«إسرائيل» ما قبل اليوم المئة لترامب «لا» للتضحية بالعلاقة مع روسيا
روزانا رمّال
قمة إيرانية روسية استثنائية في العاصمة الروسية موسكو على وقع المتغيّرات والتطور الدارماتيكي الأخير للأحداث الذي يستوجب بحث كلّ الاحتمالات الممكنة للمرحلة المقبلة بعد الدور «الإسرائيلي» المباشر في سورية ونموذج التحدّي الذي أرخته في قصفها، ما قالت عنه قافلة لحزب الله واقعة ضمن منطقة عمل القوات الروسية، وهو بيت القصيد.
التعاون «الإسرائيلي» – الأميركي في سورية والهامش الممنوح أميركياً لـ»إسرائيل» هو أحد أهم البنود المفترض طرحها في قمة الشيخ روحاني والرئيس بوتين بعد الغارة الأخيرة. وإذا كانت سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب غير واضحة بعد في المنطقة إلا أنها ووفق مصدر سياسي لـ»البناء» تقوم على ما يسمّى مبدأ «المياومة» أي «التعاطي مع الحدث يوماً بيوم حتى تنجلي الامور اكثر وتتوضح إمكانية أن ينفذ حلفاء واشنطن خطة التصعيد الأخيرة التي تبدو «إسرائيل» فيها رأس حربة مباشرة بعدما عمدت على إنكار الدور في سورية».
مئة يوم من عمر ولاية الرئيس الاميركي الجديد محكومة بوجوب مرورها «بسلام» وتبقّى منها ما يقارب الثلاثون يوماً منذ تاريخ التنصيب في العشرين من كانون الثاني لتكشف بعدها سياسات خارجية أشد وضوحاً من تلك التي تنتهجها واشنطن اليوم.
لا يزال الرئيس الأميركي يعيش في ظروف ضاغطة جعلت من الرأي العام الأميركي المعارض له أكثر استنفار من أي وقت مضى لاستغلال «ثغرات» في عمل الرئيس الجديد محلياً ودولياً. وعلى هذا الأساس يُحكى عن نجاح ملموس في ترويض شخصية ترامب أمام الإعلام وتحسين صورته ويعود الفضل بهذا لشخصيات تحيط به أبرزها ابنته ايفانكا ومستشاره كوشنير «صهره» اللذان أقنعاه بأهمية الهدنة مع الإعلام المستنفر للإيقاع به. وقد لوحظت خطابات أقل حدّة في الآونة الأخيرة، خصوصاً بالقضايا المحلية موضع الخلاف منذ عهد الرئيس أوباما كالملف الصحي والمعيشي وغيرهما.
دولياً، ضوء أخضر ومن دون فيتوات منحته الإدارة الأميركية لحلفائها في الشرق الأوسط، أبرزهم أولئك الذين ينفذون مشروع الإدارة السابقة في سورية الذي يقضي بتسليمها لرئيس بديل عن الأسد، على هذا الأساس يلفت بالآونة الأخيرة تصعيد غير مسبوق لـ»الإسرائيليين» والسعوديين والأتراك بما يصب في خانة إطالة أمد الحرب في سورية من جهة وتأخير دخول الاتفاق الاميركي الروسي حيّز التنفيذ. وهو الاتفاق الذي كان قد وضعه الوزيران السابقان كيري ولافروف والذي اعتبر أممياً أحد أبرز مقدّمات الحلّ الجدي في سورية.
لا موقف واضح لإدارة ترامب ولا تصريحات توحي باهتمام إدارته بالملف السوري، لكن بالمقابل تسليم كامل للملف العسكري هناك لقيادة الجيش الأميركي والاستخبارات، وهو ما ينفي الاختلاف المزعوم بين البيت الأبيض والبنتاغون في هذا العهد وما يوحي بأن ترامب يفرد مساحة واسعة للجيش لإدارة الأمور من دون التخلي عما رسم كسقف قتال «داعش».
الوقت الضائع لتثبيت حكم ترامب قد لا يتوقف عند مئة يوم كأقصى مهلة تتحكّم برسم سياسة الرئيس الأميركي الجديد لاستثنائيته، لكنها لن تطول من دون أن ترمي باشاراتها التي ستفهمها موسكو بالمباشر. الملاحظ أيضاً ان روسيا لا تطلق تصريحات عالية النبرة تجاه ترامب او الادارة الجديدة وكأنها تعطي ايضاً للرئيس الجديد مهلة التوصل الى وقت مناسب للتقدم نحوها او للعودة الى نيات التعاون التي اعلن عنها ترامب للقضاء على الإرهاب مع روسيا التي تعرف ايضا حجم الإحراج الذي تسببت فيها اخبار عن تعاون بين ترامب وبوتين منذ ما قبل الانتخابات واتصالات جرت بين مستشار الرئيس للأمن القومي السابق مايكل فلين وسفير روسيا في واشنطن، حيث كشفت حينها على أول علامات الانتكاسة بالعلاقة بين البلدين بعدما اضطر ترامب لإقالته فلين .
يلتقي روحاني بالرئيس الروسي لتأكيد أواصر العلاقة وللبحث ايضاً بأي تطور «إسرائيلي» ممكن أن ياخذ «إسرائيل» نحو استغلال المرحلة الهشة الحالية التي تضفيها حالة الضياع الموجودة في البيت الأبيض حالياً من اليوم حتى تتوضح السياسة الشرق اوسطية للادارة الجديدة تكتيكياً، لأنّ مسألة القضاء على داعش كسقف باتت محسومة استراتيجياً بالنسبة للأميركيين لكن مسألة آلية قتال داعش ليست محسومة مثلاً، فممكن قتال داعش بجبهة «النصرة» بأسمائها المتعددة اليوم كما يمكن مقاتلة داعش بالجيش السوري وحلفائه وبالشراكة مع روسيا أيضاً فأي التكتيكات هي المرجحة؟
هل يمكن أن تستغل «إسرائيل» بالمقابل المرحلة الدقيقة هذه والإرباك الأميركي وتصعّد ضد حزب الله أو إيران في قلب سورية، كما تسعى؟
تبدو «إسرائيل» متلقياً جيداً للرسائل الروسية الواضحة التي تكفّلت بدعم ردّ الجيش السوري السريع على الغارات، وكشف ركاكة القبة الحديدية واستدعاء السفير «الإسرائيلي» في موسكو، وما يعنيه ذلك من تلويح روسي خطير بتهديد العلاقة المشتركة على غرار المثال التركي – الروسي الذي عاينته «إسرائيل» وكلّف قطيعة روسية بالغة التداعيات لتركيا ويبدو ردّ وزير الاستخبارات «الإسرائيلي» يسرائيل كاتس أمس، رداً واضحاً على عدم نيات التفريط بالعلاقة «الضرورية»، قائلاً «تل أبيب لا تريد التصعيد مع دمشق، رغم تمسّكها بالخطوط الحمراء بشأن توريد أسلحة لـ»حزب الله وروسيا على علم بهذه الخطوط الحمراء».. «إسرائيل» تشيد بـ«عمل آلية إسرائيلية – روسية خاصة بتنسيق الأعمال بين الجيش «الإسرائيلي» والقوات الروسية الموجودة بسورية، والحيلولة دون وقوع حالات طارئة محتملة بينهما هناك».
كلام واضح، يؤكد مخاطر تضحية «الإسرائيليين» بهذه العلاقة «أمنياً» وعدم استعدادهم لها.