العرب نسوا «الأسد» أو كادوا
روزانا رمّال
الحدث الجلل في اجتماع قادة وملوك ورؤساء عرب سنوياً والزخم الإعلامي المتمترس خلف صورة جامعة لا يختلف اثنان على اجتماع كل عناصر الفرقة بدلاً من «اللقيا» لم يُحِط بصورة اجتماع القمة في البحر الميت، كل شيء كان مختلفاً حتى البيان الختامي الذي أوحى وكأنه يدخل من مرحلة الى مرحلة، لا تصعيد في الخطابات، الكلمات قصيرة نسبياً لا مطالب ولا حلول ولا آفاق، لكن الأهم لا مكان «للأسد»، وهذه المرّة بين سطور الكلمات المعدّة مسبقاً للقمة وبيانها الختامي.
لا دعوات لرحيل الأسد ولا لإسقاطه وراعية الحفل «القمة» السيدة فريديريكا موغريني وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي الحريصة على إنجاح مؤتمر بروكسيل للمانحين الذي يُعقد بعد أيام من القمة العربية وإدخال سورية من مرحلة «الدمار» الى مرحلة «الإعمار». وهو الأمر الذي صرّحت به على محطة العربية السعودية وهو موقف لا يخرج عن الخطة الأميركية الموضوعة التي تبدو أنها غيّرت شكل الاشتباك وأسلوب حماية مصالحها في سورية والمنطقة بالآونة الأخيرة مع إعادة النظر بالعلاقة مع روسيا.
حضرت موغريني وألقت خطاباً يستهدف مباشرة الأزمة السورية التي تحرص على عدم اللجوء الى التصعيد، بما يخص العملية السياسية فيها واستبدال دعوات القتال للتهدئة موحية في سلسلة مواقف أخيرة لها، أن الأزمة السورية دخلت مراحلها الاخيرة بطريقة او بأخرى، فكيف يمكن الحديث مثلاً عن إعادة إعمار اذا كان هناك تمديد «مختبئ» لجولات الحرب او نيات العودة بها الى الوراء، خصوصاً أن المساعي الأوروبية الحثيثة للتعاون في شأن مكافحة الإرهاب مع سورية على قدم وساق منذ ما يقارب السنتين، حيث توجّه أكثر من مسؤول أمني أوروبي رفيع المستوى الى دمشق للتنسيق مع الأسد في وقت تبدو الشركات الطامحة للدخول في سوق المقايضات والمناقصات لإعادة إعمار سورية شركات أوروبية ترغب في حجز دور قادر أن ينعش الاقتصاد والركود الذي يجتاح أوروبا في وقت تهيئ بريطانيا وتعدّ عدتها للخروج من الاتحاد بأقل كلفة ممكنة.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان حاضراً في القمة أيضاً التي يبدو أنه تقصّد إرسال رسالة دعم لها أحاطت المجتمعين بهالة الحضور الروسي بالمنطقة، وذكرتهم بنوع جديد من تقسيمات النفوذ والمصالح فيها، خصوصاً أن كلمة بوتين المكتوبة شدّدت على الحل السياسي لسورية. وهو الاهتمام الجديد الذي يبدو أن العرب قد بدأوا يتأقلمون معه وينتظرون نهاية طريق الحل وما ستؤول إليه الحصص وما سيكون لروسيا من نفوذ سياسي ينعكس تماسك لحلفائها.
بيان قمة الأردن شدّد على الحل السياسي في سورية، ولم يذكر مراحل انتقالية بل «الانتقال إلى واقع سياسي»، بدلاً عنها ولم يذكر أبو الغيظ أمين عام الجامعة العربية لدى تلاوته البيان الختامي مسألة رحيل الأسد، ولم يأتِ ذلك في سطور كلمات الملوك والأمراء مجتمعين كما جرت العادة في قمم سابقة، خصوصاً كلمة الملك السعودي التي لم يتطرّق فيها لاصطفافات الأزمة السورية وهذا أمر لافت ربما يكون جيداً!
البحث عن «الأسد» في قمة الاردن كان مفاجئة لأولئك الذين توقعوا المزيد من الضغط العربي في فرصة، من هذا النوع، خصوصاً الجماعات الإرهابية المسلحة التي أصيبت أكثر من مرة في مقتل تخلّي القوى الداعمة عنها وشرذمة كتائبها حتى بدأ التقاتل في ما بينهم على الأرض السورية.
نسي العرب أو كادوا أنهم شنوا حرباً من أجل التخلص من الرئيس السوري بشار الأسد وأن المنطقة ملتهبة والنيران تحيط الممالك من كل حدب وصوب، وزادت الخارجية الأميركية في موقف لافت الطين بلة بمطالبتها رعاياها عدم السفر للسعودية، لأن مخاطر الإرهاب مرتفعة.
تعليمة أميركية واضحة تداخلت مع سطور الرسالة الروسية التخلص من الاسد لم يعد مطلباً ممكناً، من الأفضل أن تتناسوه في مثل هذه الظروف ومسألة الإرهاب قد تطال الجميع، وها هي السعودية تُصاب بسهام الخارجية الأميركية بشكل مفاجئ.
ليأتي تأكيد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن هناك إمكانية لإعادة إحياء التعاون مع الولايات المتحدة الأميركية بشأن سورية وتنمية التعاون بشكل واسع بقدر استعداد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لذلك قاصداً الاطمئنان من الموقف الأميركي تجاه «النصرة» على وقع القمة العربية أيضاً دليل إضافي على عزم روسي أميركي على متابعة ما تمّ التوقف عنده بين بنود كيري ولافروف.
موقف الكويت بلسان أميرها جابر الأحمد الصباح التي تعتبر صلة الوصل الخليجية الإيرانية تؤكد على المزيد من الأسباب التي تتطلب «تناسي» الأسد. وهو الذي سبق واستقبل على بعد شهر من القمة العربية الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني في زيارة رسمية أوحت بتلطيف أجواء «ملحوظ» يلوح بالأفق بين إيران والدول الخليجية الذي شدّد على الأساس احترام سيادة الدول الخليجية «متطلّعين» إلى استمرار الحوار بين دول المنطقة وبين إيران، كما عبّر.
غابت المواقف التصعيدية غير التقليدية أو المتوقعة من إيران. سقف الخطابات كان متوقعاً ولا مفاجآت. لا عقوبات ولا دعوات للمقاطعة، انكفاء ملموس وخطابات تشير إلى أن محاولة الدول الخليجية إقناع الأميركيين بشنّ حرب على إيران أو نسف التفاهم النووي قد باء بالفشل.
غضّ العرب الطرف عن ذكر «الأسد» ليُغضّ الطرف عن خيبتهم.