ما بين أستانة والمناطق الآمنة.. الحلم التركي يتلاشى
سماهر الخطيب
في أستانة تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فما ترتجيه تركيا والأردن وغيرها من الدول الداعمة للمنصّات المشاركة في الحوار السوري السوري، باتَ في مهبّ الريح.
إنّ الرياح التي عصفت بها تلك الدول منذ بداية الأزمة السورية وعوّلت على نتائجها سلفاً بانهيار الدولة السورية وتلاشي لوجودها، وفتحت لذلك المخيّمات في كلّس والزعتري لاحتضان اللاجئين السوريين، كالذي «يقتل القتيل ثمّ يمشي معزّياً في جنازته». لكن ما أثبتته القيادة السورية والجيش السوري بعد مرور ست سنوات، من انتصارات وصمود في وجه هذه المؤامرات الشيطانيّة، جعلهم يتخبّطون بأماني المفاوضات والمباحثات، لإيجاد مخرج علّه يكون شطّ الأمان لتلك المجموعات المعارضة المسلّحة، التي تلقّت ولا تزال تتلقّى الدعم بالمال والسلاح وبالمعسكرات التدريبيّة على أراضي الدول الداعمة أمثال تركيا والأردن وغيرها.
وفي هذا الشأن، أكّد بشار الجعفري، رئيس وفد الحكومة السورية إلى أستانة، أنّ على تركيا «مسؤولية ضبط الحدود.. لكنّها لا تفعل ذلك، بل تسهّل دخول عشرات آلاف الإرهابيين إلى سورية»، متابعاً أنّ تركيا لا يمكنها أن تلعب «دور مشعل الحرائق ورجل الإطفاء في وقت واحد».
لم تقف الآمال التركية والخليجية عند إيجاد المخرج لتلك الجماعات بعد انهيار الأحلام التي طالما حرّضت على تحقيقها وباءت بالفشل وصدمت بالدعم الشعبي حول الجيش السوري والقيادة السورية، فكان هذا التكاتف الثلاثي كفيلاً بصدّ تلك الأماني والدعوات. فهي تطفئ الحرائق من جهة، وتسعى لإشعالها في جهة أخرى ضمن جولاتها المكّوكية بين دول الخليج والولايات المتحدة، للحصول على ضمانات تحقّق مبتغاها العثماني في إقامة مناطق آمنة ومعزولة عن الطيران، والحجّة «ضمان أمن النازحين السوريّين».
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد صرّح بأنه «سوف يقيم بالتأكيد أماكن آمنة في سورية» للّاجئين السوريّين.
وفي هذا الشأن، أعرب وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عن تأييده لفكرة «المناطق الآمنة» في سورية، مشدّداً على ضرورة توفير تمويل لإنشائها، بقوله: «أولاً، يجب علينا الإصرار على الفكرة والدفاع عنها، ثانياً، عندما يتعلّق الأمر بمنطقة آمنة، ينبغي علينا بناء منازل ومدارس ومنشآت، لذلك علينا أن نجمع التمويل سويّاً من أجل تطوير تلك المناطق لتمكين الناس من العيش في ظروف مناسبة».
والجدير ذكره، أنّ هذه التصريحات جاءت في قطر خلال مرافقة جاويش أوغلو للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في جولته الخليجيّة التي شملت السعودية والبحرين معاً.
بذلك يكون قد أوجد حلّاً لمسألة التكاليف، ففي عام 2013 قال الجنرال «مارتن ديمبسي»، رئيس هيئة الأركان الأميركيّة المشتركة، إنّ فرض منطقة حظر جوي «تتطلّب مئات الطائرات المتمركزة على الأرض وعلى حاملات الطائرات في البحر، بالإضافة إلى الاستخبارات ودعم الحرب الإلكترونيّة»، بتكلفة تصل إلى مليار دولار في الشهر الواحد. وكان ترامب قد اقترح مراراً، أن تدفع دول الخليج الأموال لتنفيذ المناطق الآمنة في سورية، وقال لصحيفة «بيلد» الألمانية: «إنّ دول الخليج ينبغي أن تدفع الثمن والتكلفة، فبعد كلّ شيء، هم لديهم المال الذي لا يملك أحد آخر مثله حالياً».
في سياقٍ ذي صلة، وقُبيل مغادرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الدوحة في ختام جولته الخليجيّة، بعثت بلاده رسائل مشفّرة لإدارة الكرملين، كشفت فيها عن رغبة ملحّة للتقارب مع الطرف الأميركي حيال المناطق الآمنة التي تُعتبر خياراً استراتيجياً بالنسبة إلى أنقرة، لتخلط التصريحات التي أدلى بها وزير خارجيّتها مولود جاويش أوغلو كلّ الأوراق ويفتح الموضوع مجدّداً.
وردّاً على ذلك، حذّرت روسيا وسورية من عواقب هذه الفكرة، ودعتا إلى ضمان موافقة السلطات السورية عليها. وقال وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، إنّه في حال كان هدف واشنطن من فكرة المناطق الآمنة في سورية هو تخفيف عبء استقبال النازحين على الدول المجاورة، فهي مبادرة ممكنة التطبيق مع ضمان موافقة السلطات السورية عليها، بينما حذّر وزير الخارجية السوري وليد المعلم من أيّة محاولة لإقامة مناطق آمنة من دون التنسيق مع حكومة بلاده، معتبراً أنّه عمل غير آمن ويشكّل خرقاً للسيادة السورية.
في حين كان ردّ الرئيس بشار الأسد بأنّ المناطق الآمنة «فكرة ليست واقعيّة على الإطلاق».
وتتمثّل المشكلة مع المناطق الآمنة في كونها وسيلة لتحقيق غاية. فهذه المناطق هي داعمة لفكرة التقسيم، ومن المؤكّد أنّ تأخذ المعارضة المسلّحة هذه الفرصة للاستفادة من المناطق الآمنة كملاذ، ولإعادة التموين، خصوصاً أنّه يُفترض ألّا يكون للدولة السورية أيّ دور في تلك المنطقة، ممّا يؤكّد النوايا التركية ودول البترودولار في تقسيم سورية واغتصاب أراضيها تحت ذرائع إنسانيّة، وهذا ماتنبّهت إليه الدولة السورية وحلفاؤها.