قالت له
قالت له: أغار عليك من شدّة الحبّ، فَلِم لا تقدّر حجم الحبّ بدلاً من الاعتراض على الغيرة؟
فقال لها: ألا ترين أنّ الغيرة أحياناً تشوّش على الحبّ، وربما تسعى إلى خرابه إن سيطرت على قانون حياته وصارت محرّكاً وموجّهاً لتفاعلاته؟ فبعضها ينعش وكثيرها يشوّش وغيابها مدهش.
فقالت: هل للغيرة عندك من سبب غير الحبّ؟
قال: وهل تنتبهين أنّ بين الغيرة والحبّ تناقضين يجب حلّهما كي يصحّ القول؟
قالت: وما هما؟
فقال: أولهما أن تستخدم في الغيرة حدود من الكراهية والحقد ولغة لا تصيب الحبّ إلا بالموت. وثانيهما أن تصير الغيرة تعبيراً عن نرجسية الحبيب ودفاعه عن ذاته وما يسميه الكبرياء. وكلّ منهما حق إذا اعترف صاحب الغيرة بصدق نيّته وعزمه على إعادة النظر بالحبّ بوحي مما يعتبره أهمّ وأغلى من الحبّ. لكن الجمع بين هذا الثلاثي الغيرة واللغة المتوحشة والدفاع عن الأنا باعتباره ثلاثيّ الحبّ، فتلك استحالة.
فقالت: وإن كانت الغيرة نتاج شكّ أو يقين بسقوط الحبيب؟
فقال: يتصارح الحبيبان فيتسامحا ويتّفقا أو ينسحب أحدهما مستصعباً تحمّل الجراح ومواصلة المسيرة.
قالت: وإن تكرّر الأمر؟
قال لها: يتكرّر اللقاء والتصارح حتى الفراق أو العودة للقاء.
فقالت: ألا تظنّ أنك تتحدّث عن عالم لغير البشر؟
قال: أتحدث عن صون الحبّ إن كانت له بقية حياة. وإن مات فدفن الميت إكرامه، وأرتضي الغيرة حرباً لكنّني لا أرتضي تسميتها حبّاً.
فقالت: سأحاربك حتى آخر نبض في شفاهي! وضمّته كوردة برّية.
فقال: هزمتني بالضربة القاضية أيتها الشقية. فلنقل الحبّ يضعف بالغيرة ويقوى بالغيرية!