الحوثيون يغيّرون قواعد اللعبة
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
القضايا والمعارك بين المحورين الأميركي والروسي متشابكة ومترابطة من أوكرانيا حتى اليمن، وكلٌّ يحاول ان يقزّم ويحدّ من نفوذ الآخر ودوره، أميركا تدخلت في اوكرانيا وأرادت ان تضغط على روسيا بمقايضة حماية المصالح الروسية في اوكرانيا مقابل تليين الموقف الروسي من القضية السورية، ولكن أميركا تدرك جيداً بأن اوكرانيا وسورية، هي ضمن الخطوط الحمر للمصالح الروسية الاستراتيجية في المنطقة، فكلاهما يشكلان المنفذ لروسيا على البحرين الأسود والمتوسط، وبالتالي سيطرة الغرب على أي منهما يشكل تهديدا جديا للمصالح الروسية، وخصوصاً خطوط النفط والغاز، وأميركا ضربت في العراق وخلقت «داعش» لكي تمنع تمدّد الحلف الروسي من موسكو حتى فلسطين، وهي تشعر بأنّ نجاح مثل هذا التحالف يشكل خطرا جديا على مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة، وأيضاً هي تراقب عن كثب ما يحدث في منطقة الخليج العربي، والتي تشكل قاعدة أساسية لها، ليس فقط لجهة القواعد العسكرية الأميركية هناك، بل الشيء الأهمّ انها تشكل شريانا اساسيا لتزويدها بمصادر الطاقة، ولرفاهية سكانها، النفط والغاز، وكذلك التحكم والسيطرة بـ وعلى باب المندب والبحر الأحمر، واليمن الذي اجتاحته حمّى ما يُسمّى بـ«ثورات الربيع العربي» كان يجري العمل على تقسيمه وإشعال الفتن المذهبية والقبلية فيه من قبل جماعة «الإخوان المسلمين» والكمبرادورية المتعفنة والبرجوازية اللاوطنية المتحالفة مع السعودية، والتي تنهب خيرات البلد وثرواته، وتفقره وترفع من معدلات الفساد والجوع والبطالة والتخلّف فيه، والسعودية تريد لليمن ان يبقى فقيراً ومقسّماً ومعتمداً عليها، وفي المقابل كان الحوثيون يقودون ثورة شعبية جماهيرية ديمقراطية، من اجل الإصلاح ومحاربة الفساد والتغيير، ووقف تغوّل وتوحّش القوى الطفيلية والفاسدة على مؤسسات الدولة والجماهير الشعبية ونهب خيرات وثروات البلاد، وأميركا لم تكن في وارد حساباتها هي ومشيخات النفط بأنّ الحوثيين قد يستطيعون السيطرة على اليمن، ولكن ثبت بالملموس أنّ الجماهير اليمنية وقفت الى جانبهم، وسهّلت لهم هي وقطاعات الجيش السيطرة على العاصمة صنعاء، وبالسيطرة الحوثية على اليمن، يعني أنّ الروس والإيرانيّين على أبواب باب المندب والبحر الأحمر، وهذا يشكل تهديدا جديا للمصالح الأميركية والسعودية في المنطقة، فعدا ان الحوثيين قد منعوا تقسيم اليمن وتفتيته، وأسقطوا هذا الخيار، فإنّ ما حصل في اليمن قد يمتدّ الى البحرين والكويت، وبالتالي يصبح خطرا جديا على حلفاء أميركا من المشيخات النفطية السعودية وقطر والإمارات، ولذلك وجدنا أنّ أميركا التي كانت تعمل على تشكيل ما يسمى بحلف دولي لمحاربة إرهاب «داعش» صنيعتها في العراق وسورية، وتعد العدة لضربها في العراق اولاً قبل سورية قد غيّرت من اتجاه الضربة واستهدفت «داعش» في سورية قبل العراق بمشاركة من مشيخات النفط الخليجية، فهل في الأمر رسالة إلى روسيا وايران ومحاولة جديدة لبعث آمال انطوت وانقضت، بأنّ اليمن ستكون مقابله سورية؟
الشيء اللافت هو مدى الذعر الذي أصاب آل سعود مما حدث في اليمن، حيث طلب وزير الخارجية السعودية لقاء عاجلاً مع وزير الخارجية الإيراني، في الوقت الذي كانت فيه السعودية تقود التشدّد ضدّ أي مصالحة أميركية – اوروبية غربية مع ايران، في ما يتعلق بملفها النووي، وكانت تحث أميركا على ضرب ايران، ومنع أي تقارب معها، وكذلك عربياً وإسلامياً حرّضت عليها من منطلقات مذهبية، وصوّرت للعرب بأنّ الخطر الجدي والحقيقي عليهم وعلى ثرواتهم وبلدانهم من ايران وليس من «إسرائيل»، ولكن تغيّرت الأمور بعد سيطرة الحوثيين على اليمن، وأذعنت السعودية مذعورة، وأعلنت عقب اللقاء بين وزيري خارجيتيهما، عن بدء علاقات سعودية – ايرانية جديدة، تدشنّ لمرحلة مقبلة تكون فيها ايران شريكاً أساسياً ومقرّراً في ملفات المنطقة من العراق وسورية ولبنان واليمن والبحرين وغيرها، وتداعيات الزلزال اليمني ستتجاوز حدود اليمن ومنطقة الخليج العربي، لتطال تأثيراتها كامل المنطقة، وما حدث في اليمن قد يمهّد لتسوية إقليمية شاملة ما بين موسكو وواشنطن، وبداية للحلحة في الملف السوري، وقد تندفع الأمور نحو التسويات الشاملة، او قد تنزلق الأمور نحو حروب قد تخرج عن إطارها الإقليمي.
يبقى السؤال الهام والجوهري، هل ستسلّم السعودية بسيطرة الحوثيين على اليمن؟ أم ستعمل على إثارة الفتن لجرّه الى مربّعات الحرب الأهلية؟ وهل ما حصل في اليمن يعني سقوطا مدويا لمشروع «الإخوان المسلمين»، الذي بات يطارده الفشل، بعد صعوده العاصف من بعد ما يُسمّى بـ«ثورات الربيع العربي» وسيطرته على الحكم في أكثر من قطر عربي: مصر، تونس وليبيا، ولكن تعثر المشروع في سورية وسقوطه المدوّي في مصر وليبيا، جعل هذا المشروع يواجه الفشل والسقوط بشكل غير مسبوق منذ تأسيسه على يد سيد قطب في عام 1928، والذي منذ ذلك التاريخ كان يتكئ إلى خطاب المظلومية والمعارضة المضطهدة والمقموعة من قبل الأنظمة، وإظهاره تبني مطالب الجماهير الشعبية ودعمها ومساندتها، ولكي تكتشف الجماهير الشعبية، بأنّ ما يهمّ «الإخوان» هو السلطة ومصالحهم، وأنّ الجماهير بمثابة الجسر الذي يمرّ عليه «الإخوان» من اجل الوصول إلى السلطة وتحقيق مشروعهم بأخونة المجتمع والسلطة والدولة؟
أسئلة كثيرة وتطورات عاصفة في المنطقة تحدث، من شأنها أن تغيّر الوضع الجيوسياسي للمنطقة، واللافت في كلّ ما يجري أنّ العرب لا يقرّرون مصائرهم، أو يمتلكون قرارهم المستقل، او حتى أي ثقل او وزن للدفاع عن مصالحهم، بل يجري التحكم بقراراتهم ومصيرهم من قبل الآخرين، فهم يساقون للذبح كالنعاج، أميركا وفق مصالحها واهدافها تحدد لهم الأعداء والأصدقاء، وتطالبهم بالتصرف على أساس تلك القاعدة، تارة يحرّضونهم على ايران على أساس انها عدوهم المركزي، وبعد التصالح مع ايران، ينقلونهم لدفع اموالهم وضخ احتياط بشري للقتال في سورية ضد النظام والدولة والشعب، ومن ثم القتال ضد الجماعات الإرهابية والتكفيرية التي اوجدتها حواضن الإرهاب والتكفير ودفيئاته في الخليج العربي، ودعمتها وامّدتها بكل مصادر القوة أميركا والغرب الاستعماري خدمة لأهدافهم ومصالحهم، ولا غرابة الآن من ان الحرب ستتحول ضدّ الحوثيين على اعتبار أنّ البلاد على شفا حرب اهلية، وادّعاء أنّ الحوثيين سيعملون على اضطهاد مكونات ومركبات المجتمع اليمني الأخرى، ولكن بات من الواضح أنّ المتغيّرات التي حصلت في اليمن ستستتبعها متغيّرات أخرى في المنطقة، من شأنها ان تنهي حكم وسلطة مشيخات النفط التي حولت دولها وبلدانها الى مزارع واقطاعيات ومماليك خاصة، تنهب خيراتها وثرواتها وتورثها لأبنائها، وتعمل على تجويع وإفقار شعوبها، فلا الوضع في البحرين ولا الكويت ولا حتى قطر والسعودية سيبقى على ما هو عليه، فالتغيير آت لا محالة، ومن خلق واوجد الجماعات الإرهابية والتكفيرية سيكتوي بنارها، وإرهابها سيرتدّ إليه.
قاطرة التغيير بدأت في اليمن، وهي مستمرة لتنهي عقودا من التسلط والديكتاتورية وإذلال الشعوب وحرمانها من ابسط حقوقها على يد ملوك وشيوخ وامراء استعبدوها وأذلّوها.
اQuds.45 gmail.com