نسيبة الشاعر الإسبانيّ أنطونيو ماتشادو تتذكّر وتروي

لمناسبة عيد ميلادها التسعين، قررت ابنة شقيق الشاعر الإسباني الكبير أنطونيو ماتشادو الخروج على صمتها حول ما يتعلق بعمها، وتتكلم في حفلها الخاص، تاركةً المساحة واسعة للنقاد ومؤرخي الأدب ليكتبوا عن تجربته الشعرية التي أثرت ليس في الشعر الإسباني فحسب، بل الشعر العالمي.

كان ماتشادو يكتب بلا توقف ويدخن حشائش الحقل لافتقاده التبغ، وكان الحزن يغطي وجهه. تقول السيدة العجوز: «ذات يوم مطلع حزيران عام 1936، فيما كانت العائلة مجتمعة إلى المائدة ككل يوم أحد، طلب أنطونيو إلى شقيقه الأكبر مانويل شاعر أيضاً ألا يسافر في إجازة على عادته سنوياً في التاريخ نفسه، وأن يبقى معهم في مدريد حيث انتشرت شائعات عن قرب قيام انقلاب عسكري يقوده الجنرال فرانكو، غير أنه لم يقنعه». وتضيف: «غادر مانويل وزوجته بعد عدة أيام لزيارة شقيقة لهما في بورجو، فيما مكثت بقية العائلة في مدريد حيث اندلعت حرب أدت بكثر إلى المنفى، وكان بينهم أنطونيو ماتشادو الذي مات في منفاه. ومنذ ذلك اليوم، لم يلتق الشقيقان الشاعران مرة أخرى، رغم أنهما كانا مثل الظفر واللحم، إلى أن غادر كلّ منهما هذا العالم». وكانت المائدة نفسها التي جمعت لقاءهما الأخير، تضم طفلة في الحادية عشرة بلغت هذا الشهر سن التسعين. طفلة كانت تنصت إليهما بعينين زرقاوين ولا تزال تحمل النظرة الطفلية نفسها. هذه الطفلة أضحت ذاكرة العائلة وحملت لقبها: ليونور ماتشادو، ابنة شقيق أنطونيو ومانويل، ابنة فرانثيسكو، الشقيق الخامس للإخوة ماتشادو، والشاهدة الأخيرة التي تعيش في إسبانيا- ثمة شقيقة أخرى تعيش في تشيلي- وتعرف تفاصيل العائلة الحميمة.

بلغت ليونور التسعين في أيلول الجاري، وكرّمت في كافتيريا مركزية في مدريد ضمن احتفال نظمته الشاعرة الشابة مارينا كاسادو، وحضرها الكثير من الشعراء والكتاب والناشرين ومدرّسي الأدب، اجتمعوا ليقرأوا أمامها أشعارهم الخاصة وأشعار الإخوة ماتشادو، أنطونيو ومانويل والثالث غير المعروف: فرانثيسكو، والد ليونور. واستمعت إليهم ليونور مبتسمةً، معلقةً بصوت خفيض، ونهضت في الختام لتلقي شعراً ولتشكر الحضور وتتذكر أباها وعمّيها، قائلة: «كنت أتمنى لو أرث حساسيتهم».

لم ينجب أنطونيو، ولا مانويل، وضمن كلّ منهما لنفسه الخلود من خلال أعماله، ومن خلال ست بنات لشقيقهما فرانثيسكو وخوسيه، لكن أنطونيو كان يتبنى ليونور تحديداً، وهو من منحها هذا الاسم تكريماً ليونو إيثكيردو، حب الشاعر العظيم، المراهقة التي تزوجها أنطونيو في مدينة سورية وماتت شابة عام 1912، وتروي ليونور أن «أنطونيو تذكرها في قصائد كثيرة، ومع ذلك لم يكن يتحدث عنها أمامنا. الكلام عنها كان يؤلمه كثيراً، وذاكرة العائلة التي امتلكت ناصية الشعر تجلس وتتذكر أيام الآحاد في البيت العائلي، وتتذكر السنوات السابقة على الحرب الأهلية. تقول:»كان الإخوة ماتشادو الخمسة يجتمعون في غرفة، وكنا نسمعهم يضحكون مثل الأطفال». وتتذكر ليونرو أنه لدى اندلاع الحرب في 1936 أرسلت سلطة الجمهورية أنطونيو ماتشادو إلى روكافورت بالنثيا لأجل حمايته، وطلب إليهم رؤية أمه وشقيقيه.

وفي عام 1938 انتقلوا إلى برشلونة ومنها إلى فرنسا، منفاه الأخير، حيث مات أنطونيو في شباط عام 1939، حاملاً قصائد في جيبه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى