تقرير «شبيرا» حول فشل «الجرف الصامد» يفتح سِجالات بين نتنياهو والجيش
داليدا المولى
الحرب التي تدور رحاها في قطاع غـزة لا تقتصر على العدوان العسكري المباشر، هي حرب تشمل الحجر والبشر والبيئة، الماضي والحاضر والمستقبل، وتفرض واقعها على حياة مليون ونصف المليون فلسطيني معتقلين جماعيّاً، وإن لم تحاصرهم القضبان. يحاصرهم جدار الفصل من جهة أرضهم المحتلّة، وأساطيل العدو بحراً وجواً، فيما تخنق الاتفاقات الصهيونية مع مصر ما تبقّى من إمكانية للتنفّس. هذا الحصار المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من عشر سنوات، وما رافقه من إعتداءات مباشرة في 2008-2009 و2012 و2014، يعطي بالبرهان كيف تختلف الموازين بين ضحية وضحية، وماذا يعني أن يستوي القاتل والمقتول في عين العدالة الدوليّة التي أقلّ ما يمكن وصفها بالعمياء، ويبيّن أنّ القانون الدوليّ الإنسانيّ ليس إلّا مجموعة قواعد وُضعت ونَسيت الأمم المتحدة أن تَستخدمها في الشأن الفلسطيني، بل تحوّلت إلى أداة لتلقين من تريد درساً وتُترك عند عتبة فلسطين المحتلّة إثر الدخول إلى الصراع الدائر فيها. الاعتداءات على غزة لا تخرج عن سياسة مُبرمَجة يعتمدها العدو الصهيوني للقضاء على إمكانيّة قيام أيّة سيادة في فلسطين المحتلّة، فكيف الحال مع «الدولة الفلسطينيّة الموعودة»؟! وما التقارير التي يضعها مراقبون في «دولة» العدو عن كلّ عدوان تقوم به إلّا لتحسين الأداء في المرّات المقبلة، وهذا ما سيحمله تقرير «شبيرا» الذي وضع حلفاء الحرب على غزة في مواجهة الاتّهامات بالفشل وتراشق مسؤوليّة عدم تحقيق العدوان غاياته، وسيعودون للتخطيط سويّاً للعدوان الآتي.
برزت حالياً مسائل عدّة تتعلّق بقطاع غزة وبوتيرة سريعة، كان أوّلها بدء الحديث عن تقرير «شبيرا» حول عدوان 2014 على قطاع غزة، أو ما عُرف بـ«الجرف الصامد» حيث سيكشف عنه اليوم مراقب كيان العدو، والملحوظ التراشق الكلامي الذي سبقه. أمّا الخبر الثاني المتعلّق بغزة، فهو ما أعلنه أمس الأوّل رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو حول إمكانية نشر قوات دوليّة في القطاع، ونتج عنه خلاف داخل حكومته حول هذه التوجّهات، وفي السياق نفسه عدوان أمس على أهداف عديدة في القطاع واستهدافاته في ظلّ تذرّع العدو الدائم بسقوط صاروخ من غزة باتّجاه فلسطين المحتلّة، ما استوجب الردّ، والذي يبدو كورقة ضغط في يد نتنياهو إعلامياً قبل الذهاب لبحث التقرير.
كلّ هذه الظروف، وما يرافقها من تأزّم وضع الحصار وبدء حركة شعبيّة في أكثر من مكان في العالم لرفض العنجهيّة الصهيونية اتجاه المسألة الفلسطينية، وتزايد مقاطعة منتجات كيان العدو وأيضاً المطالبة بحق الفلسطينيين بأن يكون لديهم دولتهم ولو بحدود 1967، وكان آخرها ما عبّر عنه عشرات النوّاب الفرنسيّين، كلّها مؤشّرات لبدء جولة جديدة في غزة بانتظار ساعة لصفر. ولعلّ هذا التقرير قد يفتح أعين الأمم المتحدة وهيئاتها الدولية على المأساة التي تحصل في القطاع، وعلى التمادي الصهيوني في عمليّاته اللاإنسانية اتجاه الفلسطينيّين ووقاحته بأن يسمّي عدم اكتمال أهدافه في أرض محتلّة ومحاصرة، وعدم استخدام المزيد من القوة العسكرية وبالتالي عدم سقوط المزيد من الشهداء، فشلاً!!
تقرير «شبيرا» وفشل نتنياهو
يُرفع اليوم حظر النشر عن تقرير مراقب كيان العدو، يوسف شبيرا، المتعلّق بأداء الحكومة والجيش الصهيوني أثناء العدوان على غزة عام 2014، الذي يُطلق عليه صهيونيّاً تسمية «الجرف الصامد». ومن المتوقّع أن يسلّط التقرير الضوء على قضيّتين أساسيتين الأولى هي «الإخفاقات المتكرّرة والمزمنة في إدارة حروب إسرائيل»، والقضيّة الثانية هي «الفائدة والضرر اللذين تُلحقهما تقارير من هذا النوع بأمن الدولة».
وبحسب التسريبات، فإنّ مسوّدات التقرير تتعرّض للشخصيات التي دارت العدوان عام 2014، وستكون بمثابة صفعة لحكومة نتنياهو الذي يحاول حالياً التملّص من المحكمة الجنائيّة الدوليّة ومن التقرير، بافتعال مواجهة مع المقاومة في غزة.
وأشار كبير المعلّقين السياسيّين في صحيفة «معاريف»، ناحوم برنياع، إلى أنّ «رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو هو المسؤول الأرفع الذي يوبّخه التقرير، والادّعاء المركزي ضدّه هو أنّه لم يفعّل الكابينيت المجلس الوزاري المصغّر للشؤون السياسية والأمنيّة ، مثلما هو مطلوب بموجب القانون. فقد كان يعرف الوضع جيداً، وكذلك يعلون كان يعرف، لكنّهم لم يشركوا الوزراء».
ويضيف برنياع، أنّه «لم يتمّ عقد مداولات استراتيجيّة بشأن غزة، ولم يتمّ بحث بدائل سياسية و/ أو لفتات إنسانيّة، التي ربما كانت ستؤدّي إلى تفادي العملية العسكرية، ولم يتلقَّ الكابينت معلومات استخباريّة كاملة عن التهديد المتوقّع من غزة، ولم يتلقَّ معلوماتٍ عن أنّ المعلومات الاستخباريّة ليست كافية إزاء التهديد المتوقّع من غزة. ورئيس الحكومة، وزير الأمن والكابينيت، لم يحدّدوا للجيش غايات استراتيجية، ومن دون وجود خيار أمامه حدّد الجيش غايات استراتيجية لنفسه».
وحمّل برنيـاع كافـة الإخفاقات التي سيتطرّق تقرير المراقب إليها، في إشارة إلى العدوان على غزة عامي 2008 و2012 إلى جانب عدوان 2014، لنتنياهو، واعتبره مسـؤول مبـاشرة عن قسم من هذه الإخفاقات.
تراشق التّهم يسبق الكشف عن تقرير «الجرف الصامد»
رفض رئيس أركان الجيش الصهيوني في حينه، بيني غانتس، ما تناقلته وسائل إعلام صهيونيّة من انتقادات وُجِّهت إليه شخصياً وتتعلّق بأدائه خلال العدوان العسكري على غزة، فيما عقّب وزير الحرب السابق، موشيه يعالون، على التسريبات بخصوص ما سيتضمّنه تقرير مراقب كيان العدو يوسف شبيرا، بالقول: «هناك من يدأب على التسريبات، وهناك من يقاتل بجبهة الحرب».
ويرافق هذا السِّجال والترقّب تبادل التهم ما بين المستوى السياسي والعسكري، حيث حمّل المستوى السياسي الجيش خلال عدوان 2014 على غزة سبب المأزق والإخفاقات بالحرب، وزعم الوزراء أنّ قيادة الجيش غرّرت بهم، حيث لم يكن الجيش مستعدّاً بالشكل الكامل للدخول في العملية العسكرية، وهو يتحمّل مسؤولية الوصول إلى الوضع الحالي.
القائد السابق للواء الجنوب في الجيش، وزير البناء والإسكان، يوآف جالانت، الذي منح الدعم للجنود الصهاينة، اتّهم عبر حسابه على «تويتر» الوزير السابق يعالون والضابط غانتس، بالفشل والإهمال والاستخفاف بالجاهزيّة للحرب والتردّد في استعمال مزيدٍ من القوة خلال الحملة العسكرية، لافتاً إلى أنّهما يحاولان التستّر على فشلهما من خلال غطاء «الكابينت».
من جانبه، وجّه موشية يعالون، الذي كان وزيراً للحرب خلال العدوان، انتقادات شديدة اللهجة للعديد من الوزراء في الحكومة، ودحض الادّعاءات التي أوردها بعض الوزراء الأعضاء في المجلس الوزاري المصغّر للشؤون السياسية والأمنيّة.
وتشير التقديرات، بحسب ما تناقلته وسائل الإعلام الصهيونية، إلى أنّ تقرير المراقب يتضمّن ملاحظات كثيرة، وبينها ملاحظات شديدة، لكنّ التقرير لا يتضمّن توصيات ضدّ الأشخاص الذين يتناولهم، وأبرزهم رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب في حينه، موشيه يعالون، ورئيس أركان الجيش في حينه، بيني غانتس.
ولا شكّ أنّ ما حدث أمس من اعتداءات على غزة، بحجّة سقوط صاروخ في الأراضي المحتلّة وتحميل المسؤوليّة لحركة حماس في غزة، سيحاول نتنياهو وفرقته العسكرية استخدامه لـ«تبرير» الاعتداءات المستمرّة على القطاع، فيما هو حقيقةً لا يشكّل إلّا حجّة يتذرّع بها كيان العدو والإدارة الأميركيّة، من دون الالتفات إلى الحصار والقتل والاحتلال الذي يستشري في الجسد الفلسطيني سنة بعد أخرى.