في وهج ميلاد المؤسّس.. قيم قسم الزعامة فعل حياة جديدة!
هاني الحلبي
في كوخ في منطقة رأس بيروت، كان المقرّ الأول للزعيم أنطون سعاده في المدينة، أرادت كوكبة من الرعيل الأول أن تحتفي بميلاده في أول آذار من ذلك العام.
حملت إليه ضمّة من ورد، وأحدهم حمل إليه ضمة من رفقاء جدد. وقلوبهم تقول إنّ الثقاب الذي أوقده في غابات النفوس ها هو يمتدّ في هشيمها فيحرقه ليصلح ترابها أثلاماً مهيأة للزرع الجديد.
لكن ردّ المؤسس كان كعادته نوعياً، إذ وجد الفرصة سانحة ليؤكد قسم الزعامة الفريد، الذي ألزم نفسه طوعياً به، فأوقف نفسه على قضية أمته السورية، عاملاً بكلّ ما يستطيع لفلاحها، مُقصِراً جهده على خدمتها وانتصارها، فلا تستغرقه فردية ولا يستحوذ على جهود رفقاء آمنوا بزعامته زعيماً هادياً للأمة والناس، فإذا بهم يتحوّلون حاشية تابعة بلا قضية وبلا اتجاه فاعل لمجموعهم وأمتهم، كحالة أيّ تزعّم إقطاعي قديم أو حديث أو متجدّد.
وفي قَسَم الزعامة قيمٌ يجدر بنا التذكير بها في مناسبة ميلاد المؤسس أنطون سعاده، كاشف القضية ومطلق النهضة ومؤسس إدارتها الفاعلة.
وتنجلي هذه القيم الهامة بالتدقيق في نص قَسَم الزعامة القومية الاجتماعية، وهو الآتي:
«أنا أنطون سعاده أقسم بشرفي وحقيقتي ومعتقدي على أنّي أقف نفسي على أمّتي السوريّة ووطني سورية، عاملاً لحياتهما ورقيّهما، وعلى أن أكون أميناً للمبادئ التي وضعتها وأصبحت تكوّن قضيّة الحزب السوري القومي الاجتماعي، ولغاية الحزب وأهدافه، وأن أتولّى زعامة الحزب السوري القومي الاجتماعي وأستعمل سلطة الزعامة وقوّتها وصلاحياتها في سبيل فلاح الحزب وتحقيق قضيّته وأن لا أستعمل سلطة الزعامة إلاّ من أجل القضيّة القومية الاجتماعية ومصلحة الأمّة، على كلّ هذا أُقسم أنا أنطون سعاده».
بدأ الزعيم القسم واختتمه بتحديد هوية صاحبه تعييناً للمسؤولية عن كلّ حرف فيه، وتكريساً للجدية المطلقة، إذ القضية التي أقسم عليها هي قضية الوجود كله، وليست قضية منافع طارئة أو عابرة ويمكن استبدالها بمثيلات عينية لها والتسوية فيها او المساومة عليها.
أقسم بما هو مقتنع به وحصيلة تعيين عقلي واعِ وصحيح، وليس منسوباً إلى فكرة ملتبسة او غامضة أو ماورائية، «أقسم بشرفي وحقيقتي ومعتقدي». ثلاثة معايير الشرف والحقيقة والمعتقد تصيب أعماق النفس والروح والبنية العقلية للمرء. وما يعني الشرف سوى حضور الكائن وسط ما يكون، والحقيقة جلاء المعنى والفكرة لهذا الحضور المتكامل الناضج الراشد، والمعتقد تكامل الشخصية الفكرية والقيميّة للمرء ليكون له موقف ورأي واتجاه ولون وغاية بانية في الحياة.
حدّد في هذه القيمة الثالثة ماهية القسم وهي «أنّي أقف نفسي على أمّتي السوريّة ووطني سورية». ووقفُ النفس أنه حدّد لها غاية عظيمة منشودة لها، لا تعلوها غاية في الحياة. فأصبحت هي الحياة كلها، ومعناها وسداها. وأن نفس زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي موقوفة لأمته السورية ولوطنه السوري، وليس لأية غاية أخرى. ليس لأمة غيرها وليس لوطن غيره، وليس لأية غاية غير النهوض بهما. فليس همّه النساء، ولا المال، والتفرّد، ولا التأليف الأدبي، ولا الفني، ولا الجاه، ولا المنافع الدنيوية والأخروية من أي نوع كانت. ولا حيازة أيّ سلطة، من أيّ نوع كان، إلا لخدمة هذه الغاية الجليلة المعينة تعييناً ملزماً ودقيقاً وبلا أية إضافات او توصيفات تخفّف منها في ظرف أو زمان أو حالة.. وتبدو خطورة هذا التعيين للغاية، عندما نعرف أنّ الزعيم انطون سعاده يعلم جيداً ومنذ نعومة أظفاره وحين كان حدثاً مبلغ الأخطار التي تهدّد بلاده ووطنه سورية، ومن يدبّر ويدير هذه الأخطار من كواسر الدول وكبرياتها، وليس أفراداً ضعيفي الحول وتعيسي الحظ ومعسوري الحال، بل قوى كبرى لديها إمكانات تكاد تبدو مواجهتها مستحيلة. وفي هذه القيمة الثالثة عيّن الزعيم الأمة والوطن تعييناً دقيقاً بتسمية محدّدة فلا لبس فيها.
القيمة الرابعة حدّد فيها غاية عمله القومي أنه «لحياتهما ورقيّهما». وهو موجب عناية وموجب غاية أيضاً. إذ هدف هذا العمل هو الحياة الكريمة والرقي لهما، وهما الغاية المحددة البلوغ. وبتحقيقها نجاح العمل وبرهان عليه.
القيمة الخامسة أكد قيمة الأمانة على المبادئ. المبادئ التي وضعها نهجاً للنهضة وهي نسق حياة جديدة، كما هي قواعد لسلوك القوميين، عينُها قواعد لسلوك الزعيم أميناً عليها قدوة ومقياساً، لأنّ هذه المبادئ التي «وضعتُها وأصبحت تكوّن قضيّة الحزب السوري القومي الاجتماعي، ولغاية الحزب وأهدافه» ومن كونها قضية الحزب وغايته وأهدافه هذه تكتسب قيمتها التأسيسية.
– القيمة السادسة، حدّد إيجاباً حدود تولي السلطة، سلطة الزعامة، و»قوّتها وصلاحياتها في سبيل فلاح الحزب وتحقيق قضيّته» فقط، ومن جهة ثانية حدّد سلباً ما يمتنع عنه الزعيم ترفّعاً ونبلاً، فلا يستخدم سلطته من أجله، ولا تكون له تلك السلطة المطلقة على القوميين إلا في ما يخدم قضيتهم التي آمنوا، فحدّد «وأن لا أستعمل سلطة الزعامة إلاّ من أجل القضيّة القومية الاجتماعية ومصلحة الأمّة». فوفّر للمؤمنين به وبالقضية التي أسّس المعيار الذي به ينظرون إلى أداء الزعيم وإلى أي أداء آخر، من مسؤول، او رفيق، او مواطن، او حزب، أكان إدارتهم الحزبية او دولتهم السياسية..
قيمُ قَسَم الزعامة تقدّم قواعد فيادة فذة وفلسفة سياسية فريدة في التاريخ، يجدر بنا الاحتذاء بها والاستنارة منها لما فات من المعنى والقيمة والقدرة على التقييم والفعل الفكري والحياتي والاجتماعي.
باحث وناشر موقع حرمون haramoon.com وموقع السوق alssouk.net