صحافة عبرية

كتب أودي سيغال في صحيفة «معاريف» العبرية:

العادة الشرطية للصحافيين، المحللين، وكذا المعقبين والسياسيين هي تصنيف كل تطور أو قول جديد يخرج عن البيت الابيض إلى يمين ويسار، أسود وأبيض، خير لليهود أو شر لـ«إسرائيل». هكذا يحصل ايضاً بعد المؤتمر الصحافي الاحتفال لدونالد ترامب وبنيامين نتنياهو في الغرفة الشرقية في البيت الابيض.

رجال اليمين «الإسرائيلي»، متأثرون جداً بعد ذهاب باراك أوباما كريه نفسه، بعثوا بنتنياهو مطوقاً ومكبلاً بشروط حدّ أدنى واضحة: بناء بلا قيود في القدس وداخل المستوطنات، عدم الفصل بين البناء في الكتل والمستوطنات المنعزلة وطلب صريح بعدم ذكر الدولتين. وبانتظار متحفز انتظروا لرؤية ما سيقوله ترامب وما سيقوله نتنياهو.

عندما سألت صراحة ترامب اذا كان مستعداً لأن يهجر فكرة الدولتين، أجاب بأسلوب حرّ: دولة واحدة أو دولتان، هذا لا يهم. اعتقدت أن حلّ الدولتين سيكون أسهل، ولكن ما يريده الطرفان يجعلني سعيداً. وكان هذا كافياً لرجال اليمين، الذين احتفلوا بيوم تاريخي: رئيس الولايات المتحدة غير الملتزم بحل الدولتين. حسم الأمر.

ان قول ترامب انه سيسعده كل ما يتفق عليه الطرفان، والاعلانات عن رغبته في صفقة كبيرة سيعمل عليها بتصميم دحر إلى الهوامش. كما أن المفاجأة التي احدثها لنتنياهو، حين قال ان كل الاطراف سيتعين عليهم التنازل، ودعوته للتوقف في البناء في المستوطنات دحرت جانباً. هذه مجرد تفاصيل صغيرة تتقزم امام رفيف أجنحة حمامة السلام التي هددت المشروع الاستيطاني ولفظت روحها هذا الاسبوع على خلفية الستائر المذهبة الجديدة في البيت الابيض.

ان المطالبات المطوقة من وزراء اليمين ببناء بلا حدود تبخرت، وكذا الدعوات الصاخبة من وزراء الليكود لضمّ «معاليه أدوميم» وتوطين «غوش عصيون». كل من حاول التلميح بأن هذه رسالة مركبة في افضل الاحوال او مفعمة بالتناقضات والثقوب في اسوأ الاحوال، وصف على الفور كيسروي ومثبط للفرح، لا يعرف كيف يثني على رئيس الوزراء.

من الجانب الآخر وقف اولئك الذين أقسموا بأن نتنياهو سيجد في البيت الابيض رئيساً لا يختلف جوهرياً عن أوباما، باستثناء اللون، كمية وتصفيف الشعر. تحدثوا عن الطلب لتجميد البناء والتصقوا بأقوال ترامب في أنه لا يزال يدرس نقل السفارة إلى القدس. فقول الرئيس الأميركي عن أنه لا تفضيل لديه بالنسبة لنوع الحل اللازم للنزاع، وجدوا فيه انعدام اطلاع ومعرفة في التفاصيل، اهمال وربما زلة لسان. المهم أنه سيكون ممكناً الالتصاق للرسالة المركزية في أنّ ترامب لم يعطِ شيكاً مفتوحاً لموجة بناء عديمة اللجام.

كل طرف محق في شيء ما. ولعلهم جميعهم محقون. إذ إن هذا منوط بشدة تطبيق تصريحات الرئيس الجديد. ففي الايام التي يمزق فيها المحللون في الولايات المتحدة شعر راسهم امام رسائل متضاربة وتغريدات تقول الشيء وعكسه، يحتمل أن يكون كل شيء صحيح. الحقيقة هي صحيحة في ساعتها، التغريدة لدقيقتها وكل الكلمات التي قيلت لا تقول شيئاً عما كان او عما سيكون.

بين كل ما قيل في المؤتمر الصحافي، فإن القسم الاهم يختبئ في قول ترامب إن كل حل يتفق عليه بين الطرفين سيكون مقبولاً عليه. والآن، ما ينشأ عن هذا القول بسيط، ولكنه وحشي: ماذا تريدون؟

ليس إن شئتم التي مهمتها مناكفة كل فكرة يسروية تهدد وحدة الشعب اليهودي في «إسرائيل»، ولكن ماذا تريدون أو تشاؤون بالضبط؟ ماذا تريد «إسرائيل»؟ فلنتجاهل للحظة حقيقة أن ترامب بعث بنا وبالفلسطينيين للاتفاق الواحد مع الاخر، الامر الذي لم يحصل هنا في العقد الماضي، ونركز على هذه المسألة، التي سبق أن شوشت ودوخت رئيس الوزراء ووزرائه. السؤال حول ما تريده «إسرائيل» جيد ودقيق، كون نتنياهو يصف سياسته في الموضوع الفلسطيني على اساس النفي. بمعنى، ما لا يريده. وها هنا بضعة امور لا يريدها نتنياهو، مثلما ظهرت في الاستعراض الذي أجراه للمراسلين «الإسرائيليين» الذين رافقوه في رحلته: نتنياهو لا يريد أن يقول اذا كان مع الدولتين، لا يريد أن ينشغل بالعناوين، مستعد لشيء ما ليس له عنوان وشريطة أن يكون اعتراف من الفلسطينيين بدولة يهودية وبسيطرة امنية لـ«إسرائيل» في كل المنطقة. لا يريد فكرة الدولة المجردة ولكن اذا كان نعم فإذن بالشروط التي لا يريد أن يقولها.

كما أنه لا يستطيب فكرة الدولة ثنائية القومية، وقد سبق ان قال في الماضي انه غير مستعد لأن يضمّ مليوني مواطن وليست له مصلحة في أن يكونوا رعايا الدولة، ولكن لا نية له ايضاً في أن نكون عرضة لارهاب يأتي من جهتهم. وهناك أمور اخرى: نتنياهو لا يريد أن تكون قيود على البناء، ولكنه ايضاً لا يريد مواجهة مع الرئيس في هذا الموضوع. لم تكن تقريباً مجالات لم ننسجم فيها في الرأي، قال نتنياهو. اذا كان الرئيس يريد أن يدرس موضوع المستوطنات، فمن أجل المصلحة الوطنية يجدر القيام بهذا الجهد.

إذن ها هو ما لا يريده رئيس الوزراء: لا يريد دولة ارهاب في واقع الامر، من يريد ذلك؟ لا يريد دولة دولة، ضم وتوطين ورعايا لا يريد الفصل بين المستوطنات المنعزلة والكتل لا يريد توصيفات ولا يريد املاءات. فماذا يريد؟ ان يوجه السفينة «الإسرائيلية» في بحر كلماته وشروطه مباشرة نحو الهدف الذي نوجد نحن فيه. يريد الوضع الراهن. يريد الا يزعجوه، لا من البيت الابيض ولا من البيت اليهودي. يريد ان يكون ما يكفي من الشروط، التفاصيل، المسائل والتساؤلات كي لا يتمكن احد من ان يفهمها او يستخلص منها ما يريده هو حقاً. في هذه المهامة نتنياهو ينجح بما يتجاوز كل تخمين.

في السطر الاخير حصل نتنياهو على إذن ملتوٍ للمراوحة في المكان. للانطلاق إلى مسيرة اقليمية بلا رؤيا أو هدف واضح. للسير إلى نقاش لا نهاية له حول تفاهمات في مجال البناء، هدفها خلق غموض كي لا تثور اضطرابات وتوترات وبالاساس كي لا تستجيب للجمهور في «إسرائيل»، للسياسيين وللصحافيين على سؤال: ماذا تريد أنت؟ نتنياهو يريد أن يبقى في المكان الذي لا يكون فيه قائداً أو باسطاً خطّة. يريد أن يقف في المكان وأن يشرح عن كل خطة تعرض عليه لماذا هي ليست جيدة ولماذا لا يريدها.

نتنياهو يريد تسوية اقليمية، تقيم فيها الدول العربية المعتدلة علاقات مع «إسرائيل» كي تتعاون ضد إيران، من دون ان يتضمن الامر مساومة تاريخية مع الفلسطينيين. يريد أن ينفصل عن الفلسطينيين والا يحكمهم، من دون أن ينقل السيطرة لأحد آخر. هذا فخ كامل، يريد فيه دوماً ما لا يمكن تحقيقه ابداً. ذات مرة كنا نقول لأناس من نوعه: إبقَ في نيتك. هذا بالضبط ما حققه نتنياهو في واشنطن: فقد بقي في نيته، بدلاً من عرض اتجاه، طريق ورؤيا.

الدولة الفلسطينية ونهاية العذر الأميركي

كتبت صحيفة «هاآرتس» العبرية:

دولتان، دولة واحدة، ما يريده الطرفان، هكذا أفرح الرئيس دونالد ترامب ضيفه بنيامين نتنياهو، المهم أن يكون اتفاق. ماذا يقصد ترامب بالضبط في هذا القول؟ إلى ماذا يلمح، حين يقول ان على «إسرائيل» ان تكبح قليلاً البناء في المناطق؟

يمكن الغوص بفرح في غمرة التحليلات لأقوال ترامب. ثمة من يتمسك بالامل في أن يكون تلميحه بالتنازلات التي يتعين على «إسرائيل» ان تقوم بها، معناها ممارسة الضغط، وثمة من سيرى في تلك الاقوال نفسها منح رخصة لـ«إسرائيل» لتعمل في المناطق كما تشاء. الانطباع هو أن ترامب دعا نتنياهو إلى لقاء حتى قبل أن يجمع من المعلومات، كي يبلور لنفسه سياسة تجاه النزاع «الإسرائيلي» ـ الفلسطيني.

ولكن رئيس الولايات المتحدة لا يخضع لاختبار الاطلاع. فهو يمكنه أن يبدل مواقفه، يتلقى مشورات من كل شخص أو دولة ويغير قراراته كما يشاء. اما رئيس وزراء «إسرائيل»، بالمقابل، فملزم تجاه الجمهور «الإسرائيلي» وتجاه الدولة التي يقف على رأسها. وإذا كان من ناحية ترامب دولتان أو دولة واحدة لا يهم، فبالنسبة إلى «إسرائيل» هذه مسألة وجودية. ترامب، الذي خاف من غزو إسباني او إسلامي إلى بلاده ويحاول صده بسور منيع لا بدّ أنه ليس المنظر الذي يمكنه ان يعرض على «إسرائيل» حل الدولة الواحدة.

حكومة «إسرائيل»، التي يسارع بعض من أعضائها للقفز على فكرة الضم، ليست مخولة لأن تتبنى فكرة الدولة الواحدة من دون أن تأخذ بالحسبان أنّ هذه الفكرة تتضمن منح مساواة الحقوق للجميع، وبالتالي فإن معناها هو التخلي عن الفكرة الصهيونية. رئيس الوزراء الذي يصرّ على أن يعترف الفلسطينيون بـ«إسرائيل» كالدولة القومية اليهودية كشرط لمفاوضات سياسية ولاتفاق سلام، لا يمكنه في الوقت نفسه أن يتبنى فكرة الدولة الواحدة، حتى لو كان مال ختم حلال أميركي مشكوك فيه.

لقد حصل نتنياهو من ترامب على كل الاسناد الذي طلبه، كي ينفذ كل سياسي يختار شريطة أن تولد صفقة. ما عاد يمكن للرئيس الأميركي أن يشكل ذريعة. فالمسؤولية عن طابع السياسة وتحقيق الصفقة ملقاة من الان فصاعداً على نتنياهو وعليه وحده. إذا ما خضع لمستوطني البيت اليهودي والليكود، فمن شأنه أن يخرّب بشكل شديد بحلّ الدولتين ويقود «إسرائيل» إلى منزلق سلس لا تحمد عقباه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى