خوف صهيونيّ من تحقيق العدالة في مواجهة إرهاب الدولة والفصل العنصريّ
داليدا المولى
تبدو للوهلة الأولى عبارة مقاطعة المنتجات الصهيونية بعيدة عن المفهوم العام للدول التي تخوض مواجهة مباشرة مع كيان الاحتلال في لبنان والشام والعراق. هذه الكيانات التي تشكل محوراً يهدّد كيان العدوّ وتقف إلى جانب مطالب الشعب الفلسطيني، إلا أنّ فكرة المقاطعة واجبة في الدول التي لا تعتبر «إسرائيل» عدوّاً مصيرياً، فيغدو لزاماً تظهير ما لهذا الكيان من عيوب تجعله يخرج عن معنى نشوء الدولة على محورٍ طبيعي، إضافة إلى ما تمارسه من تعدّيات على شعب بكامله إلى درجة الفصل العنصري وإقامة الجدار العازل وحصار غزّة والاعتقالات والشهداء وخرق كل حقّ إنساني. كل ذلك استدعى موقفاً عالمياً من إرهاب الدولة الذي يمارسه كيان العدو، فكانت «الحملة العالمية لمقاطعة الاحتلال» أو ما اصطلح على تسميتها «BDS»، التي اعتبرتها حكومة العدوّ كما يبيّن كتاب الباحث سمير جبور بعنوان «الحملة العالمية لمقاطعة الاحتلال من منظور يهودي وصهيوني»، أحد المخاطر التي تهدّد الاقتصاد الصهيوني وتهدّد وجود الكيان. لذا، تمّ التعامل معها على درجة عالية من العداء الاستراتيجي ورصدت ميزانية لمنع تأثيراتها عالمياً.
يستهل الباحث سمير جبور كتابه بتقديم حركة «BDS» للقارئ العربي، وهي حركة عالمية تسعى إلى كشف ممارسات الاحتلال وفضح عنصريته، وإلى وقف كافة أشكال التطبيع معه. وتدعو إلى مقاطعة الشركات الداعمة لكيان العدو، معتمدة على ثلاث ركائز أساسية، هي: المقاطعة، وسحب الاستثمارات، والعقوبات.
ويعرض جبور في متن كتابه التوثيقي لكيفية التعاطي الصهيوني مع «BDS» حيث يورد تباعاً مجموعة من مواقف المحللين والأكاديميين الصهاينة الى جانب حكومة الكيان الصهيوني، وكلها مترجمة من العبرية الى العربية، لتشكّل أدلّة ثابتة على تنامي عمل الحركة ونجاحها في الانتشار لجهة الفكرة والممارسة عالمياً، بحيث باتت النظرة إلى كيان العدو على أنه كيان فصل عنصريّ أشبه بالأبرتهايد في جنوب أفريقيا، وأنه يخرق القانون الدولي الانساني بشكل مستمر وهذا يستدعي المحاسبة عاجلاً أم آجلاً. ولعل أبرز ما ورد في هذا الاطار هو ما دار في «لجنة الهجرة والاستيعاب والشتات التابعة للكنيست الصهيوني»، بأن 150 مليوناً من الأوروبيين يعتبرون أنّ «إسرائيل» تنتهج أساليب نازية، والذي يعبّر واقعياً عن الهواجس التي تتنامى في كيان العدوّ لجهة عمل الحركة.
من جانب آخر، يعرض الكاتب لمجموعة من التصريحات حيث يتم تراشق الاتهامات داخل كيان الاحتلال حول الفشل في مواجهة حملة المقاطعة. ففي حين يعزوها البعض الى زيادة وتيرة الاستيطان، يعتبرها آخرون أداة للحرب السياسية ـ القضائية ضدّ كيان العدوّ، ويعدّونها خطراً متنامياً على «رفاهية إسرائيل». وهو ما فتح سجالاً سياسياً حول آليات مواجهتها دولياً الى حدّ اتهام اليسار الصهيونيّ رئيسَ حكومة العدوّ بنيامين نتنياهو بأنه المسؤول عن تنامي حملات المقاطعة والعداء لـ«إسرائيل». ما دفع الأخير في خطابه في احتفال ما يسمّى «مجلس محافظي الوكالة اليهودية» نهاية السنة الماضية، إلى الطلب من «يهود العالم» المساهمة في محاربة حركة المقاطعة.
وفي السياق، يعتبرها بعض المحللين الصهاينة أنها انتفاضة من نوع آخر، تتلاقى مع انتفاضة الشعب الفلسطيني في الداخل، ولا تقلّ خطراً عن المقاومة إلى حدّ اتّهامها بمعاداة السامية ووصفها بـ«الخطر الاستراتيجي» و«تهديد الوجود» الذي يتنامى بصمت وبشكل تدريجيّ.
ويتألف الكتاب من مقدّمة وتمهيد يشرح عن الحركة، وعشرة أقسام تفصّل ردود الفعل الصهيونية في وجه هذه الحركة على مستويات عدّة، بدءاً من نجاح الحملة، إلى تأثيراتها على الصعيدين الأكاديمي والاقتصادي وعلى علاقات كيان العدوّ الدولية، وكذلك تحرّك الكنائس في وجه الممارسات الصهيونية. كما يبيّن مواقف اليمين اليهودي من هذه الحملة والرؤية الصهيونية للمخاطر الاستراتيجية والوجودية لهذه الحملة على الكيان. ليصل أخيراً إلى الاجراءات المضادة التي اتّخذتها الحكومات الصهيونية في وجه «BDS».
وكما يتبيّن من المقالات المترجمة وما تتناوله صحافة العدوّ، أنّ الحركة تستهدف مقاطعة منتجات شركات «إسرائيلية» ودولية داعمة لها تحقّق أرباحها على حساب حقوق الفلسطينيين الأساسية. ولا يقتصر مبدأ المقاطعة على المجال الاقتصادي، بل أن الحركة تركّز أيضاً على مقاطعة الأنشطة الرياضية والأكاديمية والفنية مع المحتل. وبفضل جهود الحركة، رفض عدد من الفنانين والأكاديميين التعاون مع مبادرات صهونية في مجالات مختلفة، كما تدعو إلى سحب التمويل من الشركات «الإسرائيلية» والشركات الدولية الداعمة للاحتلال، عبر بيع أسهمها والامتناع عن الاستثمار فيها. كما تدعو إلى فرض عقوبات على الشركات «الإسرائيلية» وعلى كيان العدوّ لإجباره على احترام حقوق الفلسطينيين.
ونجح الكاتب عبر مؤلَّفه التوثيقيّ في نقل تأثيرات «الحملة العالمية لمقاطعة الاحتلال» على كيان العدوّ، والهواجس التي تتنامى على المستويين السياسي والاقتصادي الصهيونيين، مع تنامي أعمالها وانتشارها السريع في العالم. فبعد نشوء الحركة عام 2005 على إثر رفض كيان العدوّ تنفيذَ حكمٍ دوليّ بحقّه، تعاملت حكومة الاحتلال مع الحملة على أنها غير موجودة، لتقرّ بتأثيراتها وخطورتها لاحقاً، وترصد موازنةً لمحاربتها وتعتبر خطرها وجودياً.