الجيش السوري يحسم مداخل دمشق… ويبدأ هجوماً معاكساً في ريف حماة نيسان للبحث عن تسوية سياسية اقتصادية تطلق الموازنة وقانون الانتخاب
كتب المحرّر السياسي
العلاقة بين السياسي والعسكري في سورية ليس سراً، سواء ببعديه الدولي والإقليمي أو ببعده السوري. فلقاء جنيف التفاوضي الذي يبدأ جولته الخامسة اليوم ليس إلا صندوقاً لتجميع أرصدة المتحاربين في الميدان. وفي الميدان كما في جنيف، لا تزال واشنطن تقف وراء حلفائها الذين يشغلون آلة الحرب في سورية، من الرياض إلى تل ابيب وصولاً إلى أنقرة التي لم يحبطها الرفض الأميركي للتخلي عن الأكراد بقدر ما أحبطها الرفض الروسي. فواشنطن تقف عند حدود الحرب على داعش رغم حديثها عن الإرهاب وتصنيفها، كما الأمم المتحدة لجبهة النصرة على لوائحه، لكن قتال النصرة يغيب عن الخطاب الأميركي وحكماً عن الخطاب السعودي والتركي و الإسرائيلي ، بل يحضر بديلاً منه مشروع تبييض النصرة برضا أميركي، تحت عنوان الحرب على داعش والسعي لتوسيع دائرة الحلفاء.
الحرب الأميركية على داعش تحصد المدنيين بالعشرات في غارات التحالف الذي تقوده واشنطن على الرقة، دعماً للجماعات التي سلّحتها ودرّبتها لتفادي التسليم بحقيقة أن الجيش السوري وحلفاءه، وحدهما القادران على خوض هذه الحرب بينما الجيش السوري يحقق التقدم في ريف حلب الشرقي ويسترد المزيد من البلدات من قبضة داعش.
التصعيد في جبهات سورية من دمشق إلى حماة يحضر في جنيف، بعدما رفضت دمشق استقبال المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا الذي حرّض الوفد المفاوض على تعديل التوازن قبل جولة جنيف تفادياً لتنازلات صعبة، وقدم للوفد خريطة طريق تفاوضية تطال البعد الداخلي السوري المحصور بالسوريين وحدهم. وفي الميدان يقدم الجيش السوري الرد المناسب على التصعيد، فبعد النجاح المكرّر بحسم مداخل العاصمة والسيطرة على المواقع التي اقتحمتها جبهة النصرة وحلفاؤها بالانتحاريين، بدأ الهجوم المعاكس في ريف حماة، ومثلما سيكون الرد إعادة للتفاوض إلى نصابه في ظل الانتصارات العسكرية السورية، سيكون درساً تأديبياً لدي ميستورا ولمن سيخلفه إذا تجدّد تفويضه الأممي.
لبنانياً، يسيطر الجمود على مباحثات الكواليس سعياً لإنتاج قانون انتخاب أو إخراج الموازنة من عنق الزجاجة، فقد تبلورت صورة المشهد بوضوح من تعقيدات الموازنة حول حقيقة ما يجري في ساحة قانون الانتخاب، حيث حلف المصارف وتيار المستقبل يقودان المعركة على الجبهتين، ويريد إجراء المقايضات بينهما، بينما الحلف المقابل المتمسّك بضرائب متوازنة لا يمكن استثناء المصارف منها يخوض مفاوضاته على المسار الانتخابي بنية البحث عن حل توافقي منفصل، حتى كشفت نقاشات سلسلة الرتب والرواتب المستور، وصار الانتظار لما بعد القمة العربية التي يشارك فيها رئيس الجمهورية للبحث عن تسوية سياسية اقتصادية شاملة تفتح الطريق لتفاهم على الموازنة بما فيها من ضرائب ورواتب وخدمة دين، وعلى قانون الانتخاب بما فيه من تسويات على الدوائر والنظام الانتخابي.
النفط يتقدّم من بوابة التهديد الإسرائيلي
لم تبرز معطيات جديدة حول قانون الانتخاب باستثناء استمرار القوى السياسية بدراسة تفصيلية وتقييمية سياسية وتقنية للاقتراح الذي قدّمه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الوحيد المتداول حالياً في كواليس التفاوض، بينما وضع مشروع الموازنة وسلسلة الرتب والرواتب على الرفّ لإطلاق جولات حوار جديدة حيالها ضمن رؤية اقتصادية جديدة.
وبانتظار عودة رئيس الحكومة سعد الحريري والوفد المرافق من مصر ووزير الخارجية الذي يشارك في مؤتمر دولي لمكافحة الاّرهاب في واشنطن، لاعادة تحريك عجلة الملفات المجمدة، تقدم ملف النفط من بوابة التهديد «الإسرائيلي» للشركات الأجنبية التي ستلتزم التنقيب عن النفط اللبناني في البحر المتوسط.
ووفقاً لما ذكره موقع «غلوبس» «الإسرائيلي» المتخصص بالشؤون الاقتصادية «أنَّ إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة والأمم المتحدة الضغط على لبنان لإدخال تعديل على المناقصة التي يعتزم إطلاقها بشأن التنقيب عن الغاز والنفط في خمسة من البلوكات البحرية الواقعة في المياه الاقتصادية اللبنانية. وبحسب الموقع نفسه، تستند «إسرائيل» في طلبها هذا إلى وجود ثلاثة من هذه البلوكات بمحاذاة «حدودها البحرية» ولكونها متداخلة مع منطقة بحرية هي موضع نزاع مع لبنان تقدّر مساحتها بـ 800 كلم مربّع.
ونقل الموقع عن وزير الطاقة «الإسرائيلي»، يوفال شتاينتس، قول خلال مشاركته في مؤتمر Ceraweek في الولايات المتحدة الأميركية قبل أيام، إنَّ «إسرائيل» «أرسلت مطلع شباط الماضي رسالة رسمية إلى الأمم المتحدة تُعرب فيه عن احتجاجها على سلوك الحكومة اللبنانية المتعلّق بإعلان مناقصة في مياهها الاقتصادية التي تشذ في جزء منها باتجاه المياه الاقتصادية لدولة إسرائيل». وأضاف شتاينتس أنَّ «إسرائيل» «ستحافظ على حقوقها وهي منفتحة على الحوار بهذا الخصوص».
وإذ يزور وفد نروجي لبنان الأسبوع المقبل لاستكمال البحث في برنامج التعاون بين لبنان والنروج في ملف التنقيب عن النفط، أشارت مصادر مطلعة لـ»البناء» أن «رفع إسرائيل سقف تهديداتها ضد لبنان مرتبط برؤيتها للواقع الجديد مع تغيير الإدارة الأميركية الجديدة واحتضان الرئيس دونالد ترامب والإدارة في واشنطن لخياراتها، حيث تكوّنت لدى رئيس الحكومة «الإسرائيلية» بنيامين نتنياهو قناعة، بأن أي خيار ستلجأ اليه حكومته سيلقى ترحيباً وتأييداً لدى الولايات المتحدة، لذلك تضغط حكومته في مجلس الامن الدولي مستقوية بالفيتو الاميركي، ومرتاحة لأنها لا تواجه أي ضغوط أميركية، كما كان يحصل في ولاية الرئيس السابق باراك أوباما». وتضيف المصادر أن «إسرائيل تظن بأن لبنان الرسمي بما فيه الجيش اللبناني لا يستطيع الرد على اي عدوان، أما المقاومة فمشغولة بالحرب على جبهات عدة في سورية، كما أنها تعتبر أن الانقسام اللبناني حول دور المقاومة وسلاحها قد يمنعها من ممارسة حق الرد».
وفي سياق ذلك، يؤكد الخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور أمين حطيط لـ»البناء» أن «التهديدات الإسرائيلية للبنان تأتي بعد فشل حكومة نتنياهو باستدراج عروض شركات لتلزيم النفط في فلسطين المحتلة، بينما استفزها نجاح لبنان بجلب شركات للتنقيب عن حصته من بلوكات النفط. وبالتالي فإن تهديداتها تعتبر تهديد غير مباشر للشركات للضغط عليها لتجميد سفرها إلى لبنان وقبولها التلزيم»، وينفي العميد حطيط «وجود بلوكات متنازع عليها بين ما تعتبره «إسرائيل» لها وتلك التي تعتزم الحكومة اللبنانية تلزيمها، موضحاً أن المتنازع عليه هي منطقة بحرية مساحتها 850 كلم مربع تقع بين الأراضي اللبنانية وفلسطين المحتلة، لكن الأحواض التي سيلزمها لبنان تقع ضمن الأراضي اللبنانية، وبالتالي قول «إسرائيل» بأن لها حصة فيها إدعاء فارغ كما تهديداتها»، ويستبعد حطيط أن «يذهب العدو بعيداً في ترجمة تهديداته بحماقة عسكرية».
وحذرت مصادر عسكرية «إسرائيل» من التعرّض لمنشآت الشركات التي ستتولى التنقيب عن النفط اللبناني، وتشير لـ»البناء» الى أن «المقاومة تملك ما يكفي من القدرات التسليحية البرية كما البحرية للدفاع عن حق وثروة لبنان النفطية والغازية في البحر المتوسط، وستبادر الى الرد على أي اعتداء قبل أو خلال التنقيب أو بعد استخراج النفط، لكن المصادر أوضحت أن «المقاومة ستترك للحكومة اللبنانية في بادئ الأمر الرد المناسب، لكن في حال تمادت إسرائيل في اعتداءاتها ستبادر الى الرد الحاسم والسريع».
بري: عدم إقرار قانون الانتخاب انتحار
بالعودة الى الواقع المحلي، نقل النواب عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري بعد لقاء الأربعاء، قوله إذا كان عدم إقرار سلسلة الرتب والرواتب إفقاراً فعدم إقرار قانون الانتخاب هو انتحار . وأكد أن السلسلة آتية وهي ستقرّ لا محال، وأن شهر نيسان لن يمر من دون إقرارها .
وأضاف: أمامنا أسبوعان أو ثلاثة للتوصل الى قانون جديد للانتخاب، وإلا فنحن نسير نحو المجهول. وكما قلت سابقاً، فإن على الحكومة أن تتحمّل مسؤولياتها بالنسبة الى القانون والسلسلة بإقرارهما وإحالتهما على المجلس. فقد تألفت هذه الحكومة على قاعدة أنها حكومة الانتخابات وإنجاز الموازنة ومتمماتها . وشدّد على تشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، مشيراً الى أن هناك أكثر من 35 قانوناً لم تبادر الحكومة إلى تطبيقها أو إصدار المراسيم التطبيقية لها .
ونقل زوار رئيس المجلس عنه لـ «لبناء تأكيده إقرار السلسلة لكن بما يتلاءم مع الوضع المالي للدولة وهو يحاول التواصل مع كل الأطراف بمن فيهم الفئات التي تعتصم في الشارع لوضعهم في الأجواء ولمساعدة الحكومة للوصول الى الحل المناسب .
وحول قانون الانتخاب، أكد بري بحسب زواره أن قانون باسيل لا يزال قيد الدرس، ولم يتخذ قرار نهائي حياله حتى الساعة، ولديه 4 ملاحظات أبلغ باسيل بها تتعلّق بطريقة توزيع بعض الدوائر وانتخاب كل طائفة نوابها . كما أبلغ بري الحريري مخاوفه إزاء الوضع في المنطقة وبالتالي يجب الشروع في معالجة الازمات الداخلية لا سيما قانون الانتخاب والموازنة لنكون على أتم الاستعداد والجهوزية في حال حصول أي مستجدات على مستوى المنطقة وانعكاسها على لبنان .
كما حذّر بري أمام زواره من أن عجز القوى السياسية عن إقرار قانون جديد يعني أننا متجهون الى أزمة كبيرة أولى نتائجها الفراغ في المجلس النيابي الذي لن يطال السلطة التشريعية فقط بل سينسحب الى الحكومة ورئاسة الجمهورية أيضاً .
ولفت الزوار إلى أن أي تمديد للمجلس النيابي لأشهر عدة يجب أن يصاحبه اتفاق على قانون جديد.
وفي غضون ذلك، دعا الرئيس الحريري الى جلسة لمجلس الوزراء يوم الجمعة المقبل بجدول أعمال عادي يغيب عنها مشروع الموازنة الذي تمّ تأجيله الى جلسة تُحدّد لاحقاً.
الحريري من القاهرة: مصر حاجة للمنطقة
في غضون ذلك، وفي أول جولة خارجية له منذ ترؤسه الحكومة الحالية، بدأ الرئيس الحريري زيارته المصرية بلقائه كبار المسؤولين المصريين، السياسيين والروحيين، على رأسهم الرئيس عبد الفتاح السيسي. وشكّل لقاؤه مع الرئيس المصري فرصة للإشادة بالدور التاريخي والمحوري لمصر على الساحتين العربية والإسلامية ، وقال في بلدينا نماذج للاعتدال والعيش المشترك بين الأديان والطوائف، وهي باتت حاجة للعديد من دول المنطقة، لا بل في العالم. قبل المعالجات الأمنية والسياسية، إن الاعتدال وبثّ روح الاعتدال هما الوسيلة الوحيدة لمواجهة التطرف والإرهاب، خصوصاً ذلك الذي تمارسه فئة ضالة تتستر باسم الإسلام لتضرب القيم الحقيقية للإسلام كما كل القيم الإنسانية .
وأكد الحريري أن كلمة الرئيس ميشال عون في القمة العربية ستمثل لبنان والطموح اللبناني وطموح اللبنانيين ، وجزم رئيس الحكومة بأنه سيزور السعودية ، متوجّهاً الى المشككين شككوا قدر ما تشاؤون، العلاقات بيننا ممتازة، وسترونني في المملكة قريباً .
ورأت مصادر سياسية لـ «لبناء أن الرئيس عون من خلال زيارته الى مصر والأردن أسس أرضية مهمة لتطوير العلاقات مع الدول العربية، خصوصاً مصر، بعد أن حصرت علاقة لبنان بالسعودية فقط في عهد الرئيس ميشال سليمان الذي أساء الى علاقات لبنان الخارجية .