الإعلام الحربي الأميركي: الحرب «الجميلة» على سورية والعراق

عامر نعيم الياس

الشهر الماضي، ومنذ بداية التدخّل العسكري الأميركي في العراق لأسباب «إنسانية»، بدأت وزارة الدفاع الأميركية بنشر مقاطع فيديو على «يوتيوب»، تُظهر مناطق تنظيم ما يسمى «داعش» المستهدفة. لكن ومع إعلان أوباما عن التحالف الدولي وتوسيع نطاق العمليات ليشمل سورية، لوحظ في وسائل التواصل الاجتماعي كما في المواقع الإلكترونية للصحافة الغربية، بثّ مقاطع يومية مصوّرة عن الغارات التي استهدفت مراكز لتنظيم «داعش» وجماعتَيْ «خراسان» و«النصرة» في أراضي الجمهورية العربية السورية. فيما بدا بعضه قريباً إلى البثّ المباشر للعمليات الحربية وبفارق زمنيّ ضئيل عن موعد استهداف المواقع المحدّدة. فما هدف وزارة الدفاع الأميركية من وراء ذلك؟ لماذا زُوّدت الطائرات الحربية الأميركية بكاميرات لتصوير عمليات القصف الجوّي؟ هل للأمر علاقة بالمخاوف من تواجد الصحافيين على الأرض السورية، أم أنّ للأمر أهدافاً أخرى؟

المؤكد أن ساحة المعركة في سورية فيها من عوامل الخطورة والتجارب الحيّة ما يساهم بشكل مباشر في انخفاض عدد الصحافيين العاملين على الأرض لتغطية الحدث، لكن هذا لم يمنع خلال السنوات الأربع الماضية الإعلام الغربي المرئي والمسموع والمقروء، من الزجّ بجيشٍ من المراسلين للفبركة ولتقديم ما يجب تقديمه للرأي العام الغربي. هنا، وعند هذه النقطة تحديداً، وفي مواجهة الإخفاقات الإعلامية الواضحة للإعلام الغربي والعربي في سورية، وفي ضوء المتغيّرات السريعة والقرارات الأسرع، كان لا بدّ من إيجاد طريقة جديدة تلفت النظر إلى الحرب في سورية، تسمح بتجاوز الإخفاقات الإعلامية التي وقع بها الإعلام المعادي لسورية من ناحية، ومن ناحية أخرى، تقدّم حرباً نظيفة للرأي العام الغربي أولاً، وللرأي العام العربي المؤيد لواشنطن ثانياً، وتساهم في شطب أيّ ضغط في المدى المنظور على الإدارة الأميركية، سواء كان إنسانياً أو سياسياً، يتعلق بنسب تحقيق أهداف الحرب الجديدة على الإرهاب.

إذاً، نحن في مواجهة مشهد إعلامي يقوم على عدد قليل من الصحافيين، وبالتالي من التقارير والمعلومات والتوصيف، مقابل كمٍّ كبيرٍ من مقاطع الفيديو المصوّرة المنتقاة بعناية فائقة والتي تبثّ لحظياً للرأي العام عبر مواقع التواصل الاجتماعي. هنا تقول صحيفة «ليبيراسيون» في مقال لمراسلتها في واشنطن: «الحرب الجديدة في العراق وسورية هي بالتأكيد نموذج البنتاغون للتواصل: عدد قليل جداً من الصحافيين على الأرض بسببب المخاوف الأمنية الغربية، لكن كاميرات الجيش والنشر عبر الإنترنت تبثّ شعوراً بالشفافية الكاملة للحرب». هذه الشفافية ناتجة من البث اليومي والمتعدّد والمتنوّع لمقاطع الفيديو المختلفة المختارة بدقة والتي لا تظهر أيّ أثر للدماء أو استهداف للمدنيين، فقط يتم استهداف كتل إسمنتية كأهداف مفترضة ومراكز للمجموعات المسلّحة. وتنقل «ليبيراسيون» عن سكوت ألتوس وهو أستاذ في جامعة إيلينوي قوله: «لقد أصبحت مقاطع الفيديو هذه مألوفة بالنسبة إلى تغطية الحملات العسكرية الأميركية، وهي لا تثير أيّ جدل داخل الولايات المتحدة، فقد بُثّت فيديووات مماثلة من قبل القيادة المركزية الأميركية أثناء اجتياح أفغانستان».

العامل الإنساني ليس وحده الهام في المعادلة الأميركية الإعلامية لإعلام حرب البنتاغون، بل يتعدّاه إلى الجانب «الجمالي» و«الاحترافي» الذي يطبع المقاطع المصوّرة والتي تظهر صورة واضحة لأهداف تبدو برّاقة من الجوّ، وهو أمر قد يثير إعجاب البعض على اعتبار أن الصورة جميلة، إذ تختم «ليبيراسيون» بالقول: «إن أشرطة الفيديو في العراق وسورية والتي أرسلت من قبل القيادة المركزية الأميركية على موقع «يوتيوب»، تُظهر التعليقات الواردة فيها حماسةً ملحوظةً للصورة، أحدهم قال تعليقاً على قصف أميركي في العراق لأحد مواقع الدولة الإسلامية: ما هذا الجمال!، إعجاباً منه بتصميم الموقع المستهدف».

هو الإعلام الحربي للبنتاغون يطلّ بحرب «شفّافة ونظيفة» على سورية والعراق، فيما أوباما يتحدّث عن صراع الخير والشر، وحروب الديمقراطيين الجدد تستقي شرعيتها من الحرب على البرابرة الذين يعيشون خارج إطار المجتمع الإنساني والشرعية الدولية. هو تكامل الصورة والفكر والقوة، فيما مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام المرئي في دولنا مشغولة بالتسابق على بثّ صور القصف «الجميل».

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى