التقدّم نحو الحرب
العلامة الشيخ عفيف النابلسي
ربما تصل أزمة الكيان الصهيوني ومآزقه الكثيرة إلى حدّ تفجّر حرب إقليمية. الأمر ليس فيه مبالغة ولا يتجاوز الحسابات التي تجريها عادة الدول في ظروف مضطربة، بل إنّ تبدّل المعادلات وتكسّرها على نحو متسارع منذ سنوات حتى الآن، هو الذي يفضي إلى مثل هذا الاستنتاج. مؤخراً ذهب الكيان إلى التصعيد في ملف النفط مستغلاً جملة من الأوضاع في المنطقة أهمها التحولات الميدانية في سورية، وسقوط النظام الإقليمي العربي الذي كان يشكل ولو من الناحية الصورية مظلّة سياسية خجولة لسيادة لبنان، والإفلاس الذي تعيشه طبقتنا السياسية في ظل عجز واضح عن تقديم خيارات وبدائل لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية. وإذا كان الدعم من الرئيس الأميركي الجديد جاء ليوسّع نطاق العدوانية «الإسرائيلية» واستغلالها للظروف، التي بلغت مبلغاً خطراً، للسطو على غازنا ونفطنا البحري، فإنّ الاضطرابات الأمنية تبقى هي العامل الأبرز في تكثير «الطلب على الحرب». لعل الكيان «الإسرائيلي» يريد من تحريك الجبهة النفطية فتح آفاق للحرب رغم قسوتها عليه. لكنّه يؤمن بالمثل العربي أكثر من العرب أنفسهم بأنّ «آخر الدواء الكي». بمعنى أنّ الحرب ضد حزب الله شرّ لا بدّ منه، وعملية لا مفرّ منها، للتخلص من العائق الذي يمنع «إسرائيل» من تحقيق طموحاتها النفطية والسياسية والاستراتيجية والاقتصادية والجغرافية في المنطقة. حرب في ظن «إسرائيل» ستغيّر قواعد اللعبة، وتعيد قلب المعادلات والموازين لصالحها. هي ترى أنّ استغلال الملف النفطي يمكن أن يكون مدخلاً مناسباً لحرب تريدها محسومة لصالحها. وفي ظل هذا التطور لا يمكن المراهنة إلا على المقاومة والجيش اللبناني وكل قوى الشعب الحيّة والواعية، و«قلب ظهر المجن» وتحويل أي عدوان إلى فرصة، أي كما يقول الإمام علي ع : «شجاعة الرجل على قدر همته». والهمّة هي الفرصة التي يجب تحويلها نصراً يعود بالحرية والسيادة للبنان والذل الكامل للصهاينة.
صحيح أنّ وضعنا الداخلي يمرّ بظروف دقيقة بفعل ثلاثة استحقاقات متداخلة داهمة وهي الموازنة والسلسلة وقانون الانتخابات. وكلها لها تداعيات سياسية وأمنية واجتماعية واضحة. فإذا لم يتمّ التعامل معها بروح وطنية والعثور على منافذ للخروج من الوضعية البائسة فإنّ «إسرائيل» حتماً ستستغلها في سياق اقتناص اللحظة المناسبة لشنّ الحرب. والمطلوب دائماً التأكيد على مشروعية المقاومة ومصداقيتها وفاعليتها في الدفاع عن لبنان، لا إثارة الإشكالات والالتباسات والمعوقات أمامها. فإنّ ذلك من المنكر والخيانة، خصوصاً في خضم تحوّلات البيئة الإقليمية من حولنا.
فهل تستجيب القوى السياسية مجتمعة وتنظر بعين المصلحة الوطنية، بعيداً عن الشعارات الشعبوية التي ترفعها ضد سلاح المقاومة. هذا ما نأمله، ولكن وفي كل الأحوال سواء استجابت هذه القوى أم لم تستجب فإنّ عدوان تموز 2006 كان اختباراً لمعرفة مَن الصديق والوفي والمخلص للوطن ومَن الذي يركب مشاريع الغير؟ وقتها استطاعت المقاومة أن تحقق نصراً كبيراً، واليوم أيضاً لو شُنت الحرب ستكون المقاومة في موقع الجدارة الوطنية للدفاع عن لبنان ضد اعتداءات الخارج وألاعيب الداخل!