عون يختتم زيارته إلى الفاتيكان: لبنان مركز للتلاقي وسيكون أفضل مما هو الآن
أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن لبنان بطبيعته هو رسالة، فتكوينه البشري يتألف من مختلف طوائف العالم، المسيحية منها والإسلامية، والتي تعيش فيه بتناغم منذ تكوّن الديانات. وقد ساهم أبناؤها في الحضارة العربية، ما أدى إلى خلق تراكم ثقافي عربي مسيحي – إسلامي فريد فيه».
وأضاف: «هذا التراكم في لبنان نموذجي، رغم وجود أزمات سياسية من وقت إلى آخر يعتقد البعض أنها مذهبية أو طائفية، إلا أن الأمر هو خلاف ذلك. فبما أن نظامنا السياسي هو بين الطوائف، بات الاعتقاد أن الخلاف هو طائفي. في الغرب مثلاً من يمارس السياسة هو بشكل عام إما يميني أو يساري، أما في لبنان، فمن يمارس السياسة هو إما مسيحي أو مسلم. من هنا يجري الاعتقاد بأن أي خلاف بينهما هو ذو طابع ديني».
وتابع: «في لبنان، هناك احترام لحرية المعتقد من قبل الجميع، وما من أحد في لبنان قاتل الآخر بهدف تغيير مذهبه الديني. من هنا يمكننا اعتبار لبنان اليوم مركزاً للتلاقي في العالم بين المسيحية والاسلام بكافة طوائفهما، وكذلك ملتقى لمختلف الحضارات. ومن يزُر لبنان يلمس اهمية هذه التعددية الحضارية ودورها».
وأكد الرئيس عون أن زيارته إلى عاصمة الكثلكة «أتت في سياق توثيق العلاقات الروحية والزمنية مع الفاتيكان». وقال: «نحن نعتبر، ضمن إطار العلاقات مع أوروبا، أن تلك القائمة مع الكرسي الرسولي هي الأقوى. وقداسة البابا، بصفته القوة الروحية والمعنوية الأكبر في العالم، هو أكثر من يساعدنا لا سيما في الظروف الصعبة. انطلاقاً من هنا، فإن عوامل عدة جعلت من هذه الزيارة الأولى لي على صعيد الغرب مرتدية كل الأهمية».
وتابع : «مما لا شك فيه، أن الأوضاع في لبنان مع تكاثر أعداد النازحين هي من بين نتائج الحرب، لا بل الحروب في الشرق الاوسط التي أدت إلى تفاقم المشكلة الاقتصادية لدينا. إضافة اليها، هناك أزمة أمنية تتمثل بمضاعفة نسبة الجرائم العادية، وهذان أمران مترابطان، حيث إن زيادة عدد السكان ومعاناتهم من أوضاع اقتصادية سيئة فيها الكثير من البؤس، أمر من شأنه مضاعفة نسبة الجريمة. وهذا ما يحصل اليوم، إضافة إلى الأخطار الأمنية التي مصدرها الخارج والتي نجحنا إلى اليوم في مكافحتها والحد منها».
وعن وجود بوادر تبعث على الأمل بانتعاش اقتصادي، لا سيما مع تحسّن الأوضاع السياسية بشكل عام، قال: «إن الوضع الاقتصادي بشكل عام يرتبط بمبدأين أساسيين متلازمين، الحالة الطبيعية التي تسود لبنان حالياً وقد توفرت قوامها راهناً وانطلاقاً منها، بتنا أمام دورة اقتصادية طبيعية، وحالة الجوار اللبناني العربي، حيث إن العالم العربي هو اقتصادياً أول سوق عمل بالنسبة إلينا. وهذه الحالة الثانية هي في تأثر سلبي يؤثر على وضع النمو لدينا في لبنان. أضف إلى ذلك، فإن الوضع الدولي لا يساعد كثيراً بالنظر إلى الركود الاقتصادي في الدول الأوروبية والأميركية كافة بصورة خاصة، كما في العالم أجمع. وأمل الرئيس عون أن يتحسّن الوضع ونعمل لأجل ذلك».
وشدّد على أن «وضعنا الداخلي يشهد تحسناً تدريجياً بحيث يكون في كل يوم أفضل من اليوم الذي سبقه».
وكان رئيس الحمهورية عاد واللبنانية الاولى السيدة ناديا الشامي عون والوفد المرافق، عند الثالثة من بعد ظهر أمس إلى لبنان، قادمين من ايطاليا، بعد زيارة رسمية إلى الكرسي الرسولي، قابل خلالها قداسة البابا فرنسيس وامين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين وكبار المسؤولين فيها.
وكان البابا فرنسيس أوفد، في لفتة خاصة، مدير المراسم لدى الكرسي الرسولي المونسنيور جوزيه بيتانكور لوداع الرئيس عون واللبنانية الأولى في مطار تشامبينو العسكري في روما.
كما حضر إلى المطار للغاية عينها، القائم بأعمال السفارة اللبنانية لدى الفاتيكان البير سماحة، القائم باعمال السفارة اللبنانية في ايطاليا كريم خليل، المعتمد البطريركي الماروني لدى الكرسي الرسولي رئيس المعهد الحبري الماروني في روما المطران فرنسوا عيد ونائبه المونسنيور انطوان جبران.
وكان الرئيس عون واللبنانية الاولى وافراد العائلة والوفد المرافق حضروا مساء أول أمس حفل استقبال على شرفهم، أقامه القائم بأعمال سفارة لبنان لدى الكرسي الرسولي ألبير سماحة في مقر المدرسة المارونية في روما، وحضره إلى أبناء الجالية اللبنانية، القائم بأعمال السفارة اللبنانية في إيطاليا كريم خليل وعقيلته، وأركان السفارتين، وشخصيات سياسية وديبلوماسية من سفراء وقائمين بالأعمال معتمدين لدى الكرسي الرسولي وإيطاليا.
كما حضر الحفل رئيس مجمع الكنائس الشرقية في الكرسي الرسولي الكاردينال ليوناردو ساندري ورئيس المجلس الحبري للحوار بين الأديان الكاردينال جان – لوي توران، ورئيس محكمة التوقيع العليا الكاردينال دومينيك مامبرتي ورئيس إدارة الشؤون الاقتصادية لدى الكرسي الرسولي الكاردينال جورج بيل، ورئيس أركان القوى العسكرية الايطالية الجنرال كلاوديو غراتسيانو، الذين وقفوا إلى جانب الرئيس عون واللبنانية الأولى في تحية لأبناء الجالية اللبنانية.
وأكد رئيس الجمهورية في كلمة ألقاها أننا نعيش في منطقة مهدّمة اقتصادياً، والاقتصاد العالمي لم ينهض بعد، لافتاً إلى أن أزمتنا الحالية استقرت نسبياً في الوقت الحالي لأن الدورة الاقتصادية انطلقت بعد الانتخابات الرئاسية، ولكن الأزمات العالمية كما أزمات المحيط لا زالت تنعكس علينا. واليوم لدينا صعوبة إنما ذلك لا يدخلنا في اليأس ويجعلنا نتشاءم، لأننا تطبعنا على رؤية الممكن دائماً ممكناً، ولأن القضية هي قضية قرار وصمود وجهود أكبر من تلك التي يبذلها الإنسان في الأيام العادية. نحن اليوم بحاجة إلى جهود أكبر لكني أطمئن جميع اللبنانيين الموجودين هنا، وفي الخارج والأصدقاء الذين يكنون لنا المحبة، أن لبنان قائم وسيكون افضل مما هو الآن».
بعد ذلك، صافح رئيس الجمهورية واللبنانية الأولى الحاضرين فرداً فرداً والتقطت الصور التذكارية. كما التقطت صور للرئيس عون والسيدة الأولى مع كهنة المدرسة المارونية وكنيسة مار مارون وأعضاء اللجنة الراعوية للكنيسة.
ودوّن الرئيس عون في السجل الذهبي للمدرسة المارونية الكلمة التالية: «منذ ألفي سنة، زرعنا المسيح في المشرق بيادر قيامة. وفي روما، عاصمة الكثلكة، كبرت المدرسة المارونية بخريجيها من بطاركة وأساقفة وكهنة وعلماء، صانعي النهضة والإصلاح وبناة جسور التلاقي بين الشرق والغرب على قيم الإيمان والعلم والشهادة.
اليوم، أزورها مجدداً وفي عقلي أسماء كثيرين، وفي قلبي دعاء أن يبقى أريج البخور القائم فيها، يعبق عطاء متزايداً على اسم لبنان، ليبقى وطن القداسة والحوار والأصالة والرسولية، درة الشرق وأفق الغرب».
وفي لفتة فاتيكانية مميزة تكاملت مع حفاوة الاستقبال الذي لقيه رئيس الجمهورية في الكرسي الرسولي، حضر إلى مقر الحفل أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين على رأس وفد من كبار مسؤولي الكرسي الرسولي.
والتقى بارولين وزير الخارجية جبران باسيل، على هامش الحفل، في حضور القائم بالأعمال مكرراً أطيب تمنياته للرئيس عون بالنجاح في ما نذر إليه نفسه من تحقيق لأماني الشعب اللبناني وتطلعاته، مكرراً تأكيد «ايلاء لبنان اهتماماً خاصاً لديه».
وفي ختام الحفل، أقيم كوكتيل للمناسبة.