معارضة الرياض والواقعية السياسية
حميدي العبدالله
لا شك أنّ ما جرى في «جنيف 4»، ولا سيما لجهة المواقف التي أعلنتها «معارضة الرياض» يشير إلى غياب الواقعية السياسية بشكل مطلق عن مقاربات هذه المعارضة للحلّ في سورية.
قد يكون مفهوماً أن تلجأ جميع الأطراف، عشية وأثناء المفاوضات، إلى طرح مواقف ومطالب سياسية غير واقعية بهدف التفاوض والوصول إلى حلول وسط وتسويات يحصل بموجبها كلّ طرف على الحدّ الأدنى الذي يسعى إليه.
لكن من المعروف أنّ المطالب المرتفعة السقف يجب أن لا تكون خارج إطار الواقع وما يفرضه من توازنات، لأنّ طرح مطالب مرتفعة السقف في ظلّ موازين قوى لا تجعل ثمة قابلية لتحقيق هذه المطالب، يقود إلى الفشل، ويحول دون الوصول إلى تفاهمات واتفاقات بين الأطراف المتصارعة.
قد تكون سقوف «معارضة الرياض» المرتفعة ملائمة ومنطقية في عام 2012، عندما كانت الجماعات المسلحة تسيطر على مناطق واسعة من الجغرافية السورية، ولا سيما في كبرى المدن السورية التي يقطنها أكثر من نصف سكان سورية، والمقصود هنا دمشق ومحيطها، وحلب وريفها، وحمص وريفها.
لكن اليوم بعد تحرير هذه المحافظات، وعودتها إلى كنف الدولة السورية تغيّرت معادلات عام 2012 تغييراً جذرياً، وبالتالي فإنّ التمسك بمقاربة الحلول التي كانت تطرحها معارضة الرياض وحلفاؤها الغربيون والإقليميون، يمكن أن يوصف بأيّ شيء، باستثناء الواقعية السياسية. معروف أنّ التسويات التي تعقب صراعاً مسلحاً ودموياً مثل الصراع الدائر الآن في سورية تحدّدها موازين القوى الميدانية، وهذه الموازين هي التي تحدّد لمن الغلبة في هذه الحلول، لصالح وجهة نظر الدولة السورية وحلفائها أو وجهة نظر «معارضة الرياض» وحلفائها وداعميها.
واضح أنّ الدولة السورية وحلفاءها يسيطرون الآن على أكثر من 70 من الجغرافية السورية، وتضمّ هذه المناطق أكثر من 80 من سكان سورية، وفي ضوء حقيقة أنّ الجزء الأكبر من المناطق السورية التي تقع الآن خارج نطاق سيطرة الدولة السورية، تقع تحت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، وإنّ الدولة السورية وحلفاءها يقومون باستعادة هذه المناطق بوتيرة أسرع من الجهات الأخرى، فهذا يعني أنه أثناء البحث عن حلّ سياسي للأزمة في سورية ستتعزز وتتسع مناطق سيطرة الدولة، وسيكون وجود مؤيدي معارضة الرياض محصوراً في مناطق ضيقة ومحدودة الاتساع في محافظتي إدلب ودرعا، وهذا الواقع الميداني لا يخوّل «معارضة الرياض» فرض شروطها ورؤيتها للحلّ في سورية في أيّ محفل يبحث عن حلّ، سواء كان في أستانة أو في جنيف.
إذا أرادت معارضة الرياض أن تشارك في الحلّ عليها أن تتحلى بالواقعية، وأن تقرّ بتوازن القوى الميداني الجديد، وإلا فإنّ أمامها مساراً من إثنين: قبول تسوية بشروط ورؤية الدولة السورية، أو خسارة المعركة عسكرياً بشكل كامل.