طلقات نارية على موكب كنعان أو قانون الانتخاب أو «العهد»؟!
روزانا رمّال
ليس عادياً أن يتعرّض موكب أمين سرّ تكتل التغيير والإصلاح النائب ابراهيم كنعان الذي ينبثق عن حيثية يمثلها رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون لإطلاق نار هذه الأيام. وليس عادياً أيضاً أن تأتي الحادثة فجأة بعد فترة طويلة من الهدوء الأمني النسبي وتوقف مرحلة الاغتيالات السياسية والتصفيات الجسدية لشخصيات لبنانية بارزة.
لم يُصَب أحد بأذى لحسن «الحظ» أو ربما لغاية في نفس «المنفذ». ربما أراد ان يرسل رسائل يصلُ صداها إلى أبعد مجال في المدى الحيوي السياسي اللبناني من دون أن تتلهى الناس بأصداء الحادثة دون تحقيق مكاسب. بات التهديد في هذه الظروف الدقيقة أقدر على ابتزاز اللبنانيين والكتل السياسية وبات أيضاً أحد الخيارات القادرة على «الردع» و«الردع المضاد». هذا هو شكل الحركة السياسية في لبنان وهكذا دخلت الحسابات «المناطق الحمراء».
الاشتباك الواضح على قانون الانتخاب والطروحات الكثيرة عقدت المسألة مع غياب نية إقليمية واضحة في إتمام ما تمّ إنجازه، أي رغبة المحافظة على اللحظة التي تمّ فيها التوافق على انتخاب عون «لرئاسة الجمهورية» والحريري «لرئاسة الوزراء»، صفقة بعيون إيرانية سعودية لا تبدو فيها أوجه التوازن قابلة للميل نحو طرف دون الآخر من دون أن تتكشّف حسابات المنطقة برمّتها. ممنوع أيضاً العبث بالانتخابات النيابية، وتبدو على هذا الأساس الساحة المحلية زاخرة بالتحدّيات والتعدّيات، وإذا كانت الأيادي اللبنانية لاعبة حاضرة في إرسال رسائل من هذا العيار، فإنها من دون شك متصلة بتلك اليد الخارجية التي أخذت على عاتقها إرسال كبرى رسائلها الى «العهد» بالدرجة الأولى، فكنعان يمثل الرئيس عون وتياره والذي بات أحد أوجه الصراع الإقليمي بعد تحالفه مع حزب الله.
رسالة تحذير للعهد وخياراته على الأصعدة كافة تقرأها محاولة الاغتيال التي خلطت الأوراق مجدداً، ليست الرسالة الأمنية الأولى التي توجّه لعهد عون، فقد سبقتها محاولة اهتزاز الامن من بوابة الجنوب صيدا عبر أحداث مخيم عين الحلوة التي هدأت في نوع من التحذير ايضاً…
تحذيرات من عيار «أمني» ثقيل وصلت لـ«العهد»، لكنها أيضاً وصلت للحليف الأساسي حزب الله، فاستهداف خيارات التيار الوطني الحر باتت استهدافاً لحزب الله بطريقة أو بأخرى بعد التقاطعات الاستراتيجية الواضحة المعالم والتي تشكل ثوابت عند الطرفين، حماية الجيش اللبناني وحماية المقاومة وجهان لعملة واحدة يُضاف إليهما حماية الاستقرار في البلاد.
وبهذا الإطار علمت «البناء» أن التحقيقات بدأت من جانب التيار الوطني الحرّ لمعرفة هوية مطلقي النار على النائب ابراهيم كنعان وظروفه ودراسة أبعاده، وبحسب بيان صدر ليلة الحادثة عن المكتب الإعلامي لكنعان، فإنه أثناء مرور موكبه في محلّة الدورة، اعترضته سيارة مجهولة وحصل إطلاق النار، من دون أن يصاب أي من النائب ومرافقيه بأذى.
رسائل تطال الحليف في حسابات استراتيجية ثنائية بين الطرفين وجّهت سهامها نحو حسابات هذه الثنائية محلياً أيضاً، فتحذير التيار الوطني الحر انتخابياً هو أيضاً أحد ابرز اهداف الاعتداء. فممنوع اجراء اي انتخابات على اساس قانون يقدّم نصراً «مؤزراً» للتيار الوطني الحر وحلفائه، خصوصاً ان التيار هو رأس حربة المباحثات والخيارات و«التفصيلات « التي تدرس شكل قانون الانتخاب وفق صيغ مصلحية بحتة.
الحساب الانتخابي يرفع من مستوى رسالة محاولة الاغتيال المبطنة ويكشف هشاشة الوضع الداخلي اللبناني وزيف القدرة التوافقية على البقاء على قيد الحياة من دون تنازلات وارتضاء للتضحية من أجل المحافظة على صيغتها. وهنا كشفت مصادر بارزة في 8 آذار لـ«البناء» عن استحالة أن تحمل المرحلة المقبلة أي صيغة من صيغ قوانين الانتخاب التي لا تراعي مسألة توافقات القوى اللبنانية وأحجامها وحساسياتها. وأضافت المصادر «لا يتوهمّن أحد أن هناك إمكانية للتوصل الى قانون يؤسس» لعدالة» التمثيل، نحن في مرحلة الحفاظ على الصيغة التوافقية المهدّدة بالانهيار في أي لحظة، سيكون أمام الأفرقاء مهمة الحفاظ على التوافق السياسي خوفاً من اشتباك محتم بينهم ينتقل الى الشارع بسرعة فائقة.
هشاشة الوضع هذه تؤكدها حادثة الاعتداء على موكب كنعان وتؤكدها أيضاً أحداث عين الحلوة. فقد اعتاد اللبنانيون على محطات من هذا النوع تحصل وتهدأ، حيث لا عين رأت ولا اذن سمعت مع بريد مختوم بالتسلّم لمن يهمه الأمر. السؤال هنا بات حول إمكانية ان يعجل الحادث الذي تعرض له كنعان مسألة التوصل الى قانون انتخاب بدون اللجوء الى معارك كسر عظم، وقوانين تفضح القوى التي لم تعتد حتى الساعة على شكل التوافقات الثنائية الجديدة التي أخذت تظهر في المناطق كافة وبين الأحزاب كافة.
الابتزاز «الأمني» قادر من دون شك في بلد مثل لبنان على استبعاد مساعي التوصل لقانون يؤسس لعدالة التمثيل، وهو ما لا يستطيع أن تسيطر عليه أي من القوى الحاضرة. لا تزال مفاعيل الطائف وبنود تفاهمات نهاية الحرب الأهلية حاكمة وقادرة على الخروج الى العلن عند لحظة قرار إقليمية أو دولية واضحة المعالم.
محاولات شبه فاشلة لفصل الملف الانتخابي المحلي عن الملف الإقليمي وشبه فاشلة أيضاً في إقناع القوى المحلية على التوصل لقانون عادل، ومحاولات فاشلة لفك ارتباط الملف الانتخابي برمّته عن شبح التدهور الأمني اللبناني.