أردوغان إلى موسكو… بعد خيبته من واشنطن!
د. هدى رزق
يبدو الرئيس الأميركي دونالد ترامب متمهّلاً في اختياره للجهة التي ستخوض القتال ضدّ داعش في الرقة الى جانب الولايات المتحدة في الوقت الذي يحتدم فيه الصراع بين جميع اللاعبين على الساحة السورية. أما «قوات سورية الديمقراطية» وقوات الحماية الكردية فهي التي تحظى برعاية وثقة الأميركيين، وتستفيد من زيادة دعم البنتاغون، حتى انها باتت تتقدّم في الشمال والشمال الشرقي من الرقة.
أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فهو يلوّح بالتنسيق مع موسكو بشأن تحرير الرقة من داعش اذا أرادت. كذلك يؤكد وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو أنّ قوات الحماية الكردية وحزب الاتحاد الديمقراطي هما جزء لا يتجزأ من حزب العمال الكردستاني الإرهابي بالنسبة الى تركيا، ويخيّر واشنطن بين التعامل مع تركيا كحليف في حلف الناتو او التعامل مع الإرهابيين، ويهدّد بضرب منبج. سئم أردوغان الانتظار، لكن وحسب المعلومات المتوافرة ليس هناك ايّ تغيّر في علاقة الأميركيين بالأكراد.
لم يتوقف الجيش التركي عن قصف منبج منذ دخوله الباب بعد ان حدّدها أردوغان هدفاً بعد الباب، ما حمل الأميركيين على رفع علم بلادهم في منبج كإنذار للجيش التركي الذي يعتقد بأنّ الأميركيين لن يشتبكوا مع الأتراك بل انهم لا يريدون أيّ احتكاك بين الطرفين.
لم يتوقف الرئيس التركي عن التصريح بأنه يريد انسحاب وحدات الحماية الى شرق الفرات، لكن قائد العمليات العسكرية الأميركية في العراق قال إنّ جزءاً من هذه القوات سيشارك في تحرير الرقة. في هذه الأثناء استولت القوات التركية مع «الجيش الحر» على القرى المحيطة بمنبج تحت نيران كثيفة… أما «قوات سورية الديمقراطية»، الكردية منها والعربية، فهي أبدت استعداداً لقتال القوات التركية باعتبارها قوات احتلال.
في ظلّ هذه الأجواء قال قائد القوات الأميركية «تاونسند» انّ حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الحماية يريدون التعاون مع تركيا في تحرير الرقة ولا يريدون قتالها وهو يرى أنهم لا يشكلون خطراً عليها…
يؤكد الناطق باسم وحدات الحماية الكردية انّ روسيا اتفقت مع تركيا على تسليمها مدينة الباب مقابل حلب، لكنها لن تسمح لها بالتوغل في الأراضي السورية، لذلك أغلق الجيش السوري طريق الباب الى منبج من الجنوب، يخشى الأكراد من إعطاء الأميركيين الضوء الأخضر لتركيا لاقتحام منبج. لأنّ هذا قد يعني نهاية التعاون مع واشنطن، لكن الجنرال «جوزف فوغل أكد لهم انّ الولايات المتحدة و«قوات سورية الديمقراطية» هم من سيقود المعركة في الرقة وطلب منهم الانتظار.
لا تنفي وحدات الحماية انّ الجيش السوري، بإقفاله الجهة الجنوبية لمدينة الباب قد سهّل مهمة الأكراد، ومع تقدّم الجيش السوري إلى خطوط «قوات سورية الديمقراطية» تغيّر الوضع.
لكنهم يرون انّ لقاء بوتين أردوغان في 9 و 10 آذار/ مارس سيقرّر فتح طريق سورية لتركيا من عدمه ويعتقدون انّ الأمر مرهون بهذه المحادثات.
فالرئيس التركي يحمل سلة من القضايا لنقاشها مع الرئيس الروسي بوتين في الاجتماع الذي سيعقد في موسكو. منها ما يتعلق بالشأن الاقتصادي حيث تتوقع تركيا رفع روسيا كامل العقوبات المفروضة على التجارة بعد إسقاط وتسهيل إجراءات منح التأشيرات للمواطنين الأتراك، وخاصة رجال الأعمال حيث سيعمل الجانبان على إعادة النظر في جميع أبعاد التعاون الاقتصادي والطاقة، وسوف تستكشف الإجراءات المشتركة المحتملة. سيجري كذلك النقاش حول البحر الأسود، حيث يعزز الناتو وجوده ودورياته ما يغضب موسكو، أما موقف تركيا، فهو التشديد على أهمية اتفاقية «مونترو».
موقف تركيا التقليدي هو عدم خلق أيّ خطر مع روسيا في البحر الأسود والحفاظ على منظمة حلف شمال الأطلسي بعيداً عن المنطقة قدر الإمكان لكن أردوغان خرج عن هذا الموقف في ظلّ توتر العلاقات مع روسيا اثر إسقاط طائرة السوخوي 2015، وحاول تأليب الاطلسي على روسيا. يخشى الأكراد أن تأتي بعض المناقشات والمصالح على حسابهم لا سيما أنّ خطر الصدام بين القوات التركية والجيش السوري الحر مع الجيش السوري أصبح أكثر احتمالاً في ظلّ وقوفهم كسدّ بين الأكراد والأتراك. لكن روسيا قد عبّرت عن عدم رضاها عن خطط تركيا للتقدّم في سورية من الجنوب أو الشرق الى الرقة ومنبج، وهي تعي انّ أردوغان منزعج من التقارب الكردي الروسي، بعد عقد المؤتمر الكردي في العاصمة الروسية، وتشديد موسكو على أهمية ان يجري إدراج وحدات الحماية الكردية في اجتماعات جنيف، وفي مناقشات عملية الانتقال السياسي.
ربما تجدر الإشارة انه قبل دخول ترامب إلى البيت الأبيض وإلى جانبه مايك فلين في قيادة مجلس الأمن القومي قبل تقديم استقالته، كان سيتمّ نقل ملف تركيا في وزارة الخارجية من المكتب الأوروبي الى مكتب شؤون الشرق الأوسط. تعود هذه الفكرة الى أنصار وزارة الدفاع البنتاغون كون تركيا، التي تقع تحت منطقة مسؤولية القيادة الأميركية الأوروبية بدأت تسبّب المتاعب للقيادة المركزية التي تقود العمليات في سورية والعراق. لكن وزارة الخارجية تحرّكت ضدّ نقل ملف تركيا إلى مكتب شؤون الشرق الأوسط، لانه سيؤدّي إلى تعقيد طبيعة العلاقة وإرسال رسالة رفض لعضويتها في حلف شمال الأطلسي.
كان بإمكان هذه الخطوة ان تنهي تقليداً دبلوماسياً أميركياً يضع تركيا واليونان في ملف واحد. قرار ضمّ ملف تركيا الى المكتب الأوروبي اتخذ مع هنري كيسنجر في العام 1974 بعد التدخل التركي في شمال قبرص. أبدت أنقرة انزعاجاً وحذرت إدارة ترامب عدم اتخاذ أيّ خطوات لتغيير موقع ملف تركيا. يبدو أنه تمّ تجنّب هذه الأزمة في الوقت الحاضر.
لكن لا يبدو انّ هناك تغييراً في خطة وزارة الدفاع البنتاغون، فلديها في المناطق الكردية أربع قواعد عسكرية فيما تسعى «سي أي آي» إلى إقامة قاعدة في منطقة «ديريك». رأي البنتاغون واضح بشأن التعاون مع الأكراد وهم يسعون الى شراكة ترفضها تركيا مع قوات الحماية من أجل ضرب داعش في الرقة ويرون أنه على تركيا العودة الى المفاوضات مع الأكراد، لا سيما أنّ التفاوض لا يتمّ بين الأصدقاء بل بين الأعداء حسب قول الكولونيل ريتش اوتسون وهو صديق لتركيا.
هذه الرسالة تضعف الرئيس التركي وتعيده الى المربع الأول، فهو اليوم يخوض التعديلات الدستورية من أجل الظفر بالنظام الرئاسي ويتحالف مع القوميين الأتراك المتطرفين، فهو لم يستطع ان يتحالف مع هذا الخط السياسي إلا عندما أسقط الحوار مع حزب العمال الكردستاني وخاض الاثنان حرباً ضروساً في الجنوب الشرقي من تركيا. فأيّ تراجع عن هذا الموقف سوف يحمل حزب الحركة القومية على الانفكاك عن حزب العدالة والتنمية في الاستفتاء على الدستور، ويطيح بدولت باهشلي رئيس حزب الحركة القومية الذي يلقى نقداً من داخل حزبه كونه سلّم كلّ أوراقه لأردوغان.
فالرئيس أردوغان حمل راية قتال داعش وحزب العمال الكردستاني في حملته من أجل الاستفتاء على الدستور. كما انه كان قد اعتقل بعض الأكاديميين وطرد البعض الآخر من الجامعات بسبب عريضة طالبوا فيها بإيقاف الحرب والعودة الى المفاوضات ولم يتورّع عن اعتبارهم «خونة»، و«أدوات إرهابية» وأصحاب «نفوس وسخة»، واعتبر باسكن وهران، وهو باحث بارز في الشؤون الدولية بأنه «جاهل»، «مثير للاشمئزاز»، و«لئيم».
لا تبدو الحلول سهلة بالنسبة لأردوغان في ظلّ التوافق الروسي الأميركي. يراهن على زيارته لروسيا لعله يستطيع إجراء تعديل ما.