شكراً لعدم دعوتنا إلى القمة العربية
جمال محسن العفلق
الشكر واجب لجامعة الدول العربية وأمينها العام والدول الأعضاء. كيف لا نشكر منظمة عربية لم تتخذ قراراً منصفاً بحق الشعوب العربية وأكثر أعضاء الجامعة كانوا يلتفون على القرارات العربية المصيرية إذا ما اتخذت وما يفعلونه بالسرّ يجهض كلّ تلك القرارات العلنية التي بقيت حبراً على ورق، تاريخ المنظمة ليس بالصورة المشرقة وهي اليوم تحوّلت من منظمة جامعة الى أداة بيد مجموعة تسيطر على قراراتها. حتى الأمناء العامون يتمّ اختيارهم بما يتوافق مع سياسة بعض الدول العربية التي هي اليوم على الضفة الأخرى من كلّ القضايا العربية، وما تفعلة الأمانة العامة اليوم ليس الا ترجمة حرفية لمطالب أميركية و»إسرائيلية».
فقرار إبعاد الجمهورية العربية السورية هو قرار لا يقلّ أهمية عن قرارات كثيرة للجامعة العربية، فهي التي أعطت غطاء عربياً للعدوان الغربي لتدمير ليبيا ففعلت وزوّرت ملفات وحقائق لتدويل الأزمة السورية في بدايتها للتحوّل تلك الأزمة الى حرب كونية كان للمنظمة العربية دور ليس بالقليل وسوف يسجله التاريخ وكم تجاهلت الجامعة العربية مذابح بالجملة قام بها الكيان الصهيوني وكم من القرارات الجوفاء التي أطلقتها الجامعة ولم تغيّر شيئاً في واقع الصراع ضدّ العدو «الإسرائيلي».
الجامعة العربية لم تستطع اتخاذ قرار فاعل لإنقاذ شعوب عربية من المجاعة والفقر، الجامعة العربية التي قبلت ان تستقبل ما يسمّى ائتلاف الدوحة الخائن والذي ثبت انه ائتلاف يمثل الإرهاب والتطرف كيف يمكن التعامل معها وكيف يمكن الوثوق بقراراتها؟ قد يكون الوقوف على دور الجامعة العربية في قضايا العرب أمراً ليس بالسهل او البسيط، ولكن يمكن احتواء هذا الدور بكلمات بسيطة… هي جامعة معطلة لعقود ومن ثم أصبحت ميتة في السنوات الست الأخيره من تاريخنا العربي. فكيف تحوّلت هذه المنظمة من منظمة مهمتها توحيد القرارات العربية إلى منظمة تساهم في تدمير الدول العربية وتشريد شعوبها؟
لقد استطاع المال السياسي إفساد هذه المنظمة وبقوة المال أصبح الجميع يعمل وفق مصالحة الشخصية لا مصالح المنظمة كممثل للدول العربية والشعب العربي…
وبالرغم من انّ الجامعة العربية كانت قراراتها معطلة ولكن كان لهذه القرارات أثر في نفوس الشعوب العربية، فعلى الأقل كانت تسمّي الكيان الصهيوني بالعدو، وكانت تقول مجازر قطعان الصهيونية، أما اليوم فالجامعة العربية تحاول تدجين الشعوب العربية وإقناعها بنظرية انّ المقاوم يحاكَم والخائن يكرّم! وانّ الذين يرفعون شعار تحرير فلسطين سوف يتمّ تشريدهم وتدمير أوطانهم، وأن «إسرائيل» دولة وانّ حق العودة مات وانتهى وليس مطروحاً حتى للتفاوض او البحث، وانّ جرائم «إسرائيل» بحق الشعوب العربية سقطت بالتقادم، و»من حق إسرائيل حفظ أمنها ولا يجب ان نعترض طائراتها اذا ما قرّرت قصف أهداف في عمق العواصم العربية»، وأنّ دخول جنود أميركيين وأتراك الى سورية هو أمر ثانوي، وانّ وحدة العراق خطر، وانّ قيام دولة القانون في لبنان يؤثر على الأمن العالمي، وانّ حق لبنان في استخراج ثرواته النفطية من البحر مرتبط بالموافقة الأميركية والإسرائيلية، ومن يريد ان يكون عضواً في الجامعة العربية علية ان يتبع قرار المال السياسي الذي أفسد الأرض وما عليها.
وما يتمّ تسريبه اليوم عن القمة المقبلة وعن مشروع سلام جديد سوف يتمّ طرحة هو شيء مؤلم، فعلى أيّ أساس سوف يتمّ طرح مبادرة سلام جديدة؟ وهل الكيان الصهيوني يحتاج لمثل هذه المبادارات؟ بعد مضاعفة عدد المستوطنات وإعلان ترامب نيته نقل السفارة الاميركية الى القدس، فهل بعد هذا يمكن طرح كلمة سلام؟
لهذا كله نقول شكراً لعدم دعوتنا للقمة فلا نريد ان نكون شركاء في قتل الإنسان العربي ولا نريد ان نتحوّل الى أقلام توقع على وثائق كتب عليها «صنع في اسرائيل». وما تفضل به السيد أحمد أبو الغيط بأنّ مقعد سورية سيبقى شاغراً فإننا نقول له أعط المقعد لمنظمة ائتلاف الدوحة الخائن فهي منظمة تمثل فصائل الإرهاب التي تحارب الجيش السوري وتقتل شعب سورية، فلا يعنينا كثيراً إبقاء المقعد من عدمه، لأنكم في أمانة الجامعة العربية كنتم أضعف من طرح عبارة واحدة على بعض الدول العربية وقف تمويل الإرهاب ذلك الإرهاب الذي يقتل يومياً الشعوب العربية.
قد تكون هناك محاولات من دول عربية تدرك أهمية وجود سورية في الاجتماعات العربية ولكن نحن كشعوب عربية لم يعد يعنينا هذا الإجماع العربي الذي لم يكن إلا على الشعوب العربية وليس من أجلها، وقد يكون الأفضل ان تقرّر الدول الرافضة لسيطرة المال السياسي الانسحاب من المنظمة لعلّ في هذا يمكن ان تتشكل نواة عربية صادقة تكون قادرة على طرح القضايا العربية بشفافية ودون تزوير.
فالشكر للجامعة العربية لعدم دعوتنا والشكر موصول لما سمّي بـ»الربيع العربي»، فالبرغم من كلّ الآلام والأوجاع، وبالرغم من كلّ هذا الدم فقد أصبحت القضايا العربية ودور الدول العربية وحكوماتها واضحة ومكشوفة للجميع، لم يبق هناك غطاء يستر هذه العورات، ولكننا مؤمنون بأنّ الشعوب العربية قادرة على النهوض بنفسها والخروج من هذا النفق المظلم بعد ان غمرته الدماء واستشهد الآلاف على أيدي منظمات إرهابية مدعومة بالمال العربي وبغطاء سياسي دولي وعربي، فالصراع ضدّ الإرهاب أصبح صراع وجود ولن يكون لنا مفرّ من الانتصار…