ترامب ونتنياهو إلى الممانعة أو «التصفير»
ناصر قنديل
– فتح اللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب برئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الباب للتكهنات والتساؤلات حول إمكانية ترجمة الخطاب التصعيدي الذي يلتقي عليه كلاهما، وكيفية هذه الترجمة. ويتساءل البعض عما إذا كان الخيار هو الحرب سواء نحو إيران، أو حزب الله، ويتجاهل هذا التحليل حقيقة أنّ اللقاء يجري بعدما جرت مياه كثير في أنهار الشرق الأوسط، سقطت فيها الجيوش الأميركية و«الإسرائيلية» في ضعف القدرة على بذل الدماء، ولم يكن سبب الفشل فيها التراخي والتخاذل من رئيس أميركي اسمه جورج بوش أو بيل كلينتون أو باراك أوباما. فالجيوش لم تخرج من ساحات الحرب وتسلّم الراية للمخابرات لتصنع الفتن إلا بعدما استنفدت كل فرص الاستثمار على فائض القوة التدميري والناري وإمكانيات الترهيب ووصلت إلى العجز عن تذليل العقبتين اللتين خرجت أميركا للحرب لأجلهما واحتلت أفغانستان والعراق لتطويقهما، وهما إيران وسورية. وتلاقت «إسرائيل» بالفشل مع أميركا في حربيها الكبيرتين ضد المقاومة في لبنان وفلسطين في عامي 2006 و2008.
– يلتقي ترامب ونتنياهو بعدما صار شعار إسرائيل الاستراتيجي ترميم قدرة الدرع، وصارت الحرب آخر ما تفكر به «إسرائيل» لتحقيق هذه الغاية، فانكفأت خلف جدار وقبة، جدار تقطع به أوصال المناطق الفلسطينية لتجنّب تبعات الانتفاضات الفلسطينية، وقبّة صاروخية لتتفادى عبرها صواريخ حركات المقاومة، بينما يستعد ترامب للاحتماء خلف جدار وقبة، جدار جمركي يحمي البضائع الأميركية من المنافسة ويتصل بالجدار الذي بدأ ببنائه على الحدود مع المكسيك، وقبة إعلامية يصطنع بها عبر التصريحات والمواقف مظهر القوة، وكلما اصطدم موقف بحقيقة الضعف يحلّ مكانه موقف أشدّ ليونة وأقل تصلباً، كما في المنطقة الآمنة في سورية ونقل السفارة الأميركية إلى القدس والسعي لنسف الاتفاق النووي مع إيران، لتنتقل العنتريات إلى مسرح آخر مرة نحو أوروبا وأخرى نحو أستراليا وثالثة نحو الصين.
– ترامب ونتنياهو يقفان على رأس هرمين متشابهين في التكوين والثقافة. العجز عن بذل الدماء يجمعهما في لغة الحرب، والاستيطان كان أصل نشوء كيانيهما سياسياً وديمغرافياً، وشعار أرض الميعاد عقيدة الحلم الأميركي والحلم الصهيوني، لكنهما يتشاركان أيضاً في التناقض بين العجز عن الحرب وثقافة الغطرسة التي تدفع للتصعيد، بين الضعف في الميادين وتأثيره على نمو التطرف في المواقف، حيث تضعف المؤسسة الحاكمة نحو الناخبين وتحتاج خطاباً شعبوياً لكسب ودّهم، وتنطلق موجات العنصرية ولغة الحروب، لكنها عندما تصطدم بجدار القدرة تتحوّل أوراقاً تفاوضية. ومشكلة الكيانين واحدة في العجز عن صناعة الحرب والعجز عن صناعة السلام، ولهذا يحتمي كل منهما اليوم برفع سعر شراكته في التسويات، عبر فلسفة الممانعة، التي لجأت إليها قوى المقاومة يوم كانت في وضع الضعف عن صناعة الحروب وعدم ملاءمة المعروض من التسويات لثوابت الحد الأدنى لديها. هو تبادل مواقع وأدوار بين قوى الهيمنة والعدوان مع قوى المقاومة.
– ما يجري في واشنطن بين ترامب ونتنياهو هو تصفير ملفات التسويات من كل نقاط البديهيات والثوابت للانطلاق من صفر تفاهمات، والسعي لتحصيل ثمن جديد لكل خطوة في سلم التفاهم. هذا ما يفعله ترامب مع روسيا والصين، إيران، وهو ما يفعله ذاته نتنياهو تجاه القضية الفلسطينية، لكنّ كليهما يحتاج المفاوضات كمسار لتمييع المواجهة، وكليهما يخشى من المفاوضات أثمانها التي تعكس موازين القوى، فيسعى لتمييعها أيضاً. هو زمن التصفير وربط النزاع، وليس زمن الحرب ولا زمن التسوية.