مسار أستانة مجمّد وتسوية الوعر للتأجيل والنصرة تقود الفصائل بالتفجيرات الراعي يُحرج عون بحزب الله وجعجع بترشيح بتروني وجنبلاط بفيتو جديد
كتب المحرّر السياسي
سياسة الفصل بين الاستحقاقات والدعوة لتفهّم الحاجة لتجميد التفاهمات، لم تعد تخصصاً أميركياً وغربياً في مواسم الانتخابات، فالمشهد الإقليمي يبدو محكوماً حتى شهر نيسان بالاستفتاء على الصلاحيات الموسّعة للرئيس التركي رجب أردوغان، ويبدو التجميد للتفاهمات شرطاً لمنح أردوغان فرصة خوض الاستفتاء باستنهاض الناخبين بضخّ مواقف عصبية عالية الوتيرة، توفرها المشاكل المفتعلة مع الدول الأوروبية، لاسترداد صورة الزعيم القوي، ومهابة السلطان التي سقطت في منبج، وبدا فيها الأميركيون كقوة عظمى لا يقيمون اعتباراً لدولة بحجم تركيا ويفضلون عليها ميليشيا كردية تصنفها تركيا تنظيماً إرهابياً.
ذهب أردوغان إلى موسكو وعرف ما عليه فعله، لكنه لن يبدأ بخطوات جدية قبل حسم الاستفتاء وامتلاك الصلاحيات، والمعركة تستدعي ساحة تتيح صعود العصبيات والغرائز. وقد وقع الخيار على عنوان العداء بين الشرق والغرب، وربما استساغته مثلما يستسيغه أردوغان حكومات الوسط في هولندا وألمانيا لتخوض انتخاباتها بوجه اليمين المتطرف بصفتها حكومات متشددة بوجه الطموحات التركية. وصارت السياسة بمعناها الجدي في النظر للمشكلات وكيفية إدارتها معلّقة حتى ينجلي الغبار الاستفتائي في تركيا ويمسك السلطان بعصاه مجدداً.
في سورية تؤكد حالة ارتباك فصائل أستانة السعي التركي للتجميد، فتعلّق تنفيذ اتفاق الوعر في حمص، وتسعى لتأجيل لقاء أستانة، فيما تمسك جبهة النصرة بزمام المبادرة وتقود الفصائل في الميدان، من التفجيرات الانتحارية التي كان تفجير دمشق بالزوار العراقيين أشدّها إجراماً وأقواها وقعاً من دون أن يستنكرها أحد من فصائل المعارضة في تكرار لموقف المفاوضين في جنيف يوم تفجيرات حمص.
لبنانياً، تبدو الحملة لإحراج التيار الوطني الحر ومحاصرة العهد متواصلة من بوابات مختلفة، ولا تبدو بعيدة عن المواقف التي تصدر في الخارج لإحباط زخم مواقف العهد، ولو تغيّرت العناوين، فما ظهر من مواقف لرئيس الجمهورية يدفع للقلق بنظر حكومات غربية وعربية من مواصلته بزخم أعلى يمسّ قضايا تسبّب المزيد من الإرباك والإحراج.
البطريرك بشارة الراعي لم يتناول العهد مباشرة، لكنه اعتبر مشاركة حزب الله في سورية محرجة، بينما كان رئيس الجمهورية قد رآها مشاركة مشروعة في الحرب على الإرهاب، فيما لم يوجه قائد القوات اللبنانية سمير جعجع في مهرجانه البتروني لترشيح القواتي فادي سعد إلا التحية للعماد ميشال عون كحليف تاريخي، لكن على طريقة جملته الشهيرة قبل ثلاثين عاماً، «الجنرال بيمون»، فترشيح قواتي في ساحل البترون إعلان مواجهة مع رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل، ولو كان ضمن مفهوم التحالف لكان المنطقي الحرص على انتظار تعاون وتنسيق يرشّح فيها الفريقان مَن يمثلهما معاً لمقاعد البترون، وهو أمر يشبه قيام التيار بترشيح في بشري بلا تنسيق مع القوات، وبالتوازي جاء إعلان الحزب التقدمي الاشتراكي لوضع الفيتو على مشروع جديد للوزير باسيل لقانون الانتخاب استباقاً لإعلان المشروع رسالة سياسية وليست موقفاً تقنياً أو نقاشاً لمشروع انتخابي.
في هذا المناخ يسير أيضاً فصل الملفات والتفاهمات عن الاستحقاقات، فتسير التحضيرات لإنجاز الموازنة وسلسلة الرتب والرواتب وكأن ما يجري حول ملفات أخرى يتمّ في بلد آخر.
الراعي أراد إحراج عون
في حين يكشف رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل النقاب عن الصيغة الجديدة لقانون الانتخاب خلال اليومين المقبلين، قد يشهد الأسبوع الطالع حسماً في ملفات شغلت الأوساط السياسية والاقتصادية والنقابية، كسلسلة الرتب والرواتب التي أدرجت على جدول أعمال جلسة المجلس النيابي الأربعاء المقبل، الى الموازنة التي يواصل مجلس الوزراء بحثها في جلسته التي يعقدها اليوم.
ووسط هذا الانشغال المحلي بالقضايا المالية والمعيشية والمطلبية، أطلق البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي مواقف لافتة ومفاجئة في توقيتها ومضمونها حيال سلاح حزب الله في تجاوز واضح لمواقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الداعمة للمقاومة ولرؤية العهد الجديد وخطاب القَسَم الذي كان محط ترحيب وتأييد الراعي نفسه، حيث اعتبر في مقابلة على «سكاي نيوز» تدخّل الحزب في سورية بأنه «أحرج وقَسَم اللبنانيين بين مؤيد ومعارض وأن تدخله لم يُعِر أيّ اعتبار لقرار الدولة اللبنانية بالنأي بالنفس».
ولفت الراعي الى أن «حزب الله عندما دخل الحرب في سورية، لم يدخل بقرار من الدولة اللبنانية، بل الدولة في إعلان بعبدا أعلنت النأي بالنفس. وهذا قرار اتخذه الحزب وما زال اللبنانيون حتى اليوم منقسمين حياله».
وتزامنت مواقف البطريرك مع تسريبات صحافية عن مضمون التقرير الدوري للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الذي يعتزم الإعلان عنه حول مدى التزام لبنان بمندرجات القرار 1701، وبحسب التسريبات دعا التقرير الرئيس عون لعقد طاولة حوار «توصلاً الى استراتيجية دفاعية تنزع بموجبها أسلحة حزب الله وغيره من الجماعات المسلحة».
ووضعت مصادر مطلعة مواقف الراعي في إطار التهويل على رئيس الجمهورية من أجل دفعه للتراجع عن مواقفه المؤيدة للمقاومة، موضحة أن «الرئيس عون وبعد انتخابه رئيساً للجمهورية خطف الأضواء على الصعيدين المسيحي والوطني، في المقابل باتت بكركي أقل تأثيراً ودورها هامشي في الحياة السياسية اللبنانية».
وأضافت المصادر لـ«البناء» أن «من عناصر القوة التي أدت الى وصول العماد عون الى سدة الرئاسة الأولى، هو دعم حزب الله وفريق المقاومة له، وبالتالي فإن التصويب على المقاومة بهذا الشكل ينطوي على حسابات لدى البطريرك، بأن موقفه سيؤدي الى التشويش والتأثير على مواقف رئيس الجمهورية، لكن في الواقع أن اللبنانيين ليسوا محرجين تجاه سلاح المقاومة، بل الراعي أراد إحراج عون، علماً أن موضوع سلاح المقاومة وقتاله في سورية، ملفات أصبحت خارج التداول منذ فترة بعيدة وإعادة إثارة هذا الموضوع من قبل الراعي يندرج ضمن إعادة تعويم دوره من بوابة انتقاد المقاومة».
وربطت المصادر كلام الراعي مع دخول أزمات المنطقة في مسار التسويات، مشيرة الى أن «لدى البعض في لبنان مصلحة بوضع حزب الله في خانة المخطئ نتيجة دوره في سورية قبل أن يخرج الحزب منتصراً ويعلن انتصاره أمام الشعب اللبناني والشعوب العربية والرأي العام العالمي».
واستبعدت المصادر أن «ينجرّ حزب الله الى ردود فعل ومواقف تصعيدية مع بكركي، وبالتالي لن يتوقف عند هذا الموقف ويتعامل معه بشكلٍ عابر، لأن خياراته واضحة ومحسومة ومواقفه صلبة إن كان التمسك بسلاحه في مواجهة العدو «الإسرائيلي» أو «الإرهابي» على جبهات سورية حتى القضاء على التنظيمات الإرهابية بشكلٍ كامل».
وأكدت المصادر الى أن «تصريحات الراعي ليست جديدة، مذكرة بمواقفه خلال زيارته الى فلسطين المحتلة من عملاء جيش لحد «الإسرائيليين» الذي وصفهم بـ«المضطَهدين»، وانطلاقاً من هذه المواقف، تضيف المصادر أن «بكركي لا تتعاطى مع موضوع المقاومة بطريقة متوازنة ولا تأخذ المصلحة الوطنية العليا وتتجاهل التهديد الجدي الذي يشكله الإرهاب على لبنان وسورية والمنطقة والذي لولا حزب الله والمقاومة لكان لبنان الآن يخضع لسيطرة داعش وولاية من ولاياته».
باسيل يطلق مبادرة اليوم
على صعيد آخر، يُطلق الوزير باسيل في اجتماع اللجنة السياسية للتيار اليوم مبادرة تتضمّن مشروعه الجديد لقانون الانتخاب، كما علمت «البناء»، على أن يطرحه على القوى السياسية بشكل رسمي الثلاثاء المقبل، وأوضح مصدر في تكتل التغيير والإصلاح لـ«البناء» أن الخطوط العريضة لمشروع باسيل الجديد هو المختلط بين الأكثري والنسبي، 64 على النسبية على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة و 64 على الأكثري على دوائر كبرى مع بعض التعديلات على المشروع الذي سبقه . وأشار الى أن «الصيغة الجديدة مشابهة لقانون حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لجهة تقسيمات الدوائر وليست بعيدة عما طرح في اللجنة الرباعية»، ولفت الى «أن رئيس التكتل أجرى عمليات جس نبض لكافة الأطراف واطلع على مواقفهم المبدئية لمشروعه الجديد ولم يلمس موقفاً سلبياً من تيار المستقبل، والأمر قابل للنقاش عند حزب الله وحركة أمل، إلا أن الاعتراض جاء من النائب وليد جنبلاط».
وأكد المصدر أن «المستقبل أعلن انفتاحه على الحوار حول صيغة باسيل، لكن لم يعط أجوبة نهائية، وأن الأسبوع الحالي ستكتمل معالم المشروع الجديد وتتظهّر وتتبلور المواقف حوله»، لكن المصدر تساءل عن «موقف جنبلاط الاعتراضي قبل أن يطرح باسيل المشروع في التداول، رغم أن المشروع يبقي على الشوف وعاليه دائرة انتخابية واحدة؟». وأوضح أن «سبب اعتراض جنبلاط يعود الى خشيته من انتخاب 64 نائباً على النسبية وعلى طبيعة التقسيمات في الدوائر التي تخضع للنظام الأكثري».
وأكد باسيل خلال المؤتمر الثاني للتيار في مجمع «البيال»، «أن التيار يضع في أولوياته أن لا إصلاح سياسي من دون قانون انتخابي جديد وعصري»، لافتاً الى «أن التيار الوطني الحر سيُطلق مبادرة جديدة في هذا المجال غداً». «لا يوجد قانون انتخابي أو تحالف انتخابي أو إنماء لمصلحة رئيس التيار الوطني الحر والذي يخيط بهذه المسلة يخيط بغيرها والطموح الشخصي الوحيد هو أن يكون التيار قوياً بمبدئه وفكره وأن يكون هذا العهد لمصلحة البلد كله». ولفت باسيل الى «أن وجودنا هنا مرتبط بثلاثة أمور: الأرض والهوية والثقافة، بمعنى الحضارة والهوية بمعنى الانتماء والجنسية، والارض هي مساحة لبنان التي لا نرضى أن تنقص كيلومتراً ولا أن تزيد كيلومتراً على حساب أحد».
وأبو فاعور يرفضه ويهدّد بالتمديد
ولم يتأخر موقف الحزب الاشتراكي على لسان الوزير السابق وائل أبو فاعور الذي أعلن رفض اللقاء الديمقراطي والحزب الاشتراكي لطرح باسيل قبل أن يبصر النور، مهدّداً بأن يصبح التمديد أمر واقع. ولفت أبو فاعور في تصريح الى أن «اقتراح باسيل لم يعرض على اللقاء الديمقراطي مباشرة ونحن غير موافقين عليه».
وحذر من «أننا نقترب من المهل القاتلة وأخشى بأن يصبح التمديد أمر واقع»، مؤكداً أن «موقفنا سيكون واضحاً ضد التمديد والفراغ»، موضحاً انه «اذا كان هناك قانون جديد عندها تتم الانتخابات النيابية على أساسه وإذا لم ينجز قانون جديد عندها تتمّ على أساس القانون النافذ»، مضيفاً أننا مع «انتخابات على أساس قانون مختلط يكون عادلاً وتكون فيه وحدة معايير».
حزب الله: النسبية أساسية في أي قانون
واستبعدت أوساط مطلعة لـ«البناء» أن تحظى صيغة باسيل بموافقة القوى السياسية كافة، مؤكدة أن «النقاشات في القانون لا تزال تدور في حلقة مفرغة، كما لم تتضح بعد معالم مشروع باسيل ولم تحسم المواقف بشأنه»، ولفتت الى أن «حزب الله لا يزال يتمسّك بالنسبية الكاملة وفي الوقت نفسه منفتح على جميع الطروحات، لكن النسبية الوازنة أساسية في أي قانون كي يوافق عليه»، موضحة أن «الحزب لا يفضل الفراغ في السلطة التشريعية لأسباب عدة ولا يتعامل معها كما تعامل مع الفراغ في سدة الرئاسة الاولى، لان المجلس النيابي هو مصدر السلطات والفراغ فيه سيؤدي الى فراغ في المؤسسات الأخرى كاملة».
جلسة حكومية للموازنة
ويستكمل مجلس الوزراء اليوم مناقشة مشروع الموازنة العام في جلسة يعقدها في السرايا الحكومي برئاسة الرئيس سعد الحريري، حيث يتابع النقاش في موازنات الوزارات ويبدأ بوزارة الثقافة والأشغال التي شهدت خلافاً بين الوزارء في الجلسة الماضية.
وأكدت مصادر وزارية أن تقر الموازنة حيث ستحال الى المجلس النيابي اليوم في حال حسمت كامل الموازنات والبنود الضريبية، لكنها رجّحت أن «يحتاج الأمر الى جلسات أخرى لمزيد من النقاش والدرس».
وأشارت مصادر إعلامية الى أن اجتماعاً سيعقد في وقت قريب بين وزير المال علي حسن خليل والنائب ابراهيم كنعان من أجل إيجاد الحل المناسب للموازنة.
وتزامناً تتجه الأنظار الى المجلس النيابي الذي يعقد جلسة تشريعية عامة بعد غد الاربعاء، برئاسة رئيس المجلس نبيه بري على جدول أعمالها بنود عدة، أبرزها «سلسلة الرتب والرواتب التي أنجزتها اللجان المشتركة في جلسته الأخيرة».