بكاء المائدة
سحر أحمد علي الحارة
ماما، اُنظري، لقد ارتديت حلّتي الجديدة ولن تكون زهرة الأرض هنا أجمل وأزهى!
بلى بلى يا ابنتي، ولكن اُنظري توأمك «شام»، فإنه «ما شاء الله» يقف على العتبة ممسكاً بعضد الباب كما لو أنه فينيق.
وانطلقت العائلة السورية الأب والأمّ وطفلاهما يلتمسون عبق آذار لدى أستاذ الجغرافيا الأبديّ «بردى». ومن الهامة راحوا يستقبلون حديقة الأرواح في الربوة. وفي الاتجاه المعاكس تنطلق وعبر منافذ الغرب على الشرق شياطين «مغول ويهود وأعراب»، إنما بشكل كائنات كريهة كما ألوانها، تتغذّى فقط على دماء خلق الله.
اجتمعت العائلة السورية في ركن على الربوة، قد اطمأن إلى حضن شجرة غار. أصرّ «شام» أن يأخذ صورة في ظلّها، ولكنهم أحسّوا بصوت تقوله شجرة الغار: «بل أنا أصرّ أن آخذ صورة في ظلّ شام».
ماما ماما.
ماذا تريدين يا ابنتي؟
إنني أحسّ بشيءٍ ما، أحسّ أن ذاكرتي تشتعل كما معمل نسيج في حلب، أو كما حقل من قطن في الجزيرة. أو كما إنني لم أستطع حتى اللحظة أن أوقف نسيج الذاكرة المعطّرة برائحة دم «ساري حمص» و«سارية حلب».
يا ابنتي، لكلّ شيء وقته. ألا ترين أنك تحملين التاريخ إلى الجغرافيا.
وهنا يتدخل «أبو شام» ليقول: «يا جماعة، لقد جَهُز الطعام هلمّوا على بركة الله». ثمّ يدعو دعاء المسيح قوله «ربّنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا…». وتتسابق أصناف الطعام في عرض نفسها.
قال «اليافاوي»: أيها السوريون، يجب استحضاري إلى كلّ مائدة لأنني من فاكهة السماء في الأرض، وسأبقي يافا حاضرة في الذاكرة.
قالت مشاوي الديك الهندي: وأنا كذلك يجب استحضاري إلى كلّ مائدة لأنني أذكّركم بغاندي الهند. وكيف كان الاصرار الواعي على المقاومة وبها انتصر على الوحش.
وينتفض الخبز من «الميزر»، يطلّ علينا من المائدة ويصيح: أنا حبّة القمح التي عانقت الشمس فكان الجنين وكان اللون الأسمر رمز مقاومة الجوع والعوز والسقوط.
عند ذلك قال الطفل الفينيق «شام» وهو يصمد للشمس: «بابا بابا، صدقوا وصدق الخبز، ثم كما أوصيتني، إنّني أغسل دمي بحمّام سوريّ شمسيّ، اُنظر، لقد صرت أنبض شرقاً ودمشقاً.
وقبل أن يستكمل العرض، تتعرّض للعائلة شياطين تنفخ شواظاً وتنفث دخاناً. ويلاحقها في مكان غير بعيد، أحفاد حمورابي وهانيبعل وبيبرس وطارق وصلاح الدين. ويرمي أحد الشياطين نفسه يتفجّر وسخاً مركّباً من حقد وقتل وتكفير وجهل. وتبكي المائدة التي كانت تحضّر نفسها لتكون بعضاً من أبعاض قوة، قوة عائلة بيت «أبي شام»، بين أحمر وأبيض وأسود ينظر بعينين خضراوين إلى ساري، سارية، شام!