مع انطلاق حوارات فتح وحماس… عقبات كبيرة أمام التهدئة والإعمار

راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

انطلقت الحوارات في القاهرة بين حركتي فتح وحماس وبحضور حركة الجهاد الإسلامي ورعاية الجانب المصري، ونجاح هذه الحوارات او فشلها يتوقف عليه الكثير من الأمور المرتبطة بالشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة وقضيته الوطنية، وكذلك مستقبل الأوضاع في قطاع غزة، وخصوصاً مع استئناف المفاوضات غير المباشرة «الإسرائيلية» الفلسطينية في القاهرة، وكذلك سيعقد في القاهرة الشهر المقبل مؤتمر دولي لإعادة الإعمار في قطاع غزة.

مواضيع المصالحة وإقلاع حكومة الوفاق الوطني والتهدئة وإعادة الإعمار وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية ومباشرة العمل في الإطار القيادي الفلسطيني الموقت، والذي يضمّ كافة ألوان الطيف السياسي الفلسطيني وتقاسم السلطة، هي جملة المواضيع التي سيجري الحوار حولها في القاهرة، وهذه المواضيع مترابطة مع بعضها البعض، وعليها تتحدّد نتائج الحوارات الدائرة في القاهرة، ونحن ندرك جيداً أنّ الحوارات تأتي في ظلّ حالة من انعدام الثقة بين الطرفين، وارتفاع حدة المناكفات والتحريض بينهما، وخصوصاً أنّ الرئيس عباس يؤكد أنه لا إعادة إعمار من دون حضور وتمكين للسلطة وحكومة الوفاق من أخذ دورها الفعلي في القطاع، ويرفض كما ترفض فتح وبقية الفصائل ان يكون هناك حكومة ظلّ في قطاع غزة، وهو يقول لا نقبل بحكومة «طربوش» في القطاع، ولا بحكومة صراف آلي على رأي قيادي في حماس.

حتى تستطيع القوى الفلسطينية أن تقود المفاوضات غير المباشرة مع «إسرائيل» في القاهرة بموقف فلسطيني موحد، يشكل عامل ضغط قوي على الجانب «الإسرائيلي» المتعجرف من اجل ان يقدم تنازلات جدية او يفي بالتزاماته في إطار اتفاق وقف إطلاق النار والتهدئة الذي جرى الاتفاق عليه في القاهرة قبل شهر، وخاصة انّ الطرف «الإسرائيلي» يعود إليها بإقرار قانون عدم إطلاق سراح أسرى فلسطينيين من أصحاب الأحكام العالية في أيّ عملية تبادل أو صفقة سياسية، وكذلك التصعيد من خلال اغتيال الشابين ابو عيشه والقواسمة من حركة حماس المتهمين بخطف ثلاثة مستوطنين في الخليل وقتلهم.

بالضرورة ان يتمكن الجانبان من تجاوز خلافاتهما، ويجب ان يتمّ رسم استراتيجية فلسطينية موحدة، تتوافق عليها كلّ ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، والوحدة الفلسطينية يجب ان تدوم وتستمرّ، وان تقام على قاعدة وبرنامج سياسيّين صلبين وموحدين، وليس مع كلّ هزة او تغيّرات عربية وإقليمية، تبدو قريبة او خادمة لهذا الطرف او ذاك، ننسف وحدتنا لصالح هذه الأجندات والمتغيّرات، وعلينا الا نضيّع البوصلة في غمرة تلك المتغيّرات والتطورات، بل يجب ان نوظفها لخدمة قضيتنا ومشروعنا الوطني وليس لصالح فئويتنا ومصالحنا الخاصة.

المرحلة دقيقة وحرجة وخطيرة وأية تداعيات سلبية واستمرار في حالة الردح والمناكفات التي من شأنها ان تكرّس وتشرعن الانقسام، ستبدّد كلّ المنجزات التي تحققت في العدوان الأخير على قطاع غزة، والتي دفع ثمنها شعبنا الفلسطيني اكثر من ألفي شهيد، واكثر من عشرة آلاف جريح عدا الدمار الكبير والتشريد لأكثر من ربع مليون فلسطيني أصبحوا بدون مأوى، ووضع مأساوي ضاغط دفع بالمئات او ربما الآلاف من أبناء شعبنا إلى سلوك طرق ملتوية من اجل الهجرة الى الخارج، لكي يلتهم البحر المئات منهم بسبب المافيات في الداخل والخارج التي قادت عمليات التهجير تلك.

لا إعمار ولا تهدئة بدون مصالحة، والمصالحة تتطلب الاستمرار في حكومة الوفاق الوطني ودفعها إلى الأمام، وهي تعني تمكين تلك الحكومة من العمل في قطاع غزة، حيث أنّ الدول المانحة وما يُسمّى بقوى المجتمع الدولي، تشترط ان يجري الإعمار تحت إشراف السلطة الفلسطينية، وكذلك هو الحال بالنسبة لفتح المعابر والإشراف عليها.

الآن بالنسبة لفتح وحماس لم يعد يجدي لكلّ منهما الاستقواء بالخارج من أجل فرض معادلات داخلية فلسطينية جديدة، صحيح انّ السلطة الفلسطينية تعزز أوراقها من خلال إصرار قوى المجتمع الدولي والمحيط العربي والإقليمي على تمكين السلطة من ممارسة دورها وسلطتها على قطاع غزة، ولكن السلطة لن تتمكن من العودة إلى القطاع بدون المصالحة مع حماس، وحماس غير قادرة على الإعمار في القطاع أيضاً بمعزل عن المصالحة وان تأخذ حكومة الوفاق الوطني دورها في القطاع.

ليس من مصلحة فتح او حماس التصعيد والوصول الى طريق مسدود في حواراتهما، فعدا عن خسارتهما كفصيلين، فالخسارة ستكون شاملة فلسطينياً على مستوى المشروع الوطني والقضية والحقوق، والخلاف السياسي بين البرنامجين لم يعد كبيراً وخصوصاً ونحن نستمع الى فتاوى ابو مرزوق حول شرعية ومشروعية التفاوض مع «إسرائيل»، وحديث رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل حول دولة الضفة والقطاع والتهدئة طويلة الأمد مع «إسرائيل»، من مصلحة الفريقين ان يجنحا للتسوية والمصالحة، لضمان مصالحهما وإدارة الخلاف بشكل مرحلي على الأقلّ بدلاً من الفشل وتكريس الانقسام.

نأمل ان يُدار الحوار بين الطرفين بعيداً من التشنج ولغة التخوين والتحريض والاتهامات المتبادلة، وان تكون مصلحة وحقوق الشعب الفلسطيني لها الأولوية على المصالح الفئوية وتقاسم السلطة، فالشعب الفلسطيني الذي ضحّى وما زال يضحي، يستحق ان لا تستمرّ تلك الحركتين بغدارة المشروع الوطني بنفس الأدوات القديمة، والسير على نفس المسلسل، وهو مل من هذا الانقسام والعبث، والذي لا يسهم سوى في انفضاض الكثير من الجماهير عن الحركتين، هذه الجماهير التي باتت مقتنعة بأنها وقود لمصالح خاصة وفئوية ليس أكثر.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى