قالت له
قالت له: علّمني برود الأعصاب في الحبّ، أم أنّ برود الأعصاب يعني برود الحبّ؟
فقال لها: القلب الحارّ واللسان البارد وصفة لا تفشل في فرح الحبّ. والقلب البارد واللسان الحارّ وصفة لا تفشل في تدمير كلّ حبّ وكلّ قلب. والقلب البارد واللسان البارد تعبير أجوف عن الموت. والقلب الحارّ واللسان الحارّ يستحقّان العذر.
فقالت له: ولم تجبني بعد عن سؤالي.
فقال لها: القلب الحارّ هو الحبّ. واللسان البارد هو العقل. والحبّ بلا عقل يصير حفلة جنون مفتوحة على الأفراح والأحزان. وذكاء الحبّ ليس في المسافات المستحيلة للاقتراب والابتعاد، بل في توازن القلب والعقل. فالجنون في الفرح والعقل في الحزن سمة الحبّ العاقل، وهذا معنى ترك حرارة اللسان حارقة في حال الشغف، وتبريد اللسان حتى الجليد في حال العتب والغضب. ويصير اللسان البارد تعبيراً عن قلب بارد عندما يشمل الفرح والحزن والشغف والعتب والغضب ويعني برود الحبّ واللسان القابل للتحكم بين البرود والحرارة بالعقل يصير تعبيراً عن موت الحبّ، وليس بروده لما يصير حاراً في الغضب والعتب وبارداً في الشغف والفرح. وعندما يصير العكس بقوة العقل حرارة في الشغف والفرح وبرود في العتب والغضب يكون مثالياً. أما الحبّ الصارخ حرارة في الحالين، فهو حبّ حارّ لكنه غير عاقل، فهل تريدين أن يعقل الحبّ أم تريدينه أن يبقى مجنوناً؟
فقالت: وكيف أقدر على التحكّم؟ فقلبي حارّ ولساني متمرّد!
فقال لها: تساءلي عمّا تجنين من إغاظة الحبيب ونقله إلى حال القتال وتبادل اللغات العدائية غير إنهاك النفس واستنزاف الأدبيات واللياقات التي تحمي تهذيب الحبّ.
فقالت: ألا نبالغ بالادّعاء بإمكانية تحكيم حساب الربح والخسارة في حبّ هو بالأصل حال انفعال؟
فقال: في البدايات يكون الطلب مبالغة وادّعاء، لكن مع تكرار الحروب الصغيرة العبثية ومضيّ العمر القصير ننتبه ونصف العقل انتباه، حتى العبقرية تبدأ بالانتباه. فالظواهر التي انطلق منها العملاء في اكتشافاتهم التي غيّرت مسار البشرية كانت ظواهر يرونها ويعرفونها مثلهم مثل غيرهم، والفارق أنهم انتبهوا إلى تزامن ظواهر وتلازمها بظواهر أخرى، وحاولوا تحليلها واستخدموا العقل لكشف الرابط بينها، واكتشفوا كيفية التحكّم بحدوثها وتوقيت حدوثها وحجم ونوع وحرارة حدوثها، فكانت الكهرباء وكانت قبلها النار.
فقالت: تعلمت الآن كيف تكونَ كهرباء حبّي وأكون نار حبّك.
فقال: والتحكّم؟
فقالت: الكهرباء تحويل طاقة ميكانيكية مثل الاحتكاك في قبلة إلى شرارة موجات مغناطيسية. والنار تحويل الاحتكاك بكلمة إلى حريق هائل.
ضحك حتى الثمالة، وتمتم يقول أحبّك لأنك نصف عبقرية ونصف مجنونة، والحبّ لعبقري كامل أو مجنون كامل صقيع لا يسكن أو جحيم لا يطاق.