أحلام فضيّة
بلال شرارة
تقريباً كلّ شيء في لبنان يُحسَم قبل أن يبدأ ! … تأتي الانتخابات لتكرّس الاتفاق على تحصيل حاصل … الأمر هكذا من الرأس ونزولاً من البابوج حتى الطربوش … أنا آسف لا أقصد بالتوصيف البابوج أحداً واعتبار «ديموقراطيتنا» وضيعة إلى هذا الحدّ، فالسيد المسيح عليه السلام غسل أقدام تلامذته، ولكن قصدي أنه في أيّ قطاع عام أو خاص لا يترك الأمر لأصحاب الشأن لتدبّر رؤوسهم… عندنا أصحاب الشأن يتدخّلون، لأنهم يعرفون عن الصالح العام أكثر منا… أنا أقترح أن توفر علينا وعلى الخزينة العامة همّاً ومالاً، وأن يتولى الملوك والأمراء والرؤساء عندنا الأمر، وباعتبارهم نمطاً فريداً من أنماط السلطات يبادرون هم إلى إنجاز كلّ شيء ويديرون المسخرة الحاصلة !
يعني طالما الاتفاقات برّا خارج المؤسسات على السلسلة والموازنة و الموازنات السابقة و السلسلة ، وقبل ذلك على رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والتمديد التقني! ، وبعد ذلك على قانون عجيب غريب للانتخابات وحتى على مَن سيتمّ انتخابهم سواء أكانت كلّ طائفة ستختار من يمثلها أو كلّ فئة أو كلّ عائلة أو…
يا أخي كلّ الأمور ماشية، ولكن في وقتها وأقول لا خوف من ان لا يتمّ هذا الشيء او ذاك، كلّ ما في الأمر بعض التأجيل حتى يحين الوقت… الوقت هو العنصر التكتيكي و الاستراتيجي حتى يكون الإحباط واليأس والتوتر قد قتل ديننا وأصابنا فنقبل بأيّ نتيجة.
هذا الأمر سيطبّق كذلك على كلّ مناحي حياتنا كذلك ثقافاتنا… اتحادنا العمالي… مجالسنا المحلية… وأنا لا أحتجّ، فقط أنظر إلى تهاوي الديمقراطية من أيام الفينيقيين في صور، منذ أن احتكمت المدينة إلى الديمقراطية العقلية إلى اليوم وكيف تسير الأمور.
أنا لم أسمع في تاريخكم… عفواً تاريخنا، عن النظام السياسي الذي حكمكم… عفواً حكمنا في هذا البلد العظيم الذي مرجعه إلى مجد الأرز… لم أسمع عن إفلاس مرة واحدة أن قرأت عن الغزاة… قرأت أسفار أشعيا وغيره… عن الكره الشديد الذي يكنّه أنبياء شعب الله المختار لنا لممالك الساحل عندما وكيف أنهم يريدون لمدننا أن تكون مهتوكة وأساطيلها غرقى ونسائها سبايا وأطفالها موتى… ولكني لم أقرأ مرة واحدة أننا مفلسون، بل قرأت أنّ مدينة صور صارت تكتنز الفضة في شوارعها بعد أن ضاقت منازلها على ذلك.
الآن رحم الله ستافرو جبرا وقبله ناجي العلي لم نعد نحتاج الى نماذج كاريكاتور لحالنا الوطني… القومي… نحن جميعاً أصبحنا رسماً كاريكاتورياً مفلساً… مضحكاً… مبكياً… مهزوماً… مدمّراً، لم يعد أمامنا الكثير من العمل؟ بضع مدن وينتهي الأمر… سنتحارب على ضفاف الأنهر وعلى حدود مدننا ثم بعد قليل نعود من حيث جئنا بعضنا الى الصحراء وبعضنا يعود إلى أصله إلى اليمن، وهناك لم يكن يوجد عمارات عندما جئنا… كان اليمن سعيداً ونحن لم نكن سعداء بمغادرتنا يوم انفجر سدّ مأرب.
أنا سأذهب إلى الفراغ، لأنه لا يعجبني شيء… ولأنّ أيّ شيء ليس على مزاجي، ولأني تعبت من عمري ولغتي ولا أريد في آخر الأشياء أن أمسّح جوخاً، أنّ أرفع يدي مهللاً، ولا أن أذرف دموع التماسيح أمام تماثيلكم العارية.
أمس… كنا أقاليم… بالكاد ولايات تقع في برّ الشام… ممالك وحضارات في سورية الكبرى وبلاد ما بين النهرين وكنا زوارق وأشرعة في بلاد النيل، وكنا نمتدّ إلى مقدّمة ابن خلدون وإلى الأدارسة والى صحراء تبسا والصحراء الكبرى، وكنا نأتي قوافل من مكة وبحارة من بحر صور العُمانية وكنا سلطنة وألف ليلة وليلة وكان عندنا يفرك الشاطر حسن قنديله يأتي اليه شبّيك لبّيك وتقوم الدنيا ولا تقعد.
أنا الآن حزين وخائف من المقبل الغامض… أعرف أنها إذا خليت بليت وأننا في المشرق لا بدّ أن نقوم وكذلك في المغرب، وأن أحداً مثل صلاح الدين او الظاهر بيبرس او جمال عبد الناصر لن يتركنا ولن ينتصر علينا التجهيل ولا التكفير ولا السحر الأسود، وانه لا يمكن تقزيمنا الى هذا الحدّ…
كلّ ما في الأمر أنني تعبت من الانتظار المضني وحراسة أحلامي…