ماذا يريد أن يحقق الملك سلمان من رحلة البذخ والإسراف؟
رضا حرب
في زيارة تُعدّ غير مسبوقة في تاريخ الزيارات الرسمية، وصل الى العاصمة الاندونيسية جاكرتا الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز يوم الاربعاء الماضي الأول من آذار في أول زيارة لعاهل سعودي منذ ما يقارب النصف قرن، قادماً من العاصمة الماليزية كوالالامبور حيث قام مفتي ماليزيا العام بتقبيل جبين الملك سلمان تعبيراً عن شكره وامتنانه على نصرة المملكة للقضايا العربية والإسلامية. ألم يسمع المفتي بمحنة اليمن والشعب اليمني ومحنة الشعب الفلسطيني والتحالف السعودي الإسرائيلي؟
وعلى هامش الزيارة لماليزيا، عقد وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ الذي يرافق الملك سلمان في رحلته، اجتماعاً مميّزاً مع علماء ومفتي الولايات الماليزية وحذروا من التمدّد الإيراني في آسيا، ولا سيما جنوب شرق آسيا في إشارة الى الزيارة الناجحة للرئيس الاندونيسي الى إيران في 13 كانون الاول الماضي. كما عبّروا عن امتنانهم وتقديرهم للخدمات الجليلة التي تقدِّمها السعودية لحجاج بيت الله الحرام وكأنّ حادثة منى عام 2015 التي سقط آلاف الضحايا وقعت في عالم آخر.
بسبب مواقف ماليزيا وانزلاقها التدريجي نحو تعميم المذهب الوهابي والمضيّ قدماً في قمعها الديني لمكوّن ماليزي صغير، قرّرت المملكة استثمار 7 مليارات دولار في مشاريع النفط والغاز.
اندونيسيا هي محطته الثانية في جولته الآسيوية التي تشمل بروناي، اليابان، الصين وجزر المالديف، ثم المملكة الأردنية، وتستمرّ شهراً كاملاً، لكنها الأهمّ في جولته إذ ينوي الملك السعودي وعدد ضخم من مرافقيه قضاء 12 يوماً، يقضي بعضها في العاصمة قبل الانتقال مع مرافقيه وأمتعته الى جزيرة بالي الشهيرة لقضاء إجازته. أطلق مراقبون على رحلة البذخ والإسراف تسمية «الرحلة الضخمة».
وفقاً للصحافة المحلية جاكرتا بوست ورئيس شركة خدمات المطار، يرافق الملك في هذه الزيارة غير المسبوقة من الإسراف أكثر من 1500 مرافق و25 أمير وعشرة وزراء، فضلاً عن اكثر من 500 طن من الأمتعة. وقد خصّصت الحكومة الاندونيسية 9 آلاف رجل أمن حول جاكرتا ونشرت قناصة على طول الطريق من القاعدة العسكرية حيث حطت طائرة العاهل السعودي الى القصر الرئاسي في مدينة «بوجور»، وخصصت شركة خدمات المطار 572 موظف لتسهيل وصول الوفد المرافق وتقديم الخدمات اللازمة. وأضاف رئيس شركة خدمات المطار انّ الامتعة تضمّ سيارتي مرسيدس فاخرتين من فئة S600 ومصعدين متحركين.
وتضيف تقارير انّ هذا الكمّ الهائل من الأمتعة والعدد الكبير من المرافقين خُصّصت لهم 36 رحلة جوية.
قبل يوم واحد من وصول الملك السعودي، أجرت «رويترز» لقاء مع السفير السعودي في جاكرتا أسامة محمد عبد الله الشعيبي. قال السفير انّ الدولتين ستوقعان على 10 اتفاقيات تشمل اتفاقية الغاز والنفط تصل قيمتها 5 مليار دولار. الرئيس الاندونيسي يأمل ان تصل الاستثمارات السعودية الى خمسة وعشرين مليار دولار.
ووفقاً لـ«رويترز»، قال السفير: «نعلم أنّ إندونيسيا عانت من تفجيرات وإرهاب» مشيراً إلى تنظيم الدولة الإسلامية بسبب «فكره المختلف» و«عدم احترامه لحياة الإنسان». واضاف السفير: «انّ السعودية تنوي فتح المزيد من المدارس الإسلامية التي ستعلم الدين باللغة العربية وستزيد من عدد المنح الدراسية». أليست السعودية مصدر هذا الفكر المتخلف؟ من المعروف انّ المدارس الإسلامية التي بنتها وتزمع بناءها تخضع للشروط السعودية، بمعنى انها ستروّج للفكر الوهابي الذي تكلم عنه الرئيس الأميركي السابق باراك اوباما في المقابلة الشهيرة مع مجلة «أتلانتيك» حيث اتهم السعودية بأنها مصدر الفكر الإرهابي، وذكر انّ اندونيسيا بالتحديد بأنها ضحية من ضحايا الفكر الوهابي المتخلف الذي صدّرته السعودية.
خلال العقدين المنصرمين موّلت السعودية بناء مئات المساجد ومئات المدارس الدينية التي تنشر وتروّج للفكر الوهابي في اندونيسيا، وهو ما يهدّد التعايش بين مكونات المجتمع الاندونيسي العرقية والدينية. ومن المعروف انّ الفكر الوهابي الاستئصالي يهدّد ما هو معروف باندونيسيا بـ«إسلام التراحم والتسامح اسلام نوسانتارا Islam Nusantara الذي تنادي به «جمعية نهضة العلماء» وهي أكبر الجمعيات الإسلامية في اندونيسيا.
ويقول محللون محليون انّ انتشار الفكر الظلامي والتشجيع على العنف ضدّ الأقليات جاء بسبب الأموال السعودية التي تدفقت لبناء المدارس والمساجد. السماح للسعودية ببناء المزيد من المساجد والمدارس كزرع الألغام في الشوارع.
في اليوم الاول للزيارة شهد الرئيس وضيفه التوقيع على 11 اتفاقية أبرزها بين شركة أرامكو السعودية وشركة برتامينا الاندونيسة العملاقة لتوسيع الطاقة الإنتاجية لمحطة جاوا للتكرير. وشملت ايضاً اتفاقيات ثقافية وتعليمية وإلغاء حظر سفر العاملات في الخدمة المنزلية الى السعودية وتخفيف الحواجز التجارية.
الأهداف الأولية للجولة الاسيوية
1 – هذا البذخ المنقطع النظير في وقت يعيش 25 من الشعب السعودي حالة بؤس شديد نتيجة للفقر والبطالة وتراجع كبير في الدخل القومي يُراد منه نقل صورة مغايرة للتقارير الدولية التي تقول انّ اقتصاد المملكة في وضع سيّئ.
2 بعد الفشل الذريع في إقامة تحالف «عربي مذهبي» لمواجهة إيران، والفشل الثاني في إقامة تحالف «اسلامي سني» بعد ان رفضته أكبر دولتين إسلاميتين اندونيسيا وباكستان ، تسعى السعودية الى إقامة تحالفات ثنائية على أمل إحياء التحالف «السني» القديم، خصوصاً انّ الولايات المتحدة في هذه المرحلة هي الراعي لإقامة هذا التحالف في ظاهرة بقيادة سعودية لكنه في الحقيقة بقيادة «إسرائيلية» لا سيما انّ صاحب المشروع هو الصهيوني المتطرف أفيغدور ليبرمان.
3 – الاستثمارات الخارجية تحت عناوين «تنويع مصادر الدخل» تهدف في المقام الأول الى قطع الطريق على إيران في بناء علاقات مميّزة مع أكبر دولة إسلامية «سنية» تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. لذا، يُنظر الى هذه «الغزوة» السعودية على أنها ردّ على زيارة الرئيس الاندونيسي جوكو ويديدو الناجحة الى طهران على رأس وفد اقتصادي وسياسي رفيع المستوى، والتي أثمرت اتفاقيات تعاون في مجالات مختلفة منها صناعة النفط والغاز والتكرير والبتروكيماويات والكهرباء وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وفي المجالات الثقافية والتعاون بين الجامعات.
وقبل وصول الملك بأربعة أيام وصل الى العاصمة الإيرانية طهران وفد اقتصادي كبير يترأسه وزير تنسيق الشؤون الاقتصادية ويضمّ نائب وزير الطاقة والموارد المنجمية لمتابعة الاتفاقيات التي تمّت خلال زيارة الرئيس الاندونيسي لطهران.
فعلى الأرجح ستسعى السعودية الى استخدام الاستثمارات كأداة ضغط لإلغاء الاتفاقيات مع إيران وتحذير اندونيسيا من تمدّد إيراني في جنوب شرق اسيا.
4 – الترويج لبيع حصص من أرامكو في الأسواق المالية الآسيوية بدل الأسواق الغربية، ليس خوفاً من قانون «جاستا» فقط، بل ايضاً لأنّ شركات الاستثمار الغربية العملاقة تشكك بحجم الاحتياط النفطي السعودي وبالتالي تشكك تلك الشركات بقيمة أرامكو المالية.
يمكن القول انّ زيارة الملك إلى ماليزيا حققت هدفها الرئيسي وهو التحريض على إيران، لكن أشك في أنها ستحقق نفس الغرض في اندونيسيا بحدّه الأدنى، لأنّ «اسلام نوسانتارا» يحكم العلاقات بين مكونات الشعب الأندونيسي باستثناء «الجبهة الدفاعية الإسلامية» Islamic Defenders Front FPI- Front Pembela Islam السيئة السمعة.
لا بدّ من الإشارة الى موقف الهند من زيارة الملك سلمان لجزر المالديف. استباقاً لوصوله الى المالديف، أشارت الصحف الهندية الى قلق الحكومة الهندية من شراء السعودية لمجموعة جزر آتول فآفو التي تتكوّن من 18 جزيرة، ووفقاً لصحفة «تايمز اوف انديا» تعتقد الهند انّ تنامي النفوذ السعودي في هذه المنطقة يهدّد أمنها القومي.
المركز الدولي للدراسات الامنية والجيوسياسية
www.cgsgs.com