الأميركيون يهاجمون حزب الله والقضية الفلسطينية من مخيم عين الحلوة!
د. وفيق ابراهيم
الأطراف الفلسطينية المتقاتلة في مخيم عين الحلوة المجاور لمدينة صيدا عاصمة الجنوب اللبناني تنتمي سياسياً إلى الفريق الأميركي إما مباشرة أو بشكل ملتبس.
هناك منظمة «فتح» التي تمثل «نظرياً» الجناح العسكري لسلطة فلسطينية يقودها الرئيس محمود عباس وتقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع الكيان «الإسرائيلي». أما الطرف الثاني فهو الحركات التكفيرية الوهابية المنتشرة في المشرق العربي التي تربّت وترعرت على أيدي المخابراتين السعودية والتركية… فكيف تتقاتل جهات تنتمي إلى المحور السياسي نفسه وهو المحور السعودي ـ التركي، وبالتالي الأميركي على هذا النحو العنيف التدميري؟ أهو مجرد صراع على النفوذ داخل المخيم؟.. لو كان كذلك لانتهى منذ أمدٍ بتقاسم سريع كما يحدث دائماً بين الذين لا يمتلكون قضية.
يجب إذاً التفتيش عن الأسباب الكامنة وراء هذه الاشتباكات مع محاولة تحديد أهدافها بشكل دقيق لما تمثله القضية الفلسطينية من أهمية لبلاد الشام والمشرق العربي.
ولأن الجهات الفلسطينية المتحاربة بينها مرتبطةٌ إيديولوجياً وسياسياً وعسكرياً، بالقوى الإقليمية، فإن أحداث «المخيم» تشكل جزءاً بنيوياً من حروب الإقليم.
ولكشف المستور، تكفي الإشارة إلى أن أفرقاء الصراع الداخلي الفلسطيني كانوا على أحسن حال فيما بينهم منذ 2012 وحتى 2016.. وهي مرحلة الاستثمار الأميركي ـ السعودي ـ التركي في الإرهاب.. حتى أن معظم التنظيمات الأساسية الفلسطينية القريبة من دويلة محمود عباس وصولاً إلى منظمة حماس وعصبة الأنصار، كانوا مصطفين إلى جانب الذين يهاجمون الدول في سورية والعراق واليمن ولبنان من دون مواربة أو تحايل.. ويجسدون في هذا الأمر اندماجاً داخلياً فلسطينياً مؤيداً للهجوم الأميركي ـ الغربي على المنطقة، بذريعة من إثنتين: إما بحجة إنشاء دولة خلافة للإخوان المسلمين أو لداعش، ولبعض المنظمات الفلسطينية علاقة بنيويّة بهما. أو لكي يؤمنوا انتصاراً للفريق الذي يقبل بدويلة للفلسطينيين تجمع بين قطاع غزة وقسم من الضفة الغربية السعودية وتركيا .
إنّ توقيت الانفجار بين فريقين فلسطينيين يعملان للوصول إلى الغاية نفسها.. أحدهم وهو فتح يريد لسلطة عباس أن تحظى بأي دويلة من خلال الأميركيين والآخر يريد تدمير المنطقة بكاملها لإنشاء خلافة بطربوش أميركي، ولو على حساب إلغاء القضية الفلسطينية. وهذا التوقيت تزامن مع بدء صراع الأميركيّين المزعوم مع منظمتي داعش والنصرة الإرهابيتين في سورية والعراق.. فيبدو الأمر وكأنه حرب اميركية بريئة.. للقضاء على الظواهر المدمرة للمجتمعات في حين أن الخطة الأميركية غيّرت مسارها في محاولة لاحتواء التدخل الروسي العسكري المتصاعد والنفوذ الإيراني المتوثّب. وبدلاً من أن يستهلك المشروع الأميركي وقتاً أطول لتطبيق بنوده أسرع تحت الضغط الدولي والإقليمي ـ الإيراني لينتهي فيلماً أميركياً طويلاً مصوراً بالدم والدمار مع عويل النازحين ويختصر مراحل المؤامرة ومشاهدها.
وإذا كانت المنظمات التكفيرية في سورية وسيلة أميركية لتقسيمها دويلات مذهبية وعرقية، تحت الحماية الأميركية والتركية، فإن الدور الجديد لاشتباكات مخيم عين الحلوة أنها الجزء اللبناني ـ الفلسطيني من المشروع الأميركي.
فما هي أبعاد هذا الجزء المبرمج؟
على المستوى الداخلي للمخيم، يبدو أن هناك محاولة للقضاء على دوره الفلسطيني الذي يختزن ذكريات النازحين عن قراهم ومدنهم في فلسطين المحتلة، وهم على مقربة منها في الجوار اللبناني، لا سيما وأن عين الحلوة هو أكبر مخيم فلسطيني في لبنان، وقواه العسكرية وازنة، لكنها مكبوحة لجهة الوحدات المرتبطة بسلطة محمود عباس أو جرى تغيير مسار تهديفها من فلسطين إلى الداخل السوري والعراقي والمصري بالنسبة للتنظيمات المرتبطة بالإخوان المسلمين والقاعدة وغيرها.
لذلك يمكن القول بمنطقية موزونة إن الجزء الفلسطيني من الاشتباكات يرمي إلى إنهاء القضية الفلسطينية من طريق تدمير مخيم عين الحلوة، وإنهاء دوره مرة واحدة وإلى الأبد.
وهذا الأمر يتطلّب مسألتين مترابطتين: عرقلة حزب الله ودفعه إلى حروب أهلية داخلية، وتحويل لبنان إلى ساحة قتال مذهبية وطائفية للهدف نفسه. فتنتهي أميركا من حزب الله، لأنه يشكّل رأس حربة النفوذ الإيراني كما تزعم. وتدمّر أيضاً القضية الفلسطينية.
ومن المعروف أن مخيم عين الحلوة يقع على الطريق الرابط بين جنوب لبنان، الموقع الأساسي لحزب الله في مواجهة «إسرائيل» ومدينة بيروت والبقاع اللبناني، المراكز السياسية والتموينية والخلفية والعسكرية لحزب الله.. وعندما تنجح التنظيمات الفلسطينية في قطع الطريق إلى الجنوب أو عرقلة الانتقال الهادئ عليها، فإنها تسبب إزعاجاً كبيراً للدور المقاوم لحزب الله في وجه العدو «الإسرائيلي»، وتؤذي دوره في مكافحة الإرهاب في الإقليم العربي انطلاقاً من تموضعه في سورية.
والحركة الأخرى التي تقف خلفها السياسة السعودية التركية ـ الأميركية من خلال اشتباكات مخيم عين الحلوة هي استنزاف حزب الله في الداخل اللبناني من خلال حملة تحريض طائفية ومذهبية بدأ ظهور ملامحها في وسائل الإعلام في البرامج المشوّهة لبيئة حزب الله المترافقة مع حملات من مؤسسات دينية تتهم الحزب كعادتها بأداء دور مذهبي. إلى جانب تجميع عناصر من التكفيريين في البقاعين الغربي والأوسط وشمال البلاد، بالإضافة إلى بعض أحياء بيروت.. والهدف معروف.. وهو استنزاف القوة الشعبية العربيّة الوحيدة مع حلفائها في التنظيمات القومية والوطنية وتحويل لبنان ساحة نموذجية لتحرك الإرهابيين بتغطية إقليمية ودولية، وذلك ليس حباً بالإرهابيين بل رغبة في المشروع الغربي السعودي ـ التركي بتدمير حزب الله الذي يعتبرونه الطرف الوحيد الذي يحمي القضية الفلسطينية من الانهيار.. لذلك يركزون الهجمات عليه ببعدين مزعومين: المذهبية من جهة وأنه يعمل في سبيل توسيع النفوذ الإيراني في بلاد الشام والعراق واليمن من جهة ثانية.
والبعد الأخير لاشتباكات عين الحلوة بعد استهداف حزب الله والقضية الفلسطينية هو التصويب على عهد العماد ميشال عون رئيس الجمهورية الذي أعلن جهاراً ومرات عدة أن عهده هو عهد التحالف بين «الجيش اللبناني والمقاومة في حزب الله وحلفائه والشعب»، مؤكداً أن «إسرائيل» هي «عدوتنا» وتحتل قسماً عزيزاً من «لبناننا».
ويلاحظ أن هذا الموقف من قبل الرئيس عون، هو أول موقف صريح يصدر عن رئيس لبناني منذ الاستقلال في 1948 وحتى الآن.. بمعنى أنه إعلان بالتمرد على الانتماء الغربي التاريخي، والتحام بمشرقية عربية صريحة، يعلنها مسيحي ماروني بلا خوف ولا وجل.. وهذا ما لا تحتمله السياسات الأميركية و»الإسرائيلية» والسعودية في المنطقة.. فهم يخشون من تصاعد الموقف العوني نحو تحالف عميق مع سورية الأسد بتغطية من الدور الروسي الكبير في بلاد الشام.
هذه هي الأسباب الفعلية لاشتباكات مخيم عين الحلوة التي تحاول جهات دولية تصويرها وكأنها حرب بسيطة على النفوذ بين رجال عصابات، ولأن الأطراف اللبنانية استوعبتها بأبعادها المذكورة، فإن استنفاراً عسكرياً وأمنياً لبنانياً إلى جانب يقظة حزب الله، الدائمة التي لا تغفل أبداً كفيلان بالتعامل معها وصولاً إلى مرحلة إحباط أدوارها.
ويبدو أن التعامل اللبناني مع هذه الأحداث قد يصل إلى مراحل دفع المتقاتلين إلى داخل المخيم والسيطرة على مداخله.. مع رفع جاهزية المخابرات العسكرية والأمن العام إلى الدرجة القصوى ما يعني انتصار لبنان على الألاعيب السعودية الجديدة ـ التي يؤكد عهد الرئيس عون أنه قادر على استيعاب كل مشاريع التدمير بوعي الشعب اللبناني ويقظة القسم الأصلي من المقاومة الفلسطينية صاحب المصلحة الفعلية بتحرير كامل فلسطين من النهر إلى البحر. وإن غداً لناظره قريب.