خارج النصّ!
أحمد علي هلال
في زاوية ما…
يقف الكهل بائع الورد منادياً بصوته الرخيم: «ورد، ورد…»، يلتفت البائع ذات اليمين وذات الشمال في توسّل محبّب، علّ أحد المارة يعره انتباهة ويقترب منه بِنّية الشراء؟
في الحديقة ذاتها يتكرر مجيئهُ، حتى ليحسبه الناظر إليه، أنه آتٍ من زمن الأفلام الرومنسية ـ مطلع الستينات ـ مثلاً، حينما كان أبطال تلك الأفلام يحملون الورود، كعلامة على اللقاء الأول.
يجول البائع، وثمة من يقترب منه بفضول وتندّر، ناهيك عمّن يرمقه بنظرات استغراب ودهشة عاجلة، وغيرهم قررّوا شراء وردة أو اثنتين، على أمل بقية من «فالنتين» مضى بأثر رجعي، ومنهم بالذات عاشقان توسلا لغة جميلة للخطاب، ومسافة للصمت والكلام، لكأن الوردة هي بلاغتها الأخيرة، ليردّد ـ البائع ـ بفرح نادر: «خلينّا نشوفكوا يا شباب!».
خرجت من فضاء الحديقة المكتّظة بآلام قدّت من بشر وفي الشارع المحاذي، بضعة صبية نسوا أعمارهم، يتردد النداء بتفصيل متوهج، وردة للذكرى، وردة للحب.
لكن صغيرةً انتحت جانباً وهي تقول: «وردة للسلام ولا أريد ثمناً لها فقط خذوها ليبدأ نهاركم أحلى».
سرت قشعريرة حارة في عروقي فقررت شراء تلك الوردة غير مكترث برفضها أخذ النقود، ثمة ـ وأنا آخذ تلك الوردة ـ ما تراءى لي مواكب شهداءٌ كثر يسير الورد في إثرهم منحنياً بحمرةٍ خجلة، غضتٌ هي أوراق الوردة في يدي لتندلق منها أزمنةٌ كثيفة راحت تنفتح لتؤثث المكان وانبسطت ورقة أخرى لأدلف لأمكنةٍ عادةً يزورها الخيال متواشجاً معها ليؤلف سمفونيةً لذيذة على وقع حبات المطر الصريحة التي غسلت البيوت الغافية والأفئدة الواجفة لتسير جداول ضوءٌ باذخ التوهج وتحفر على الأوراق ذكرى جديدة تبلسم الذكريات العتيقة صارت الوردة عاصمةً اسمها دمشق ليس لمن مسّه شذاها إلا وأن يمسي شاعراً.
معضلة الأخير..
تساءل أحد حضور ندوة شيقة خصصت لذكرى الراحل الكبير سليمان العيسى تعقيباً على مقدمةٍ أشارت إلى أن الراحل الكبير سليمان العيسى هو «آخر العمالقة» وكان السؤال لماذا يقال آخر العمالقة ومن المعروف أن صاحب القول هو الدكتور عبد العزيز المقالح؟
كاتب وناقد فلسطيني سوري