دمشق الياسمين تكرّم الراحل الكبير وديع الصافي

رشا محفوض وشذى حمود

علاقة عشق وموقف أصيل ربطته بسورية، وفاءً منه لبلد ما بخل يوماً في الاحتفاء بالقامات العربية المبدعة، ليُكرَّم اليوم عميد الأغنية العربية الفنان الكبير الراحل وديع الصافي في قلب عاصمة الياسمين دمشق.

في دار الأسد للثقافة والفنون وعلى مسرح الأوبرا، وخلال حفل تكريم الفنان الكبير وديع الصافي، صدحت حناجر شباب جوقة مار افرام السرياني بقيادة المايسترو شادي سروة بأجمل الأغاني التي غناها الراحل الكبير من «جينا الدار» و«طلّوا حبابنا» ور«مشة عين» و«عاللومة»، وغيرها، ولتكون أيضاً للجوقة أغنية «كرشلا إيدي» باللغة السريانية كان الراحل الكبير قد غنّاها.

الحفل كان جسراً من الحنين بين الوطن بجبله وشموخه وعنفوانه وحماة دياره، هذا ما أكده نجل الراحل الفنان الدكتور أنطوان الصافي خلال مشاركته أمس، والتي بدأها بتحية للجيش العربي السوري، ليقدّم بعدها مجموعة من الأغاني الوطنية والانسانية التي كان الراحل الكبير قد أدّاها، من «مبارك نصرك يا أسد» و«حامي عرينك يا أسد» و«صرخة بطل» و«بالمجد معمّرها» و«سورية الله حاميها» و«الله معك يا بيت» و«عندك بحرية» و«جبلنا وبلدي»، إضافة إلى مجموعة من الأغاني التي تذكرنا بإرث الفنان الكبير ومكانته.

وتخلل الحفل تقديم دروع التكريم من قبل وزارة الثقافة قدّمها معاون وزير الثقافة علي المبيض للدكتور أنطوان الصافي، وللمدير العام لمؤسسة الصافي للإنتاج والتسويق الفنّي في سورية بسام العيلان، ليقدّم بدوره الدكتور أنطوان درعاً تكريميةً لوزارة الثقافة ولدار الأسد للثقافة والفنون.

تكريم وديع الصافي أمس يعني أن سورية تكرّم المبدعين الذين وقفوا معها ولن تنساهم. هذا ما أكده الفنان أنطوان الصافي في تصريح لـ«سانا»، مضيفاً: «إن سورية رغم كل المِحن التي تتعرض لها، ما زالت تلعب دورها الريادي ثقافياً على المستوى العربي، وتكريم الدولة السورية لوالدي هو تكريم من قبل الشعب السوري ومحبّة له وإيماناً برسالته، وإثبات أن هذا البلد قوي وقادر على صنع المعجزات».

أنطوان الذي رافق والده لنحو خمسين سنة بيّن الصعوبات التي يواجهها ومنها عدم تفهّم بعض وسائل الإعلام دور مؤسسة الصافي الذي تقوم به، ودورها في نشر القيم الفنية والاخلاقية للراحل الكبير الذي كان صاحب رسالة سخّرها وطوّرها في خدمة المجتمع والاحساس بهموم المواطنين وأفراحهم وأحزانهم، معتبراً أن هذا الحفل استمرار لمسيرة وديع الصافي الغنية.

قائد الفرقة الموسيقية المرافقة للحفل المايسترو نزيه أسعد تحدث في تصريح مماثل عن ضرورة التقاء الفنانين من جميع الاجيال حول القامات الكبيرة التي اعطت الموسيقى العربية مدارس متنوّعة، ومنهم العملاق وديع الصافي الذي تناول الامور الحياتية للناس ببساطتها، وكان له الأثر البالغ على الأغنية الشعبية والمتعلقة بالقرية والجبل والبحر. مؤكداً أهمية استعادة هذه الاغاني عبر المسارح ووسائل الإعلام.

وعن حفلة أمس أوضح أسعد أنها كانت ثمرة تعاون بين أعضاء فرقته الموسيقية وجوقة مار افرام السرياني بقيادة شادي سروة، معتبراً أن استضافة الفنان أنطوان كونه امتداداً لخط ونهج والده الراحل الذي امتلك خامة صوتية نادرة وبات مدرسة في الغناء الشرقي.

وعن تكريم الفنان الراحل رأى المايسترو سروة، انه تكريم للموسيقيين والفنانين عبر استرجاع جزء من مسيرة هذه القامة الفنية الكبيرة. لافتاً إلى أن مشاركة الجوقة هدفها إيصال رسالة بأن أبناء سورية رغم الحزن الذي يعيشونه، إلا أنهم متمسكون بالحياة ووطنهم الذي سيبقى منارة مضيئة للناس وخاصة المبدعين.

ولد الفنان الكبير الراحل وديع الصافي واسمه الحقيقي وديع فرنسيس عام 1921 في قرية نيحا في قضاء الشوف، وشارك في بداية مسيرته الفنية بمسابقة غنائية نظّمتها إذاعة لبنان الرسمية، ونال الجائزة الأولى فيها من بين أربعين متبارياً لتطلب منه لجنة التحكيم الانتساب رسمياً إلى الإذاعة، وأطلقت عليه اسم وديع الصافي.

واستطاع الفنان الراحل خلال فترة قصيرة إبراز موهبته على أفضل وجه وكانت أول أغنية فردية له بعنوان «يا مرسال النغم»، وبعدها «طل الصباح» و«تكتك العصفور» عام 1940، لينشد لاحقاً العتابا والغزل وأبو الزلف وغيرها من أغاني الفولكلور الشعبي، لتنهال العروض عليه لإحياء الحفلات وتمثيل الأفلام وصار ملك الغناء من دون منازع، وقيل عنه في مصر مبتكر المدرسة الصافية في الأغنية الشرقية.

وغنّى الفنان الراحل مئات الأغاني وجذب الأجيال بصوته فأطرب الكبار والصغار وعمل مع عدد من الموسيقيين في أواخر الخمسينات، من أجل نهضة الأغنية اللبنانية والعربية انطلاقاً من أصولها الفولكلورية من خلال مهرجانات بعلبك التي جمعته مع فيلمون وهبي والأخوين رحباني وزكي ناصيف ووليد غلمية وعفيف رضوان وتوفيق الباشا وسامي الصيداوي وغيرهم. وتوفي الفنان وديع الصافي عام 2013 عن عمر ناهز 92 سنة بعد مسيرة فنية حافلة بالإبداع والعطاء غير المحدود في خدمة الفن والأغنية الشعبية والوطنية ومتميزة بالروح الوطنية الكبيرة التي جسّدها في أغانيه ومواقفه.

«سانا»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى