دوافع وآفاق أزمة عثامنة تركيا الجدد مع أوروبا…
محمد شريف الجيوسي
هل أزمة عثامنة تركيا الجدد مع أوروبا؟ حقيقية أو هي مفتعلة من قبل الخليفة العثماني البائس الجديد، لإيهام الشعب التركي بأنّ الأتراك مستهدفون، ما يعزز التعصّب التركي القومي والديني ضدّ أوروبا، فيلتفّ الشعب حول السلطان العثماني الخليفة أرودغان حامي حمى الطورانية الممتدّة حتى أواسط آسيا، والإسلام الحنيف، فيصوّت بـ نعم على الدستور الجديد الشهر المقبل، ما يعزز سلطات أردوغان، دون ملاحظة أنّ الأهمّ من ذلك هو استقرار تركيا المهدّد جغرافياً وديموغرافياً واقتصادياً واجتماعياً، بفضل السياسات الخرقاء للسلطان، مغلباً الأيديولوجيا الإخوانية على الاستراتيجيا المبنية على المصالح متعددة الجوانب والأمن وحسن الجوار والقرار المستقلّ.
ومثلما يعزز توقيت الاختلاف العثماني مع أوروبا، التطرف الشعبوي القطيعي التركي، سيعزز في المقابل التطرف اليميني الأوروبي في أية انتخابات في أوروبا على خلفيات الهجرة والدين واختلاف الأعراق والمفاهيم الاجتماعية، وهو اختلاف متنامٍ على أيّ حال تزداد وتيرة تأثيراته السلبية بفعل سياسات العثمنة المشوبة بالأخونة قصيرة النظر، ما سيتسبّب بهجرات من أوروبا عكسية لأتراك أوروبيين وآسيويين إسلامويين طورانيين وغير طورانيين، تحت ضغط نعرات عنصرية ومصلحية فيجرّون على تركيا كوارث تشغيل هؤلاء وإعادة توطينهم وما قد يحملون من أمراض اجتماعية وأعباء أمنية، لا بدّ أنّ بعضهم ممّن تسرّب عبرها إلى أوروبا كذباً كسوريين لاجئين، هم حقيقة ليسوا كذلك.
سيكون هناك نوع من التواطؤ الضمني أو توافق المصالح بين اليمين العنصري الأوروبي والعثامنة الجدد، فـ اليمين الأوروبي سيستخدم الخَرَق العثماني لتعزيز مواقعه السياسية ومفاهيمه الايديولوجية العنصرية والعثامنة سيستخدمون تطرف اليمين الأوروبي لتعزيز قبضة حكمهم الإخواني التابع لواشنطن والحليف القديم لـ تل ابيب، رغم ما يبدو أنهم متصالحون مع روسيا على صعيد الملف السوري، لكن موسكو تعلم يقيناً أنّ العثامنة ليسوا على قدر الثقة لأكثر من خطوات.
وهذا التواطؤ أو التوافق، يقترب تاريخياً مع الصفقة التي عقدتها الكنيسة البابوية مع العثامنة القدامى حيث تركت لهم فرصة التمدّد في شرق أوروبا على حساب الكنيسة الشرقية، في مقابل تخليهم عن عرب الأندلس المسلمين وإنهاء وجودهم هناك.. كما يقارب موقف الغرب إلى جانب السلطنة العثمانية بمواجهة طموحات محمد علي باشا بإقامة دولة عصرية في المنطقة تمتدّ من أقصى السودان والحجاز جنوباً حتى أقاصي بلاد الشام وما بعدها شمالاً.. ولم يكن ذلك بالطبع حفاظاً على الشرعية العثمانية ولكن منعاً لقيام دولة عصرية تمتلك القرار السياسي المستقل وتحول دون تحقيق مصالح الغرب الإستعمارية في المنطقة.
لكن الموقف الأوروبي هذا لم يمنع لاحقاً من إسقاط الرجل العثماني المريض وتجريده من معظم أملاكه ومن قبل جعل أبناء محمد علي باشا مجرّد تابعين صغار..
واليوم وسواء اختلف العثماني الجديد أو اتفق مع أوروبا، فلن يسمحوا له بالتوسع في أيّ اتجاه أو الانتماء إليهم، ليس حفاظاً على أمن واستقلالية دول الجوار بما فيها سورية والعراق، ولكن سيتيحون له الغرق إلى أبعد مدى في مستنقع الحرب الإرهابية الإقليمية الدولية التي تخاض ضدّ الدول العربية والإسلامية كما حدث أن ترأست تركيا قوات الناتو 6 أشهر في أفغانستان، وكما سمحت عكس ما تدّعي أنها لم تسمح باستخدام قاعدة أنجرليك ضدّ العرا .
ويعمل الغرب الآن على استغلال طموحات عثامنة تركيا الحمقى، بتوريطهم في استعداء دول وشعوب المنطقة ضدّهم، بمن في ذلك الشعوب في تركيا ذاتها، على طريق تقسيمها، الى دويلات عرقية ومذهبية بحيث لا تتوفر دولة إسلامية قوية على حدود أوروبا الشرقية، وهذا لا يتحقق في حال كانت علاقاتها سلسة مع دول الجوار العربي والإسلامي في الجنوب إيران والعراق وسورية .
وهكذا تناول عثامنة تركيا الطعم المسموم بمنتهى العبقرية !؟ وفي ظنهم أنه سيسمح لهم بالعودة الى استعمار المنطقة العربية بالتنسيق مع مكتب الإرشاد العالمي الذي توافق مع واشنطن على تولي الحكم في عدد من البلدان العربية في مقابل حرف البوصلة عن الصراع مع العدو الصهيوني إسرائيل الى صراع عربي فارسي وسني شيعي، ومنح الإسرائيليين بذلك فرصة إقامة دولة يهودية خالصة، بقيام دول على أسس مذهبية وعرقية وطائفية في المنطقة.
ورغم أنّ روسيا منحت تركيا فرصة لا تعوّض للخروج من مأزقها بأقلّ قدر من الخسائر والتعاطي مع الواقع الإقليمي بأريحية ودون عداوات أو استخدام لقدراتها ضدّ دول الجوار والالتفات الى ما يعتورها في الداخل من مشكلات تهدّد وحدة أراضيها وبنيانها وقدراتها، إلا أنها مصرّة على التذاكي واللعب على كلّ من موسكو وواشنطن ما يفقدها عناصر الصدقية والثقة بها بمن فيهم الأصدقاء الألداء القدامى.
باختصار، إنّ أقدام عثامنة تركيا باتت تغوص في مجاهل صحراء رمال متحركة أو وحول متغيّرات سياسية وعسكرية وأمنية واجتماعية واقتصادية هي في مجملها ليست في صالحها.. ما أصرّت على مزيد من التورّط وعدم المراجعة أو العودة عن غيّها، لكن سورية والعراق وبقية الدولة التي عملت تركيا ضدّها، تمتلك من الأوراق ما يجعلها تحقق انتصارات على الأرض متتالية، كما في السياسة، بينما الأطراف المتورطة الأخرى كتركيا، تعاني من أزمات متلاحقة على كلّ الصعد، ما يغلق الباب أمام أيّ أفق أو أمل.
m.sh.jayousi hotmail.co.uk