ارتباك وفوضى يصيبان الحكومة والمجلس والشارع… بانتظار بري حركة احتجاج نقابيّة ضد الضرائب وضد تأجيل السلسلة وتخفيضاتها

كتب المحرّر السياسي

الاختبار التركي مرة ثانية من بوابة استانة في عهدة روسية إيرانية، بعدما كشف الرئيس الروسي عن خطة جديدة مشتركة مع تركيا لمواجهة الإرهاب وتثبيت وقف النار، ودعا وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف إلى خطوات عملية تترجم الالتزام بخيار الحرب على الإرهاب أولها وقف خطوط الإمداد لجبهة النصرة وسائر التشكيلات الإرهابية. وبينما تستعد طهران لاستضافة اجتماع على مستوى الخبراء روسي إيراني تركي منتصف الشهر المقبل، قالت مصادر إيرانية مطلعة إنه سيتضمن رسم الخرائط النهائية للمناطق التي تتواجد فيها جماعات داعش وجبهة النصرة، وينجز التصنيف النهائي للجماعات المسلحة ومناطق انتشارها وفقا للمعايير التي اتفق عليها ثلاثي أستانة.

حتى موعد اجتماع طهران الأستاني يتقدم موعد انعقاد جنيف بعد اسبوع، حيث تبدو الصوة مكرّرة عن الجولة السابقة، ويبدو موقف جماعة الرياض أشد التزاماً بموقف تصعيدي تعبر عنه وسائل الإعلام السعودية، خصوصاً مع زيارة ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لواشنطن وحديثه عن اعتبار المواجهة ضد ما أسماه بالنفوذ الإيراني في المنطقة عنوان المرحلة.

الضبابية الدولية والإقليمية، مع ضبابية مواسم الطقس، تكاملتا بضبابية مشهد لبناني ضبابي هو الآخر، حيث انفلت الحبل على الغارب في الجلسة النيابية المخصصة لسلسلة الرتب والرواتب، وانتقل التصويت من ضريبة إلى ضريبة، إلى «تسويط» تحت القبة، حتى صارت الحبّة قبّة، وحمل رئيس الحكومة سعد الحريري ونائب رئيس المجلس النيابي سياطهما بدلاً من الأصوات، باتهام التحريض بالتصعيد الشعبي والنقابي على الضرائب والسلسلة، بينما كانت حركة الاحتجاج على الضرائب وتأجيل السلسلة والتخفيضات التي طالتها مقابل الزيادات الضرائبية تستقطب الجسم النقابي للمحامين بعد الأساتذة والمعلمين، وبقي القضاة على اعتكافهم والجمعيات الأهلية تستعد للشارع الساخن، حتى فرطت مسبحة الجلسة حبّة حبّة، وطار النصاب بانتظار جلسة يدعو إليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري الأسبوع المقبل، بعدما يكون قد أزال من طريق السلسلة غيمة الجلسة الفاشلة وانقشع ضبابها.

الضرائب طيّرت الجلسة ومعها السلسلة

ما بين تمسّك «اللوبي الاقتصادي المالي» في المجلس النيابي بزيادة الضرائب التي تستهدف ذوي الدخل المحدود والطبقات الفقيرة، وبين الإصرار على إنجاز سلسلة الرتب والرواتب، طارت الجلسة التشريعية أمس وطيّرت السلسلة معها، بعدما عمّت حالة من الهَرَج والمَرَج والفوضى أرجاء البرلمان أدّت الى فقدان النصاب. لكن ما حصل في أروقة المجلس أثار الكثير من الأسئلة، هل طارت الجلسة أم طُيِّرت؟ وهل تم استغلال مواقف رئيس حزب الكتائب سامي الجميل وتسريب خبر فرض سلة ضرائب جديدة على المواطنين، لتطيير الجلسة بعد تمرير سلة الضرائب الأولى في جلسة أمس الأول، والسلة الثانية في جلسة أمس الصباحية؟ وإذا كان التمويل الضريبي للسلسلة قد تمّ من جيوب المواطنين، فلماذا لم تُقرّ إذاً؟ وهل علّق إقرار السلسلة لتبرير تأمين إيرادات جديدة وبالتالي ضرائب جديدة تطال الفقراء؟ ولماذا توقفت الجلسة فور الانتقال إلى بند فرض ضريبة على الأملاك البحرية؟

وما يزيد الشكوك، إعلان رئيس القوات سمير جعجع مساء أمس تعليق تأييد «القوات» على السلسلة حتى يتمّ تأمين وارداتها، بينما أشار رئيس اللقاء الديمقراطي النائب جنبلاط أن «الحزب الاشتراكي ومنذ اللحظة الأولى تبنّى زيادة السلسلة شرط تأمين الموارد ووقف الهدر وسهلة جداً المواقف الشعبوية». أما مستشار رئيس الحكومة سعد الحريري الوزير غطاس خوري فأكد في تصريح أننا «لا نريد إقرار السلسلة من دون تأمين المداخيل ويجب أن تكون الأجواء مرتاحة في لبنان ولا ينفع التوتر».

وعلمت «البناء» أن نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري ردّد أمام النواب أنه لن يترأس أي جلسة بعد الآن، بسبب ما حصل داخل قبة البرلمان أمس، وأن رئيس المجلس نبيه بري سيدعو الى جلسة مقبلة، ربما تكون الأربعاء أو الخميس المقبلين لإنهاء الأمر، لفتت مصادر «البناء» الى أن «هناك قراراً من الكتل الرئيسية في المجلس بإقرار السلسلة ولا يمكن التراجع عنها بعد التوافق حولها في اللجان المشتركة»، موضحة أن «لا اتفاق مسبق على تطيير الجلسة ولا على تطيير السلسلة، والدليل أن النواب الذين تغيّبوا أو خرجوا من الجلسة كانوا من كافة الكتل السياسية وليس من كتلة معينة، وبالتالي لا يتحمل طرف واحد المسؤولية كما لا يمكن تحميل الكتائب الفوضى التي حصلت، حيث إن الضرائب الجديدة نشرت على صفحات التواصل الاجتماعي وليس على موقع الكتائب فقط».

غير أن النائب مكاري، ومن المجلس النيابي اتهم بشكلٍ مباشر النائب الجميل بتطيير الجلسة، وقال: «بسبب عدم اكتمال النصاب رُفعت الجلسة»، وحمّل: «المزايدين والمعرقلين في مقدمتهم الجميل وحزب الكتائب مسؤولية الالتفاف على سلسلة الرتب والرواتب وإلغائها، بحجة تأمين موارد من خارج سياق الإيرادات من دون تقديم طرح بديل وواقعي، ومن دون المشاركة بأي عمل جدي».

وأشار مكاري الى أن «ثمة من ينظّم حملة تضع الناس في وجه الإيرادات». واعتبر أن «هناك رغبة من حزب «الكتائب» بعدم إقرار السلسلة وتحميل ذلك للنواب»، ولفت الى أن «مواقع حزب الكتائب نشرت زيادات غير مذكورة في السلسلة لإثارة الرأي العام»، وشدد على أن «من يريد أن يعبر عن نبض الناس لا يضع أرقاماً غير صحيحة». وأعلن أنه سيطلب من وزارة الداخلية ملاحقة كل من يهاجم مجلس النواب، وشدد على أنه «لن نتخلّى عن السلسلة وستقر بوجود الرئيس بري».

بدوره، رأى الحريري أن «الشائعات والافتراءات على مجلس النواب والحكومة هي محاولة لضرب السلسلة»، ووعد بملاحقة من سرّب الأكاذيب بما يخص السلسلة على مواقع التواصل الاجتماعي، مشيراً الى أنه «إذا كان أحد النواب فمستعدون لأن نرفع عنه الحصانة».

في المقابل، اعتبر الجميل أن «من يتحمّل المسؤولية هو من رفع الجلسة والنواب ممن غابوا»، وسأل الجميل «هل نحن النواب الاربعة من عطّل الجلسة؟»، وأضاف «كيف نعفي شركات كبرى وبنوكاً ولا نستطيع تمويل السلسلة؟».

ورجحت مصادر أخرى لــ«البناء» أن تقر السلسلة في الجلسة المقبلة، لكنها أوضحت أن «المشكلة هي موازنة الإيرادات والنفقات التي تموّل السلسلة»، مشيرة الى أن «مكافحة الهدر والفساد كفيل بتمويل السلسلة من دون فرض ضرائب جديدة على المواطنين».

.. وسلة ضرائب جديدة

وتحت شعار تمويل السلسلة، أضاف المجلس الى سلة الضرائب في جلسة أمس الأول، ضرائب جديدة شملت رفع الرسوم على المشروبات الروحية المستوردة بمعدل 60 ليرة الى 25 من السعر النهائي للمنتج و200 ليرة الى 35 و400 ليرة الى 25 من السعر النهائي للمنتج. وضريبة 250 ليرة على التبغ و250 ل.ل. على السيجار وزيادة الرسوم على معاملات كتّاب العدل وحصل انقسام حول بند فرض 500 على المسافرين في البرّ ولم يُقرّ.

.. والشارع على شفير انفجار

أما خارج قاعة البرلمان، فلم يكن أفضل حالاً من داخله، حيث اتسعت دائرة الاعتصامات والاعتراضات على السياسة الضرائبية الجديدة، ما وضع البلاد أمس على شفير انفجارٍ اجتماعي وسط الحديث عن ثورة في الشارع بدأت ملامحها بالظهور في حال استمرّت السلطة في تحميل الشعب ما لا طاقة له من سلل الضرائب.

وبالتزامن مع الجلسة المسائية وبعد تسريب لائحة ضرائب جديدة على المحروقات وغيرها من الضرائب التي تطال المواطنين، نفّذ عدد من الأحزاب ومجموعات من الحراك المدني، «بدنا نحاسب» و«طلعت ريحتكم» تظاهرة حاشدة في ساحة رياض الصلح، وأكد المعتصمون استئناف الاعتصام اليوم. وفي وقت متأخر من مساء أمس تظاهر حشد من المواطنين في ساحة شتورا اعتراضاً على الضرائب الجديدة.

وكانت ساحة رياض الصلح قد شهدت مجموعة من الاعتصامات تزامناً مع الجلسة الصباحية، وبعد أساتذة الثانوي الرسمي والتعليم الابتدائي ومتعاقدي الإدارات العامة، نفذ الأساتذة المتفرغون في الجامعة اللبنانية أمس، اعتصاماً امام المجلس احتجاجاً على الإجحاف اللاحق بهم لجهة «ضرب أهم المكتسبات التي حققها الأساتذة بنضالاتهم الطويلة، وهو صندوق تعاضد أفراد الهيئة التعليمية في الجامعة اللبنانية».

وأعلنت رابطة أساتذة التعليم المهني والتقني الرسمي في لبنان الاستمرار في الإضراب اليوم.

أما القضاة «فاستمروا في اعتكافهم»، كما أكد رئيس مجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر «احتجاجاً على ما يحصل من انتقاص من استقلالية القضاء ومسّ بالحقوق المكتسبة من دون أخذ رأي السلطة القضائية».

وانضمّت نقابتا المحامين في بيروت والشمال الى جبهة الطعن بالضرائب الجديدة، وأكد نقيب المحامين في بيروت انطونيو الهاشم في مؤتمر صحافي أن هناك ثغرات عدّة طاولت مشروع سلسلة الرتب والرواتب، مشدداً على أن التعديلات المقترحة لبعض مواد قانون الإجراءات الضريبية، مخالفة للدستور وللمعاهدات الدولية لجهة عدم المساواة بين المكلفين في سداد الضرائب ودور المواطنين في الدفاع عن حقوقهم.

كما اعتصم أكثر من مئة ضابط متقاعد من الاسلاك العسكرية في وسط بيروت للمطالبة برفع الظلم عنهم في سلسلة الرتب والرواتب، ونفّذ متطوعو الدفاع المدني اعتصاماً في رياض الصلح احتجاجاً على تجاوز بند اقتراح قانون تنظيم الدفاع المدني المقدم من النائب هادي حبيش. تفاصيل صفحة 2

قانون الانتخاب ضائع

ووسط هذه العاصفة الاجتماعية التي تشهدها البلاد وفي وقت تنشغل مواقع القرار في الدولة بالملفات المالية والاقتصادية، لا يزال قانون الانتخاب ضائعاً في مهب رياح المصالح السياسية والانتخابية، مع ما يتردّد عن ربط ما بين إقرار الموازنة وقانون انتخاب جديد.

وفي حين لم تخرج مواقف جديدة من طرح رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الانتخابي، فإن المهل القانونية باتت عامل ضغط على جميع القوى، حيث أكد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أنه سيجري مشاورات مع كل من رئيس الجمهورية ورئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة سعد الحريري من أجل أخذ قرار حول موعد الانتخابات النيابية المقبلة، معترفاً بأنه «من الصعب جداً إجراء الانتخابات في موعدها والتأجيل سيكون تقنياً».

وقالت مصادر مستقبلية لــ«البناء» إن «المستقبل لن يعلن موقفه حيال اقتراح باسيل قبل أن تكشف كل القوى موقفها كي لا يتذرّع أي طرف بموقفنا»، ولفتت الى أن «لا جديد على صعيد القانون ونحن منفتحون على كل الصيغ، مرجحة توافق القوى حول تأجيل مؤقت للانتخابات، ريثما يتم التوافق حول قانون جديد والاستعداد للانتخابات وتجنباً للفراغ النيابي الذي لا يفضله أحد».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى