من السلطة الرئاسية، وأثارت بعض القلق بين أوساطهم. وخياراتهم في هذه المرحلة الدقيقة أحلاها مرّ: المضيّ بمعاداة ورفض توجه أوباما نحو الدولة الاسلامية، كما اعتادوا، ينطوي على مغامرة سياسية كبرى من شأنها توفير مزيد من ذخيرة الهجوم على الحزب الجمهوري من الرئيس اوباما وحزبه او اعلان التأييد للرئيس مرة وحيدة والتطلع نحو الفوز بنسبة الأغلبية في الانتخابات المقبلة والسيطرة على مجلسي الكونغرس.

بالطبع التجاذب بين الحزبين لن ينتهي بمجرّد موافقة مجلس النواب على استراتيجية اوباما، وقادة الحزب الجمهوري يدركون تماماً ان تصويتهم بنعم أجّل المعركة الفاصلة لشهر كانون الاول، بمنح الرئيس الدعم المالي لنهاية العام الجاري. احتمالات الربح والخسارة لدى الطرفين حاضرة في الأذهان. في حال نجاح خطة اوباما والتي وافق عليها الجمهوريون مكرهين سينالهم بعض آيات الثناء لدورهم الفعّال. بالمقابل، فإنّ نظراءهم من الحزب الديمقراطي الذين اعترضوا على خطة اوباما سيُترَكون يواجهون مصيرهم وحدهم من الانتقادات. اما احتمال الفشل، وهو المرجح، فانه سيوفر للجمهوريين زاداً اضافياً للنيل من خصومهم بدءاً من الرئيس اوباما.

معركة السيطرة على مجلس الشيوخ

لدى اقطاب الحزب الجمهوري تفاؤل كبير بالفوز بأغلبية المقاعد في شهر تشرين الثاني المقبل، على الرغم من استقطابات وتغيّرات في الخارطة الانتخابية، وكلّ ما يحتاجونه هو الفوز بستة مقاعد على الأقلّ. اذ من بين ثوابت النظام السياسي الاميركي ان الحزب المسيطر على منصب الرئاسة سيخسر كثيراً في الانتخابات النصفية، يعززها تدني نسبة التأييد الشعبي للرئيس اوباما إلى حين اعلانه عن نواياه الحربية.

بالمقابل، سيبذل الحزب الديمقراطي قصارى جهوده للاحتفاظ بالمقاعد التي فاز بها بشكل كاسح في الدورة الانتخابية الاخيرة لعام 2008. يحتفظ الديمقراطيون راهناً بثمانية 8 مقاعد يوشك على خسارتها تمثل الولايات التي صوّتت لصالح المرشح الرئاسي الجمهوري، ميت رومني، قبل عامين. بالمقابل، لا ينطبق الوضع عينه على الحزب الجمهوري في مناطق تأييده، بل تشير استطلاعات الرأي الى تقدم بسيط لصالح مرشحي الحزب على خصومه الديمقراطيين في 8 ولايات، اما باقي المقاعد فهي مضمونة النتائج لصالح الجمهوريين.

جمهور الحزبين معالمه معروفة ومحدّدة لهما، اما ما يقلق الطرفين فهي شريحة اطلق عليها تسمية «المتردّدين» لحين اللحظة الاخيرة، وهي التي يراهن الطرفان على كسب جمهورها. تشكل المجموعة وزناً ذا ثقل معتبر في اي دورة انتخابية ومعظمها يعارض الرئيس اوباما وسياساته، بل اثبتت الدورات الانتخابية المتعاقبة انّ أغلبية أصوات «المتردّدين» تذهب لصالح الحزب الجمهوري. للدلالة، نشرت جامعة كوينيبياك بولاية كونتيكت نتائج أحدث استطلاعاتها للرأي تدل إلى تردي شعبية الحزب الديمقراطي ويعتبر الناخب انه يصوّت في الانتخابات النصفية ضدّ، او انتقاماً من الرئيس اوباما.

واوضحت الجامعة انّ مقعد ولاية كولورادو اضحى في خطر، وهي تصوت عادة لصالح الحزب الديمقراطي وترسل احد أباطرته الى الكونغرس، مارك يودال، الذي انخفضت نسبة تأييده الى 44 مقابل 50 لخصمه الجمهوري بسبب اصطفاف شريحة المتردّدين ضدّ الرئيس اوباما. بات الأمر يدعو الى القلق الشديد، لا سيما ان كولورادو محسومة تاريخياً للحزب الديمقراطي قد تذهب لصالح الخصم، ومقعد ولاية ايوا ايضا. ويمتدّ قلق الحزب الى الولايات المحسوبة في خانته تاريخياً، مينيسوتا وديلاوير ونيو جيرسي، انخفضت نسبة التأييد الشعبي لمرشحيه الى ما دون 50 ، مما سيفتح الباب على مصراعيه امام الحزب الجمهوري للفوز بأغلبية المقاعد.

وعزز القلق ايضاً إصدار صحيفة «نيويورك تايمز» نتائج أحدث استطلاع أجرته منتصف الأسبوع الجاري يدلّ إلى تقدم المرشحين الجمهوريين على خصومهم بنحو 6 نقاط مئوية، ونحو 9 نقاط بين صفوف الناخبين المستقلين. كما دلّ الاستطلاع على قلق العامة للقضايا الهامة وتأييد الأغلبية للحزب الجمهوري في مجالات متعدّدة: في حال الاقتصاد بلغ تقدم الجمهوريين 11 نقطة، قضية الإرهاب 21 نقطة، السياسة الخارجية 12 نقطة وأسفر أيضاً على تدني نسبة التأييد العام للرئيس أوباما الى 40 .

هذا الاستعراض المفصّل للخارطة الانتخابية كان ضرورياً للاستدلال على دوافع الحزب الجمهوري وقادته في التصويت لصالح الرئيس أوباما أخيراً، بعد طول عناء وثبات مواقفهم بتعطيل مشاريعه وإفشال سياساته. وبرع هؤلاء في التقاط الفرصة المتاحة لا سيما في دعم ما يُسمّى «المعارضة السورية المعتدلة» بالرغم من سلسلة اعتراضات قدموها حول المسألة، والتي من شأنها سحب البساط الانتخابي من تحت أقدام الرئيس اوباما وتفنيد مقولته بأنّ الجمهوريين يعزفون عن العمل سوية معه.

بالرغم من كلّ ما تقدم، فإنّ الوقت لا يزال مبكراً وسابقاً لاوانه لترجيح كفة على اخرى، الا في حال تضافر عدد من العوامل تؤدّي إلى فوز الحزب الجمهوري بنسبة كاسحة تمكنهم من اختراق المقاعد الثمانية المشار اليها ورفع أكاليل الغار.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى