جريصاتي: التطبيق الحكيم للتشريعات المالية يساهم في تخطي آثارها السلبية
أشار وزير العدل سليم جريصاتي إلى «أنّ القطاع المصرفي العالمي بوجه عام والقطاع المصرفي العربي بوجه خاص، يواجه تحديات كبيرة ومتعددة، في ظلّ بيئة عالمية تتصف بالديناميكية القصوى، ابتداء من تحرير الأسواق المالية الذي تفرضه اتفاقيات منظمة التجارة العالمية والمعايير الدولية، لا سيما معايير لجنة بازل 1و2، مروراً بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وتبادل المعلومات التلقائي وصولاً إلى تحديات التقدم التكنولوجي في مجال العمل المصرفي».
ولفت جريصاتي خلال افتتاح «الملتقى الاقليمي لمجموعات مدراء الشؤون القانونية في المصارف العربية» إلى «أنّ الأزمات المالية والتغيرات السياسية التي شهدها العالم ساهمت في زيادة حجم هذه التحديات وتشعبها، إذ أنها أدت إلى إزدهار عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب بطرق وأشكال جديدة ومتنوعة مستفيدة من التقنيات المتطورة في وسائل الدفع والخدمات المصرفية الحديثة».
وقال: «إزاء هذا التطور الكمي والنوعي السريع والهائل في الأساليب المستخدمة لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب وسائر العمليات المالية غير المشروعة كالتهرب الضريبي وحيال هروب رؤوس الأموال، انهمكت السلطات التشريعية في العالم، بالتعاون مع المصارف والمؤسسات المالية، للقيام بعملية تعديل جذرية لتقنيات الرصد المتبعة حتى تتمكن من إقتفاء آثار هذه العمليات والعمل على مكافحتها، وكان أبرزها تشريعات الولايات المتحدة التي هيمنت على المشهدية بشكل شبه كامل بحيث أصبحت تطبق على العمليات المصرفية العابرة لحدودها».
وأشار إلى أنّ «قانون الامتثال الضريبي للحسابات الخارجية FATCA وما يستتبعه من إلزام المؤسسات المالية الأجنبية غير الأميركية بتقديم تقارير عن عملائها إلى مصلحة الضرائب الأميركية، يشهد على هذه الهيمنة القانونية. ولم يبق أمام المجلس النيابي اللبناني، إلا أن يبادر حديثاً إلى إقرار ثلاثة قوانين أساسية في أواخر العام 2015 وفي جلسة تشريع الضرورة، وهي: تعديل قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وقانون يرمي إلى مراقبة نقل الأموال النقدية عبر الحدود وقانون تبادل المعلومات الضريبية تلقائياً».
أضاف: «مما لا شك فيه أنّ هذه الأحكام ساهمت بصورة أكيدة في مكافحة تبييض الأموال وكانت السبب الرئيسي من أجل توقيع عقود تبادل معلومات بين الدول والبنوك في مختلف أنحاء العالم ولا سيما منها التي يعتمد نظامها المصرفي على السرية المصرفية إن أقرينا بعد اليوم بوجودها، إلا أنّ فعالية هذه الأحكام في مكافحة تمويل العمليات الإرهابية بقيت غير أكيدة، إذ أنّ هذه العمليات لا تستخدم عادة الخدمات المصرفية لتمويلها، بل إنها تعتمد على الدفع النقدي أو المقايضة TROC على المواد الأولية لتأمين التمويل اللازم لها، وهذا ما يقوم به داعش تحديداً من خلال عمليات بيع النفط انطلاقاً من سورية والعراق».
وتابع: «إن كان صحيحاً أنّ هذا الاتجاه ساهم مساهمة كبيرة في تنظيم العمليات المصرفية ضمن إطار تشريعي دقيق ومفصل، إلا أنه أدى، في الواقع، الى نتائج انعكست سلباً على عمل المؤسسات المصرفية، وأهمها: المبالغة في قائمة المعلومات المطلوبة عن العميل ما يزيد التعقيدات والصعوبات في فتح الحسابات المصرفية، … إضافة إلى الصعوبة في إجراء التحويلات المصرفية والتأخر في إنفاذها نتيجة التأكد من مدى مواءمتها التشريعات الدولية المفروضة، مما يسبب خسائر اقتصادية غير مستهان بها ويناقض بحد ذاته مبدأ حرية التبادل التجاري وحرية الحركة التجارية المنصوص عليهما في شرعة المنظمة العالمية للتجارة، والانخفاض في حجم العمليات التجارية والأرباح الناتجة عنها بسبب تعقيدات تطبيق هذه الأحكام، ما انعكس سلباً على قيمة أسهم المصارف الأميركية وغير الأميركية وربحيتها، هذا فضلاً عن الصعوبات التقنية التي تواجه القانونيين في المصارف لجهة معرفة محتوى الأحكام والتشريعات وكيفية تطبيقها في ظل الاختلافات الجذرية في النظم القانونية العالمية».
ولفت إلى أنه «بالإضافة الى ما تقدم، أدى تطبيق هذه القرارات إلى اعتماد المصارف سياسية تخفيض المخاطر DE-RISKING، تتسم بالمزيد من الحرص في إنفاذ العمليات المصرفية وتقديم الخدمات للعملاء، وذلك تفادياً لفرض أي عقوبات بحقها من جراء عملية تحويل مصرفي أو غيرها من العمليات المصرفية الأخرى. هذا الميل بتخفيض المخاطر دفع بالمصارف العالمية إلى وقف تعاملها مع بعض البنوك الموجودة بغالبيتها في الدولة النامية، الأخطر من ذلك يكمن في أن البنوك التي تم وقف التعامل معها بدأت تختبئ من خلال استعمال تقنية الإدماج Fusion ضمن أنظمة وأشكال قانونية موازية ساهمت في خلق المزيد من العوائق لضمان الشفافية وجعلت عملية إكتشاف تبييض الأموال أكثر صعوبة وتعقيداً».
وقال: «إنّ هذه السيئات جميعها ليس من شأنها أن تثنينا عن اتخاذ جميع القرارات والإجراءات لمكافحة آفاتي الإرهاب وتبييض الأموال، المزعزتين للاستقرار وللسلم العالميين، بل على العكس تماماً تدفعنا لاتخاذ الإجراءات الآيلة إلى تطوير سريع للتقنيات المصرفية وللترسانة القانونية من أجل الحد، على قدر المستطاع، من التجاوزات وتعزيز «الحكمة» في تطبيق هذه التشريعات لتخطي جميع آثارها السلبية».
كما كانت كلمة لرئيس جمعية المصارف د. جوزيف طربيه الذي شدّد على ضرورة أن «يبنى القطاع المصرفي العربي، الذي يعتبر دعامة أساسية لتطوير الاقتصادات وتعزيز وتحقيق الشمول المالي والعدل الإجتماعي، على أسس قوية ومتينة وقائمة على التخطيط والتشريع والقوانين الواقية».
واعتبر الأمين العام لاتحاد المصارف العربية أنّ «الملتقى خطوة متقدمة لبدء حوار قانوني مصرفي عربي لمناقشة دور الدوائر القانونية في المصارف وإرتباطها الوثيق بالدوائر الأخرى، لا سيما منها ضباط الالتزام وإدارة المخاطر والتدقيق الداخلي».
ورأى ممثل نقيب المحامين المحامي بول مرقص أنّ «القوانين اللبنانية قديمة العهد وتحتاج إلى تطوير لا سيما التشريع المصرفي».
وفي الختام، قلد طربيه الوزير جريصاتي درعاً تكريمية وعينه رئيساً فخريا لـ«مجموعة مدراء الشؤون القانونية في المصارف العربية».