فياض: أهمية قانون الانتخاب أنه مفتاح إنتاج السلطة في الدولة
نظمت منفذية الشوف في الحزب السوري القومي الاجتماعي لقاءً حوارياً في مجمع الشوف السياحي القاعة الخضراء حول: «قانون الانتخاب: الدور والآفاق»، حضرها منفذ عام الشوف كميل الطويل وأعضاء هيئة المنفذية، وعدد من أعضاء المجلس القومي والمسؤولون الإداريون وحشد من القوميين الاجتماعيين والمواطنين والطلبة الجامعيين.
في البداية، كانت كلمة لعضو المجلس القومي نجا حمادة رحّب فيها بالحضور، وأشار فيها الى أهمية الموضوع الانتخابي، باعتبار قانون الانتخاب هو القاعدة الأساسية للتعبير عن طموحات المواطنين في تحقيق دولة تليق بهم وتضمن لهم الحرية والعدالة والمساواة وحقهم في المشاركة في اختيار نوابهم إلى مجلس النواب. وأكد فيها دور الحزب في النضال من أجل إقرار قانون انتخابي عادل يكون على مستوى طموحات الشعب كله.
فياض
ثم تحدّث العميد الدكتور زهير فياض واستهلّ كلمته بالقول: بداية، لا بدّ من توجيه تحية الى منفذية الشوف، الى الرفقاء السوريين القوميين الاجتماعيين في الشوف العاملين بصمت دفاعاً عن مبادئ الحزب وعقيدته، وصوناً لوحدة المجتمع وحريّته، تحية الى القوميين الاجتماعيين في الشوف كما في كل مكان، المناضلين الحفاة العراة إلا من إيمان دافئ بحتمية انتصار شعبهم وأمّتهم ومجتمعهم في وجه كل الأخطار سواء الداخلية منها أو الخارجية.
وقال فياض: لا شك في أن لقانون الانتخاب أهمية خاصة في حياة الدول، إذ إنه الآليّة التي تنتج سلطة تمثل إرادة الشعب، وتعبّر عن اتجاهاته العامة في الحكم والإدارة والاقتصاد والأمن والثقافة والتربية وغيرها من الحقول التي تطال كل مناحي الحياة باتجاه تعزيز موقع المواطن، وتثبيت منهج المؤسسات في الدفاع عن حقوق المواطنين وتأمين الحاجات والخدمات الرعائية على اختلاف أنواعها ومستوياتها.
القانون الانتخابي يعبّر عن مستوى الوعي الثقافي والاجتماعي والسياسي للمجتمع الذي يُطبّق فيه، واذا كانت الدولة هي «المظهر السياسي الثقافي الحقوقي للمجتمع»، فقانون الانتخاب الذي ينتج السلطة التي تقود الدولة وتقوم بإدارة مؤسساتها والتحكم بمفاصلها الأساسية يمثّل مضمون هذا الشكل السلطوي وقيمه ومفاهيمه السياسية والاجتماعية والأخلاقية.
أضاف: لذا نستطيع فهم محورية النقاش حول قانون الانتخاب في لبنان، في هذه المرحلة بالذات بعد أن اكتمل العقد المؤسسي بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة تتولى ادارة الحكم على مستوى السلطة التنفيذية، ونستطيع بالتالي فهم هذا الاهتمام المنقطع النظير من القوى السياسية التقليدية وسعيها الدؤوب للحفاظ على مكتسباتها من خلال إعادة إنتاج قانون انتخابي يحافظ على مواقعها في السلطة ويعيد تدوير مصالحها ومكتسباتها المتمركزة في مفاصل السلطة كلها، أو على الأقل إعادة تطبيق القانون الانتخابي الحالي على مساوئه وعدم عدالته وانتقائيته.
القانون الانتخابي إذاً هو المفتاح لإنتاج السلطة في أي دولة …لذا له هذا الموقع وهذه الأهمية… ولكن في ظروف كظروف مجتمعنا ذي الطبيعة المعقدة والمركبة والتي تغيب في غابة انتماءاته الجزئية الطائفية والمذهبية ملامح الهوية والانتماء الوطني الحقيقي ومفهوم المواطنة الحقة تصبح – في حالة كهذه – لقانون الانتخاب مهمتان أساسيتان:
المهمة الأولى: إنتاج سلطة تمثّل قدر الإمكان اتجاهات الرأي العام كلّها وهذه مسألة نسبية وليست مطلقة لأن أي قانون له سلبياته وإيجابياته بالطبع.
المهمة الثانية: يفتح قانون الانتخاب آفاقاً واسعة رحبة لترسيخ مفهوم المواطنة والانتماء مباشرة الى الدولة، أي ترسيخ صيغة مواطن – دولة من دون إلزامية العبور عبر دوائر وسيطة تمثلها فسيفساء الطبقة السياسية القائمة حالياً، كما يفتح الآفاق لتجذير مفهوم المواطنة، وهذه مسألة أساسية لتطوير وتجويد الحياة السياسية في لبنان، لأن هذا يشكل «الكوريدور» أو الممرّ الذي يسير فيه المواطن باتجاه الانتماء إلى دولته وإلا سنبقى في الجدلية المملّة «الدجاجة قبل البيضة أم البيضة قبل الدجاجة»….
لذا، فإن طرح مشروع قانون انتخابي على قاعدة النسبيّة ولبنان دائرة واحدة وخارج القيد الطائفي مسألة حيوية للقوى الوطنيّة كلها المؤمنة بضرورة تفعيل مفهوم المواطنة كأساس لبناء الدولة العصرية الحقيقية التي تعبّر عن المضمون الحقوقيّ السياسيّ الاجتماعيّ لكل مواطنيها، على مستوى الحقوق والواجبات وعلى مستوى عضويّة الدولة.
إن قانون الانتخاب على قاعدة النسبيّة وخارج القيد الطائفي يؤسس لتعزيز مفهوم المواطنة يعني مواطن + مواطن = دولة… والنسبية بهذا المعنى تؤسس لقيام بنى سياسية من أحزاب وجمعيات عابرة للطوائف والمذاهب والمناطق وتحمل برامج سياسية واقتصادية واجتماعية تُخاض على أساسها الانتخابات…
بالنهاية لا بدّ من خطوة باتجاه بناء الدولة الحقيقية وهذا لن يحصل إلا من خلال النسبية وخارج القيد الطائفي … ويمكن النقاش في وسع الدائرة، إذ ليس بالضرورة ومباشرةً الآن «لبنان دائرة واحدة».
ولكن، ما يبعث على الاستهجان والاستغراب هو هذا التشويه المتعمّد للنسبية خارج القيد الطائفي في ما هي تشكل الضمانة والحماية لكل المواطنين، وإذا دخلنا في النقاش التفصيلي، فالنسبية تاريخياً شكّلت مطلب ما يُسمّى «الأقليات»، لأنها توسّع نطاق المشاركة في السلطة لتشمل الشرائح الموجودة في المجتمع كله.
وهذه حقيقة. وإذا دخلنا الى الجانب العملي والتقني من الموضوع… لبنان مكوّن – بالمعنى القبلي على صعيد المؤسسات القائمة – من مجموعة أقليات طائفية وإن اختلفت بالنسب والأعداد… ووفق القوانين الانتخابية المعتمدة على قاعدة مذهبية وعددية أو أكثرية وتقسيمات استنسابية…. كوتا الطوائف في مجلس النواب الى حد ما تتناسب مع أحجامها… لذا يصبح مشروعاً السؤال ما هي طبيعة المخاوف الحقيقية من النسبية على قاعدة برامج وخارج القيد الطائفي…؟ وهذا سؤال للنقاش، ولكن برأينا حتى الأقليات بين هلالين، لأننا لا نحبّذ هذه التسميات التي تتنافى ومفهوم المواطنة، أي عضوية الدولة ، هذه الأقليات بمعنى من المعاني بالحد الأدنى ستحافظ في ظل النسبية على مكتسباتها الحالية، ولن يتراجع عدد مقاعدها بين هلالين في الندوة النيابية… ولكن ما سيحصل هو تحرير هذه المقاعد النيابية من هيمنة قوى الأمر الواقع الطائفي والمذهبي، وتفتح الطريق أمام تحرير الإرادة السياسية للمواطن، لإفلاته من زنازين وقواويش الطوائف باتجاه الانتماء إلى الدولة مباشرةً.
هنا سؤال مركزي يُطرح: هل في ظل القوانين الانتخابية المعمول بها حالياً التمثيل هو صحيح؟ وهل كل الشرائح داخل طوائفها تُمثل اليوم في ظل النظام الأكثري؟ هذا سؤال مشروع. والجواب عليه بالنفي طبعاً…
السؤال: هل بالإمكان تحويل الانتخابات النيابية موعداً للتغيير، وإعادة الأمل للمواطنين بحياة كريمة في وطنهم؟ أي، هل يمكن أن يشكّل قانون الانتخابات الجديد أداة للتغيير باتجاه تطوير المفهوم الوطني لممارسة العمل السياسي الهادف الى خدمة المجتمع؟
ألا يمكن ويحقّ لمن هم خارج دوائر القرار السياسي، والواقعين في دائرة التهميش، وهم أكثرية على المستوى الوطني العام أن يشاركوا في ما سيُرسَم لهم، وما سوف يطبّق عليهم وما سيمارسونه؟
نظرياً، من حق المواطنين أن يكون لهم رأي في النظام الانتخابي الذي سوف يقترعون على أساسه. وبحثنا هذا، ما هو إلاّ مساهمة في تشكيل ثقافة يحتاج إليها المواطنون عمومًا، والمهتمّون بهذا الشأن خصوصًا.
طبعاً، إنّ الأنظمة الانتخابية التي سنتناولها هنا معتمدة في معظم دول العالم، ولو بأشكال متفاوتة، وذلك وفق الحاجات الخاصة بكل دولة. ولا بدّ من القول إنّ ما سنقدّمه ليس جديداً بكل معنى الكلمة، بل ما نتوخّاه حصراً، هو تعميم المعرفة والثقافة الديمقراطية عموماً، والثقافة الانتخابية خصوصاً، التي يجب أن ينالها جميع المواطنين.
فالمعرفة السياسية والثقافة الانتخابية هي ملك الناس والمواطنين، وليس فقط السياسيين ورجال القانون والجامعيين والمتخصصين في العلوم الدستورية وسواهم. فالمطلوب أن تكون هذه المعرفة متيسّرة لجميع المواطنين الذين سيمارسون حقهم الانتخابي.
وعرض فياض للنظم الانتخابية، وآلياتها وكيفية تطبيقها، مشدداً على ضرورة التعامل مع قانون الانتخاب في حالة بلادنا باعتباره ليس فقط آلية لإنتاج سلطة، إنما يلعب دوراً أساسيّاً في تنمية وبلورة وتأكيد الهوية وتجذير مفهوم المواطنة وهذه مسألة على مستوى عالٍ من الأهمية.
وقال: هناك العديد من الأنظمة الانتخابية التي تهدف في نهاية الأمر إلى إتاحة المجال للناخبين لاختيار من يرونه صالحاً لتمثيلهم. وهذا التعدّد في الأنظمة الانتخابية ينبع أساساً من السعي الدائم إلى استحداث ما هو أفضل وأنسب وأكثر ملاءمة وأشدّ تعبيراً عن الإرادة الشعبية. فالبحث دائماً يتركّز على النظام الانتخابي العادل والفعّال، الذي يؤمّن تمثيلاً صحيحاً للمواطنين.
وخلص فياض إلى القول بأن مشروع القانون الانتخابي الذي قدّمه الحزب السوري القومي الاجتماعي، والذي يقوم على أساس الدائرة الواحدة ومبدأ النسبية وخارج القيد الطائفي، هو الذي يحقق صحة التمثيل والانصهار والمواطنة الحقيقية، وبالتالي هو عامل تحصين للبلد، ونقطة ارتكاز لترقية الحياة السياسية وللتخلّص من آفات الطائفية والفساد.