لماذا لا تنفي السعودية؟
روزانا رمّال
تتزاحم الملفات والانتقادات الموجّهة لإيران من مؤتمرات دولية وإقليمية آخرها مؤتمر ميونخ للأمن الذي أجمع فيه «الإسرائيليون» والسعوديون على مبدئية الصراع في المنطقة وتحديد وجهة المخاطر التي تتهدّد الطرفين والمتمثلة بإيران. وهو الأمر الذي تجهد «إسرائيل» لتكريسه صراحة، وقد نجحت فيه منذ رحيل الملك عبدالله، حيث أرخت الإدارة الحالية للملك سلمان مساحة مقبولة للكشف عن هامش من الاستعداد للتعاطي مع تصريحات «إسرائيلية» تطالب العرب بالتحالف او الصداقة الواضحة لتكون أمراً طبيعياً أو حاجة في صيرورة العملية السياسية بالمنطقة.
يؤكد رئيس الوزراء «الإسرائيلي» من قلب البيت الأبيض منذ أيام أن «الدول العربية لم تعد ترى إسرائيل كعدوّ بل كحليف». وهو أساسي في إدارة العملية السياسية في المنطقة أو هو منطلق لتزخيم فكرة عدم الاستسلام الأميركي لجهة الصراع العربي «الإسرائيلي» الذي لم يعد يعتبر صراعاً أصلاً، بالنسبة للحكومة «الإسرائيلية». وهو الأمر الذي يساعد كثيراً في ركنية الصراع وعموده الفقري المنبثق عن اعتبار «إسرائيل» كياناً أو جسماً غريباً في مجتمع عربي يرفضه ولا يزال يحاربه حتى يتخلص منه، كما يُفترض.
هذا الأمر يأخذ نحو المتغير الأساسي الذي طرأ منذ ست سنوات تقريباً، وهي المرحلة التي ازدادت فيها نسبة تقدّم العلاقات بين العرب و»الإسرائيليين» بشكل ملحوظ، بوقت لم تكن القدرة على إطلاق تصاريح من هذا القبيل أو حتى التلميح بإمكانية طرحها بالكواليس أمراً ممكناً. بالتالي يقع على عاتق هذا المتغيّر «الحدث» مسؤولية ما جرى وفي الوقت نفسه يؤكد على اليد التي عبثت وصوّبت تجاه الهدف بشكل دقيق ليتّضح أن الأحداث كلها تتعلق بحرب «التكفير» التي حجبت الضوء بالكامل عن الحرب على إسرائيل، حتى عند أهل القضية الفلسطينية حيث تموضع ركن أساسي تمثله حركة حماس في خندق الصراع العقائدي الذي نتج عن حرب التكفيريين المتداخلة وتداعياتها على المذاهب بين سنة وشيعة والاصطفاف وراء تركيا.
تقدّم العلاقة بين «الإسرائيليين» والعرب تكشف اليد «الإسرائيلية» وراء الحرب الدائرة في المنطقة بين قوات الجيوش النظامية والميليشيات المسلحة التكفيرية التي استطاعت استنزاف الحكومات أولاً، وإعادة جدولة الأولويّات، فلم يعد العداء لـ«إسرائيل» إحداها.
نجحت تل أبيب بتطور مجريات الحرب على دمشق بخلق اصطفاف محاور سني – شيعي في المنطقة سيطر على هاجس الدول الخليجية، فرفعت من خلالها وتيرة العداء لإيران تلقائياً وفي الوقت نفسه نجحت الإدارة الأميركية في جعل توقيع الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب «فزاعة» تجعل الخليجيين أقرب إلى «إسرائيل» وليس العكس، بل قدّمت أرضية تبرير أراحت الخليجيين في شرح غايات التقارب.
السؤال الأساس هو لماذا لا تنفي المملكة العربية السعودية بالتحديد الشبهات الدائرة حول علاقاتها بـ«إسرائيل» أو قبول هذه العلاقة بالمبدأ؟ لماذا أيضاً لا تصدر قرارات رسمية عن المملكة العربية السعودية بالعمل السياسي تطلب فيها من ممثليها بالمؤتمرات الدولية على مستوى وزراء خارجية أو مسؤولين سعوديين سابقين وحاليين الخروج من أية قاعة او حفل يجمعهم بـ«الإسرائيليين» كالذي جرى في مؤتمر ميونيخ مثلاً بحديث ليبرمان على مسمع الجبير؟
هل هي رسائل قبول وتطمينات من الرياض لتل أبيب لتطبيع العلاقات نهائياً، خصوصاً بعد أن أثبت جزء هام من الرأي العام السعودي عدم ممانعة هذه العلاقة فلم تخرج انتقادات لاذعة أو مواقف منتقدة إعلامياً أو على شبكات التواصل، بل طغت فكرة اللجوء للعدو في مواجهة إيران أياً يكن على قاعدة التحالف مع الشيطان عند الضرورة.
كل هذا يؤكد نجاح «إسرائيل» في خطتها في سورية، تحديداً وانعكاس أزمتها على المنطقة كلها وعلى طريقة تفكير شعوبها.
الأساسي في العلاقة هو التوقيت فقط، لأن الأحداث الأساسية تؤكد على أن التطبيع الحاصل بين دولة خليجية ولو كانت واحدة على سبيل المثال مع إسرائيل مثل «قطر» يعني قبول سعودي رسمي بهذه العلاقة كمسيطرة على مجلس التعاون الخليجي التي نشأت قبل الخلافات مع المملكة بخصوص سورية، وهو خلاف مستجدّ لا يعني عدم التوافق بين الدولتين بما يخصّ العلاقة مع «إسرائيل» وباقي الملفات.
يتحدّث ديبلوماسي عربي لـ«البناء» عن «مخاطر هذه الإشارات في العمل السياسي والديبلوماسي وما تطلبه البروتوكولات والثوابت العربية بين الطرفين. فعدم التحرّك السعودي، خصوصاً في مسألة الاجتماع ضمن القاعة الواحدة مع العدو التاريخي للعرب وفلسطين، مع ما تمثله المملكة العربية السعودية من احتواء لرمز الإسلام الأكبر واعتبارها محجّة المسلمين الأولى يرفع صفارة الإنذار باتجاه الصراع «الإسرائيلي» – الفلسطيني أولاً وباتجاه التوجه التدريجي نحو علاقات سياسية أو ديبلوماسية رسمية مع دول الخليج».
الرسائل السعودية التي لم تعد موضوعة ضمن شكوك أو تأويلات بظهورها في المحافل الدولية بشكل طبيعي، تلعب دوراً خطيراً على مساحة الصراع الفلسطيني مع فكرة «المحتل»، فتُحبط الآمال المؤيدة في داخل الأراضي المحتلة لدعم حركات الشبان والشابات الفلسطينيين الذين وجدوا أن الدعم العربي لقضيتهم بات معدوماً جراء هذه التوجهات. الأمر الذي يضرب صميم المواجهة مع «إسرائيل» وقد يكون أخطر عوامل ضرب الحركات المقاومة الفلسطينية المتمركز بعضها اليوم ضمن خانة انتظار التسويات في المنطقة من دون القدرة على فصل الحلول فيها عن مبدئية الصراع مع الاحتلال. وعلى هذا الأساس تفتح هذه النافذة مجدداً أمام إيران «غير العربية» القدرة على الحضور في الأرض المحتلة من جديد لتعبئة الفراغ العربي الكبير, مع ما يُلفت في فرادتها بعقد مؤتمرات داعمة لفلسطين كالذي يدور في طهران اليوم.