واشنطن تعوّم الدور التركي
د. هدى رزق
تشهد المنطقة رهانات من قبل تركيا وبعض دول الخليج العربي، على التغيّر في سياسة الإدارة الأميركية الجديدة، اتجاه أزمات المنطقة وعودة الروح الى طروحاتهم في ما خص الازمة السورية. وليس أدل على ذلك، سوى تشكل جبهة سياسية ألى الآن، ضدّ إيران، في الوقت الذي ترتب فيه إدارة دونالد ترامب سياستها في الشرق الأوسط.
برزت مؤشرات في مؤتمر ميونيخ للامن، من كل من تركيا و«إسرائيل» والمملكة السعودية، أشرّت على تنسيق في ما بينها، ظهر جلياً بعد أن أشار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، إلى أنّ سياسة «تحقيق أمن الدول على حساب انعدام الأمن لدى الآخرين، هي سياسة غير مجدية». واقترح منتدى حوارياً في سعي للتقارب مع دول الخليج.
كان ردّ وزير الخارجية التركي، مولود جافوز أوغلو، مفاجئاً، إذ أدان سياسات إيران واتهمها بالطائفية وبضرب الاستقرار في المنطقة وبمحاولات تحويل سورية والعراق إلى دويلات شيعية! تلاقى هذا التصريح مع تصريح وزير الدفاع «الاسرائيلي» أفيغدور ليبرمان، الذي أكد أنّ الدول العربية تعتبر إيران ووكلاءها، كأكبر تهديد وليس «إسرائيل». بينما وصف وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، إيران، بأنها «أكبر داعم للإرهاب».
هذا، في وقت كان الرئيس رجب طيب أردوغان، قد وجه فيه انتقادات حادة لإيران، خلال مناقشات اثناء جولته في بلدان الخليج العربي، متهما إياها بمحاولة تقسيم سورية والعراق. ومضيفاً بأنه من الضروري وقف انتشار «القومية الفارسية».
برزت هذه الحملة وكأنها جزء من محاولة الحكومة التركية للتأثير على الإدارة الأميركية الجديدة، أو كأنها محاولة استجابة لسياسات الشرق الأوسط الجديدة، للرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعد هجومه الكلامي على إيران. وعلى الرغم من عدم وضوح هذه السياسة، إلا أنّ هذه السياسة تجاه الشرق الأوسط، تقوم على التعاون مع الدول الصديقة للولايات المتحدة، التي يعتقد أنها يمكن أن تشكل توازناً مع إيران.
أثار ازدياد حدة الخطابات المتبادلة بين تركيا وإيران، أسئلة عن استعداد تركيا لخدمة سياسة ترامب. تحمل أنقرة إيران، كواحدة من اللاعبين الرئيسيين، مسؤولية عرقلة طموحاتها في الشرق الأوسط. وتطرح نفسها في مواجهة الخط المؤثر في العراق وسورية، بشكل مباشر. وهي تراهن على عودة الدور الفاعل لواشنطن، مع ترامب وصقور العسكر وعلى رأسهم جماعة بترايوس، لكي يعيدوا العلاقات الأميركية التركية الى سابق عهدها ويعيدوا التوازن الاقليمي في سورية. مع العلم أنّ تحقيق السلام والاستقرار على طول الحدود التركية، لا يمكن أن يتمّ من دون إيران وروسيا، حيث من المفيد لها العثور على التوازن الصحيح بين واشنطن وموسكو وطهران. إذ لا يمكن لحكام تركيا بناء علاقات جيدة مع روسيا وتبني سياسة معادية لإيران. فاذا كانت سياسة ترامب هي المواجهة مع روسيا، سينعكس الامر بشكل خطير على تركيا. وستكون في موقف صعب لاختيار احد الجانبين. فتركيا محكومة بلعبة التوازن والبراغماتية، فهي ومؤيديها، تمكنوا من التكيّف مع سياسة «إسرائيل»، من خلال غض الطرف عن السياسة العدوانية لحكومة نتنياهو، من أجل تحقيق دور أكثر قوة في المنطقة وفتح الباب لمزيد من السياح «الإسرائيليين» وتتبع الاسلوب نفسه مع موسكو. وتسعى الى تحالف غير مستقرّ معها، من أجل دور أكبر في سورية والشرق الأوسط وللحصول على المزيد من السياح الروس.
لكن الثابت الرئيسي الذي تسعى إليه أنقرة، هو تعاون رفيع المستوى مع واشنطن. إلا أنّ عدم اليقين، المحيط بادارة دونالد ترامب وبنتائج 28 شباط، كآخر موعد لوزارة الدفاع الأميركية، لتقديم الخطط المنقحة لهزيمة «الدولة الإسلامية» في سورية، يثير قلقها. وهذا الموعد يقترب بسرعة. القادة الأتراك، يغضبون بسبب دعم الولايات المتحدة لحزب الاتحاد الديمقراطي وقوات سورية الديمقراطية، التي تربطها علاقات وثيقة مع وحدات الحماية الكردية، المرتبطة بدورها بحزب العمال الكردستاني، الذي يقاتل من أجل الحكم الذاتي داخل تركيا. ويريدون من إدارة دونالد ترامب، رؤية الأشياء على طريقتهم. والتخلص من الأكراد وتبني الخطط التركية بشان الرقة. والاستعانة بـ«الجيش الحر». أما وحدات الحماية الكردية الشعبية وحلفائها العرب في قوات سورية الديمقراطية، فهم يصرّون على أن وزارة الدفاع الأميركية ستواصل تحالفها معهم. وهي بلغت ذروتها في تحرير الرقة.
إلا أنّ أنقرة اقترحت المساعدة في الرقة. ولكن، طالبت باعطائها منبج. في حين تقول واشنطن «دعونا نبدأ في الرقة. دعونا نرى أداءكم والتزامكم الميداني في الرقة. ونتحدث بعد ذلك عن منبج». الولايات المتحدة تحبّذ شن العملية من الباب 110 أميال من الرقة . لكن تركيا تفضل شن العملية من تل أبيض، المتاخمة للحدود التركية 60 ميلا الى الشمال من مدينة الرقة .
تقترح تركيا إرسال القوات الخاصة ووحدات المدفعية المدرعة وكتائب مغاوير. وبذلك، سشارك بسبعة الالاف الى ثمانية الالاف من الجنود. هذا الخيار يدلّ على أعلى مستوى من الالتزام التركي، في عملية الرقة. ويعني أنّ انقرة استطاعت إقناع واشنطن أنها يمكن أن تعوّض عن فجوة المشاة، التي قد تنشأ من استبعاد وحدات الحماية الكردية من الرقة، باستخدامها قوات الكوماندوس الخاصة، بالإضافة إلى عناصر عربية من قوات سورية الديمقراطية و«الجيش السوري الحر». للتعويض عن هذه المشاركة السخية، تتوقع تركيا المساهمة في تحديد مستقبل الرقة وشمال سورية.
تصرّ الولايات المتحدة على انضمام تركيا إلى عملية الرقة، فما يزيد عن 200،000 شخص في الرقة، هم من العرب السنة. وهناك أقلية مسيحية صغيرة. أما الوجود الكردي، فهو أقل في المدينة ومحيطها. تريد الولايات المتحدة كسب القبائل العربية السنية في الرقة، التي تشعر بقلق بالغ إزاء بقاء الوجود الكردي فيها.
واشنطن ترى أنها بمجرد استعادة المدينة والمياه والكهرباء، سوف تترك الأمور هناك كما هي. وهي ولا تريد أن تزجّ نفسها في المساعدة على إنشاء المجالس المحلية وغيرها من مظاهر إدارة، كما فعلت في مدن عربية، مثل منبج وتل أبيض، مع قوات الدفاع الذاتى الكردية. أما فكرة إدراج الجيش الحر والقوات العربية المدربة من قبل تركيا، كجزء من قوة في الرقة، فهي مطروحة على الطاولة.
خطة الرئيس ترامب لهزيمة «الدولة الإسلامية»، قد تؤدّي إلى تغييرات كبيرة في الاستراتيجية السورية، الموروثة من باراك أوباما، بما في ذلك خفض مساعدة الولايات المتحدة لقوات المعارضة المعتدلة، التي تقاتل ضدّ الحكومة السورية. واستخدام مقاتلين أكراد سوريين، كقوة بالوكالة الأميركية الرئيسية، ضد المسلحين و«داعش» وهو حريص على زيادة القوة النارية الولايات المتحدة ضدّ الإرهاب. وعلى استعداد لإضافة مزيد من القوات، إلى أكثر من 500 جندي، في العمليات الخاصة الأميركية الموجودة حالياً على الأرض في سورية.
من المؤشرات على ذلك، استبعاد التمثيل الكردي عن مؤتمر جنيف. كذلك، التنسيق لمشاركة الاستخبارات الأميركية لتركيا، في تعيين مراكز حزب العمال الكردستاني من أجل قتالها.
يبدو أن هناك احتمالاً ضئيلاً أن يستطيع الاكراد التوسع، فهم وصلوا الى حائط مسدود في الوقت الراهن. فالقوات التركية مثبتة بإحكام بين كانتونات من الجهتين الشرقية والغربية، إلى جانب ذلك، تتلاشى آمالهم باعتراف واشنطن بالكانتون على هذه الخلفية. ليس للاكراد السوريين اهتمام للدخول في معركة الرقة، التي من المرجح أن تكون دموية جدا. ودون أي فائدة مباشرة لقضيتهم. إلا أنّ المنتصر الاكبر في هذه العملية، إذا تمت، فهي واشنطن، التي استطاعت أن تجر تركيا، كجيش، الى قتال «داعش»، بعد أن كانت معرضة عن الامر إبان إدارة أوباما. لكن بعد الانقلاب الفاشل، غيّرت انقرة سياستها وانغمست في العملية. أسئلة تدور حول هذا المشروع إن جرى اعتماده، تطرح مصير المناطق التي وضعت تركيا يدها عليها، أو ستحرّرها، إذا ما اعتمدت هذه الخطة في الرقة.