يوم الأرض بوصلة النضال
عباس الجمعة
في ذكرى يوم الأرض في الثلاثين من آذار، يزداد الإنسان الفلسطيني ثباتاً وتمسكاً بأرضه وبحقوقه الوطنية في الحرية والاستقلال، ومع الأرض تقوى الإرادة الفلسطينية على المواجهة وتحدي الحصار الصهيوني المفروض بالقوة العسكرية، والمفروض بوسائل القتل والتدمير والاغتيال والاعتقال الجماعي وبمشاركة الجرافات التي تقتلع الأشجار المباركة وتجرف الأراضي وتصادر المياه، إنه الحصار المفروض بإقامة جدار الفصل العنصري الذي يلتهم المزيد من الأراضي في الضفة الفلسطينية والقدس وغور الأردن ومحيط غزة والنقب، وكلّ الأراضي الفلسطينية التي يصادرها الاحتلال لتوسيع مستوطناته.
كثيرة هي المعاني التي تجسّدها مناسبة يوم الأرض فهي تؤكد على وجود رباط روحي وثيق بين الإنسان الفلسطيني وأرضه، وفي يوم الأرض استطاع الشعب الفلسطيني تجسيد صورة بطولية في تمسكه بأرضه، فكانت التضحية عنواناً له عبر الثورات المتعاقبة والانتفاضات، واستطاع الشعب الفلسطيني وطلائعه المقاومة أن يجسّد أروع ملاحم الوحدة الوطنية والردّ المنتفض على الاستيطان والتهويد.
لقد أصبح من بديهيات الأمور القول إنّ كلّ يوم هو بمثابة يوم الأرض للشعب الفلسطيني، ويوم الثلاثين من آذار له دلالته الرمزية في الاحتجاج، يوم انتفض فلسطينيو الجليل في المناطق المحتلة عام 48 احتجاجاً على مصادرة الكيان الصهيوني للأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات حتى أضحت مناسبة يوم الأرض معمّمة على الشعب الفلسطيني داخل فلسطين المحتلة وخارجها.
ففي مرحلة كالتي نعيش تزداد فيها المخاطر والأطماع الصهيونية في التهام ومصادرة المزيد من الأراضي، فالسياسة الصهيونية التي قامت على التوسع والاستيطان والاحتلال، لن تتوقف حتى بوجود ما يسمّى اتفاقيات، بل أثبتت التجربة أنّ حجم الأراضي المصادرة في ظلّ اتفاقيات اوسلو أكثر بكثير مما سبق، وأنّ الجريمة الصهيونية الكبرى التي تتجسّد في الاغتيالات والاعتقالات على مرأى ومسمع العالم أجمع، إلا أنّ دولة الاحتلال تعمل على ضمّ المزيد من الأراضي وهذا يعتبر بمثابة رسم لحدود الدولة الصهيونية، وتمرير مخطط تقطيع الأوصال بين مناطق الضفة ومدنها وخلق معازل شبيهة بنظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا، وحتى لا تكون هناك أية مقومات لدولة فلسطينية منشودة.
انّ مفهوم استعادة الأرض الفلسطينية المغتصبة هو المطلب الملحّ لدى الفلسطينيين مع هدف الحرية والاستقلال وإقامة الدولة كاملة السيادة وعاصمتها القدس وتحقيق العودة وتفكيك المستوطنات وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين في السجون الصهيونية.
وهنا لا بدّ من التأكيد على العمق القومي للقضية الفلسطينية، وهي مناسبة لدعوة القوى والأحزاب العربية والديمقراطية لمزيد من التضامن مع الشعب الفلسطيني، وأخذ دورها ومكانتها على خارطة الصراع للضغط على الأنظمة من أجل أن تكون بحجم المسؤوليات التاريخية.
إنّ الحصار الصهيوني المفروض على الأراضي الفلسطينية المحتلة وعلى الشعب الفلسطيني في الضفة وقطاع غزة ومناطق 48 إنما يحمل في طياته انفجار أزمة جديدة في وجه الكيان الصهيوني، فشعبنا الصامد على أرضه لن يقبل بهذه السياسة وسيقاومها، عبر تجديد الانتفاضة واستمرارها.
إنّ النضال الفلسطيني هو جزء من النضال العالمي ضدّ العولمة والعنصرية، وهنا نجدّد الدعوة للشعوب والأحزاب والحركات العالمية الصديقة للمزيد من تفعيل صورة التضامن مع الشعب الفلسطيني، وإرسال لجان التضامن إلى داخل الأراضي المحتلة لفضح وتعرية السياسة الصهيونية العنصرية في ما تقيمه من معازل وسجون كبيرة وما تفرضه من حصار.
ومن هذا الموقع وأمام يوم الأرض تنعقد القمة العربية في عمّان، ونحن نتطلع ان لا تكون كما القمم السابقة التي فشلت فشلاً ذريعاً في تجنّب الانعكاسات السلبية للغاية للخلافات والتباينات والتناقضات الحادّة بين بعض البلدان العربية على مسيرة الجامعة، وعلى مسار العمل العربي المشترك، بل أضافت الى هذا الفشل عجزاً في تجنيب العالم العربي عدداً من الأزمات الحادّة التي تطوّرت بين بعض بلدانه الى نزاعات مسلّحة، لا زالت المنطقة بأسرها وستبقى تعاني من نتائجها وتداعياتها لأمد ليس قصيراً، ولا زالت الجامعة تتخذ موقفاً ملتبساً من ظاهرة الإرهاب وجماعاته ومنظماته التي تستهدف عدداً من الدول العربية الأعضاء في الجامعة، بينما نرى العديد من الدول العربية المتنفذة في العالم العربي تطبّع علاقاتها مع الكيان الاسرائيلي العنصري.
وفي يوم الأرض نؤكد بأنّ الشعب الفلسطيني يعبّر عن تمسكه بحقوقه غير المنقوصة، وتتجدّد الدعوة في تصعيد المقاومة ضدّ الاحتلال، وتحشيد أوسع جبهة تضامن شعبي عربي وعالمي مع كفاح الشعب الفلسطيني.
خناماً… كلّ التحية إلى جماهير شعبنا الصامد في المناطق المحتلة عام 48 وإلى شبعنا الصامد الصابر في مدن وقرى ومخيمات الضفة والقدس وقطاع غزة، والتحية إلى شعبنا الفلسطيني في أماكن الشتات، تحية إلى الأسرى والمعتقلين الصامدين الصابرين في السجون الصهيونية، تحية إلى عائلات الشهداء.. شهداء المقاومة والانتفاضة، ونقول انّ الشعب الفلسطيني الذي يتطلع إلى فجر الحرية والاستقلال يتطلب مزيداً من الصبر والثبات والصمود، مزيداً من العمل والنضال والوحدة الوطنية، فقضيتنا عادلة وستنتصر مهما طال الزمان ومهما عظمت التضحيات.