الواقع الخطير للحرب على إيران…
ترجمة ليلى زيدان عبد الخالق
كتبت شارمين نارواني لـ The American Conservative
سلسلة من الهجمات الإرهابية ضربت دمشق، في دلالةٍ على حالة اليأس التي أصابت الإرهابيين بعد خسارتهم أراضٍ عدّة في سورية، العراق، وغيرها من الأماكن. لكن ما يكمن خلف هذه الميليشيات الإرهابية دولٌ يائسة أُحبطت طموحاتها الجيوسياسية ايضاً، والتي لطالما كان النفط هدفها الرئيسي، لذا، حذارِ أن يتبادر الى ذهننا للحظة أنّ إيران تجلس بعيداً من هذه الأخطار المحدقة.
وفيما تستعر التوترات في المنطقة، فإنّ آفاق المواجهة «العرضية» بين الولايات المتحدة وإيران تتزايد، ولا سيما داخل «الممرّات المائية» الكثيرة، التي تبحر سفنها في عبابها يومياً. ويبدو أنّ الأميركيين غير مستعدّين لتحمّل العواقب. يحرّك الجيش الأميركي ألعابه غير المتكافئة للتغلّب على إيران، لذلك من المرجح أن تقترب واشنطن من «حادث» الممرّات المائية الممزوج بكوكتيل سامّ من الجهل والغطرسة، وهو ما سيطلق شرارة الحرب الحقيقية، مع العواقب الكثيرة غير المحمودة وغير المقصودة على العالم أجمع.
هنا، في الشرق الأوسط، حيث يتمّ التدقيق في جميع التفاصيل الصغيرة منها والكبيرة الصادرة عن واشنطن، فإنّ الأطراف المعنيّة لا تتوقف عن التكهّن حول ظروف مواجهة الولايات المتحدة المحتملة مع إيران. وبعد مرور شهور قليلة على ولايته، فإنّ سياسة ترامب لا تزال تشكل لغزاً. فهو وعد بالإبقاء على «جميع الخيارات» على الطاولة مع إيران مفتوحة لكن سيفعل ذلك حقاً؟
هناك إشارة حقيقية الى بعض الإجراءات المبكرة التي تؤكد على اتجاهات سياسة ترامب والقيود المحكومة بها في الشرق الأوسط. تشارك القوات الأميركية حالياً في ثلاثة مسارح عسكرية رئيسية، وتشهد تحوّلات في بعض الزوايا الهامة:
ـ في الشمال السوري، تخلّى الأكراد حلفاء أميركا طوعاً عن الأراضي الى الجيش السوري والقوات الروسية بهدف تجنّب مواجهة مباشرة مع حلفاء الولايات المتحدة وعضو حلف الناتو، تركيا. رفضت واشنطن أيّ دور لتركيا في تحرير الرقة، مع العلم أنّ أنقرة لن تتسامح مع أيّ احتمال لوقوع الأراضي الخاضعة لسيطرة داعش في أيدي الأكراد. ومن المرجح أن تتجلى الصيغة الرابحة في التنازل الودّيّ للمدينة والمناطق المحيطة للحكومة السورية، تحت المظلّة الروسية.
ـ أما في الشمال العراقي، فقد تصاعد القتال لاستعادة الموصل، حيث قامت القوات العراقية بتحرير نصف غربي الموصل، خلال عشرين يوماً فقط. يتألف معظم هؤلاء المقاتلين من الميليشيات الشيعية التي تلقّت تدريبها وتسليحها من القوات الإيرانية، وهي خاضعة لسلطة الحكومة في بغداد.
ـ وفي اليمن، حيث تحذّر العناوين الغربية المزعجة من الخلل العسكري الأميركي، تفتقر الوسائل الإعلامية الى بعض الاعتبارات الأكثر عمقاً. ليس الهجوم الأميركي في الواقع افتراضياً، كما كان الأمر مع إرهابيّي القاعدة، والعمل جنباً الى جنب مع القوات الإماراتية لاستهداف الميليشيات الإسلامية التي يدرك الجميع أنها بحكم الأمر الواقع، حليفة السعودية في أرض المعركة. ومنذ أسابيع قليلة فقط، طالبت الإمارات العربية المتحدة المملكة السعودية بتخلي هذه الأخيرة عن دعم رئاسة عبد ربه منصور هادي، الذي يعتبر رأس السلطة التشريعية في اليمن، والمدعوم من التحالف السعودي الذي كان يقاتل من أجل الإبقاء عليه.
وفي غضون أسابيع قليلة، استلّ ترامب سيفاً في المناطق الساخنة في الشرق الأوسط على غرار أوباما، سواء من خلال اتخاذ الإجراءات المباشرة أو إعاقة إتمام المهمات. وما يجدر ملاحظته من بين جميع هذه التطورات، هو خدمة مصالح إيران في المنطقة والتقليل من شأن حلفاء الولايات المتحدة وتركيا والسعودية.
لكن، لا يجوز أن تخدعنا خزعبلات ترامب الاستعراضية. إذ يمتلك من الطموحات ما هو أكبر وأكثر غموضاً، وما هذه الحركات الأخيرة غير الضرورية سوى وسيلة لإبعاد إيران عن مجال بصره.
ستبقى إيران وحلفاؤها ومنتقدوها جزءاً من لعبة ترامب الجيوسياسية الأوسع. سيكون باستطاعته استخدامهم لتوريط أو معاقبة أهداف أكثر حيوية مثل روسيا والصين، القوتين الرئيسيتين اللتين تتمتعان بعلاقات متميّزة مع طهران. وستكون إيران أداةً أكثر نفعاً لإثارة أو حتى حشد حلفاء الولايات المتحدة التقليديين كـ «إسرائيل»، تركيا، وغيرها من الممالك العربية لتوريطها في بعض المواقف التي يطرب لها ترامب.
وبالفعل، فقد تمّ توظيف العديد من المواقف الأميركية المهدّدة أهدافها النهائية لا تزال غير معروفة مع إيران في مركزها. وثمة بعض الهمسات من «الناتو العربي» بقيادة التحالف السعودي، والذي قد تشترك فيه مع «إسرائيل» لاستهداف إيران. وكلّ الدعوات الموجهة الى دمشق وموسكو والداعية الى طرد الإيرانيين من سورية، قد أطلقتها مختلف عواصم دول الشرق الأوسط وكذلك الغربية.
الممرّات المائية: مواجهة «عرَضية»
على الرغم من الخطابات الإيرانية، إلا أنه من غير المرجح أن يُطلق ترامب أيّ هجمات عسكرية ضدّ إيران. فهو الرئيس الذي أعرب عن ازدرائه واستيائه للتريليونات الستة التي أُهدرت على الحروب والتدخلات الأميركية في الشرق الأوسط. فالمواجهات المحتملة في المنطقة سوف تكون باهظة الكلفة على الولايات المتحدة، وقد تدفعه الى صدامات مع القوى الكبرى، التي يفضل عقد صفقات تجارية مفيدة معها وليس عداءات عسكرية.
وعلى الرغم من ذلك، فهو يصرّ على الإبقاء على «جميع الخيارات» معروضة على الطاولة أمام إيران، تبدو خيارات ترامب في الواقع محدودة جداً. ففرض العقوبات لم ينجح، كما أنّ الاتفاق النووي كفل عدم مشاركة الجهات الفاعلة العالمية الأخرى في المستقبل، وتراجعت تهديداته في كسر قيود الاتفاق النووي، بعد ضغط الحلفاء عليه، والذي بدا أنه سيعزل الولايات المتحدة، وليس إيران. وقد أثبتت الأنشطة التخريبية مثل مؤامرات الثورة الملوّنة والدعاية والحرب الإلكترونية، أنها غير مجدية على الإطلاق، نظراً ليقظة إيران التاريخية على حدودها الداخلية والخارجية. فالحرب التقليدية تتطلّب جهوداً استفزازية كثيرة من قبل إيران، التي لن تحبّذ فكرة معاقبة مجلس الأمن الدولي لها.
لكن، هناك مسرحاً واحداً يمكن للولايات المتحدة أن تشعل فيه الجبهة مع إيران بسهولة فائقة: الممرّات المائية المتعدّدة في جميع أنحاء الجمهورية الإسلامية ومحيطها.
فكلا البلدين يمتلكان العديد من السفن البحرية والتجارية والتي تبحر متقاربة في المسافة بشكل يوميّ تقريباً. التوترات دوماً متوافرة، الخطابات تبقى ملتهبة، وأعداء إيران المنتشرين في الخليج الفارسي وواشنطن، مستعدّون في كلّ حين لإشعال فتيل الوقود التأهّب للاشتعال.
وكان وزير الدفاع جيمس ماتيس، وهو أحد الصقور الأميركية الملتزمة العدائية لإيران، قد حاول القيام بذلك منذ أسابيع عديدة، عندما سمح للقوات الأميركية بمراقبة إحدى السفن الإيرانية في مياه بحر العرب الدولية، وذلك وفقاً لما ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز». لكن صحيفة «Intercept» عنونت معلّقةً على هذه الحادثة: إنّ وزير دفاع ترامب «المعتدل» كاد يورّطنا في حرب حقيقية».
في الواقع، فإنّ الحرب هي خيار متوفر إذا ما حاولت الولايات المتحدة القيام بأيّ خطوة عدائية. فإيران ليست جمهورية الموز. بل هي تلك الدولة التي تحمّلت عبء الحرب مع العراق طيلة ثماني سنوات، تلك الحرب التي شجّعت اندلاعها وموّلتها وسلّحتها القوى العظمى في المنطقة والعالم. وأثبتت الجمهورية الإسلامية أنها تعرّضت الى خداع واضح وفاضح، وعلى الرغم من ذلك، استمرّت في تجميع القدرات التقليدية وغير المتماثلة بهدف ردع الهجمات المحتملة في المستقبل.
وعندما وجد ترامب أنّ الفرصة مؤاتيةً لفرض عقوبات جديدة على إيران بعد اختبار الأخيرة للصورايخ البالستية في 29 كانون الثاني الفائت، تأكد الإيرانيون من أنّ إطلاق النار في المقابل سوف يبدأ في اليوم الذي سيلي إعلان فرض هذه العقوبات. وتستمرّ الردود الإيرانية مذكرةً، بأنّ أيّ مواجهة عسكرية مع إيران ليس من الممكن التنبّؤ بنتائجها. وتحرص الجمهورية الإسلامية على تذكيرنا بقدراتها العلنية والمخفية من خلال اختبارات صاروخية عامة منتظمة ومظاهرات دفاع جويّ متقدّمة وتمارين الألعاب الحربية، كمثل تدريبات الطائرة الإيرانية الضخمة Velayat 95 التي اختتمت لتوّها في مضيق هرمز وبحر عُمان والمحيط الهندي.
ومع تزايد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، وعدد الخلجان، والمضائق، والبحار والمحيطات التي تعمل فيها حالياً سفن الدولتين التجارية. ويصرّ البنتاغون على وجوده البحري في العديد من الممرات المائية في غرب آسيا يعدّ أمراً حيوياً لإحباط الإرهاب والقرصنة. ولكن هذا هو الفناء الخلفي الإيراني، والجمهورية الإسلامية تحتاج الى مبرّر ضئيل لضبط المجاري المائية الإقليمية ضدّ هذه الأنواع من التهديدات نفسها وحماية حدودها الإقليمية والبحرية.
وخلال زيارة الى طهران في تشرين الثاني، سألتُ الدكتور سعد الله زاري، مدير مركز الأبحاث في معهد أنديشه سازان نور، عن هذا الأمر، فقال: «لقنتنا العقوبات الأميركية درساً مسبقاً في سلوكيات المجاري البحرية». إنّ الوجود البحري الأميركي في المياه المجاورة لإيران، يمنحنا الحق في أن نكون نشطين في الخليج الفارسي وخليج عدن والمياه الأخرى». وكنتيجة لذلك، يوضح زاري، «نحن الآن وسط خليج البنغال والمحيط الهندي».
هل يشعر زاري بالقلق حيال الدولة العدائية التي تشتهر بقوتها العسكرية الواسعة داخل المسافة المتاحة؟ يبتسم ويشرح بهدوء: «عندما تتواجد الولايات المتحدة، فإنّ تركيز إيران وتصرفاتها يبدو أفضل حالاً. ونحن مستفيدون من هذا الوضع، الذي يجمعنا معاً، ويخلق الدعم لقواتنا الأمنية ولجيشنا وحدودنا».
وفي الجانب الآخر من السياج، تواصل واشنطن تغذية هذا الانضباط والتماسك الإيرانيين من خلال رفع نسبة «الحوادث» في الممرات المائية المرتبطة الى حدّ كبير بإيران ومنها بواسطة التواصل المهووسة بأفعال إيران.
وقد عمل مراسل التحقيق غاريث بورتر على تفكيك الحقيقة من الخيال حيال الاتهامات الأميركية التي تشير الى شحن إيران للأسلحة الى المتمرّدين الحوثيين في اليمن عبر بعض البوابات المائية. وباختصار، فقد أظهر بورتر كذب ادّعاءات البنتاغون. وبسبب كابلات «ويكيليكس» المسرّبة من وزارة الخارجية الأميركية عام 2010، ندرك الآن أقلّه داخل المجالس المغلقة التشكيك في التهم العامة الموجهة الى المسؤولين.
حرب الممرّات المائية لا يمكن التنبّؤ بها
في كانون الثاني 2016، دخل قاربان تابعان للقوات البحرية الأميركية المياه الإقليمية الإيرانية، ومن غير الواضح ما إذا كان ذلك قد حصل عن قصد أو عن غير قصد، وقبض الحرس الثوري الإيراني على هذين القاربين. راقب الأميركيون الحدث عبر محطات التلفزيون الإيرانية، صور بحارتهم العشرة جاثمين على ركابهم وأيديهم خلف رؤوسهم. واتبعت الجمهورية الإسلامية اللوائح البحرية والقانون الدولي في أفعالها، وأطلقت سراح الضباط بعد ذلك بوقت قصير.
وعلى مدى عقود، شنّ البنتاغون حروباً وهمية على إيران لاختبار قدراتها وصقل طريقة ردودها. غير أنّ أحد معارفه الذين شاركوا في هذه التدريبات، أخبرني السنة الماضية أنّ «الجيش الأميركي نادراً ما تمكن من إلحاق الهزيمة بإيران في ألعاب حرب غير متكافئة، ما لم تغش أو تتلاعب بها».
صُدمت، وقد طُلب مني أن أتعمّق في اكتشاف «تحدي الألفية»، وهي لعبة حرب القوات المسلّحة الأميركية في الخليج الفارسي بين الولايات المتحدة الفريق الأزرق وخصمها اللدود في الشرق الأوسط الفريق الأحمر ، والذي هو إيران.
وبدلاً من التعلّم من هذا التمرين، فإنّ الجيش الأميركي يبدو أكثر اهتماماً بتأكيد العقيدة القائمة بالحفاظ على واجهة لا تُقهر. إنها مواقف خطيرة في سيناريوات القتال الواقعية، والتي قد تقود الى سوء الحكم على القدرات وإحباط التقدّم. وتدرك إيران كلّ ذلك جيداً.
لكن، لمَ نر القوات الأميركية المسلّحة في الخليج الفارسي؟ يجري روجر ستيرن من جامعة برينستون حسابات بين عامي 1976 و 2010، وتبيّن أنّ واشنطن قد أنفقت 8 مليارات تريليون دولار لحماية تدفق النفط في الخليج. واعتباراً من العام 2010، تلقت الولايات المتحدة 10 فقط من تلك الشحنات النفطية. وكانت اليابان أكبر الدول المتلقية 20 ، تليها الصين والهند وكوريا الجنوبية.
على ترامب أن يتخذ عبرةً من التالي: إذا كان الهدف الحقيقي من وراء وجود الولايات المتحدة في الخليج هو النفط، فيمكن لواشنطن أن تحقق ذلك بجزء بسيط من التكلفة عن طريق بناء خطوط أنابيب لتجاوز هذا الممرّ المائي.
وعلى البدل من ذلك، تجاوزت البعثة السياسية الأميركية في الخليج الفارسي، حدودها، ما أدّى الى تجنيد عدد قليل من الرؤساء الأميركيين في السياسة. ومن بين الدول الساحلية الثمانية للخليج، تمتلك إيران أطول ممرّ مائيّ، أيّ ما يقرب من ضعف طول جيرانها السبعة الآخرين مجتمعةً.
وبينما يواصل الصقور في واشنطن الإصرار على أنّ إيران لا يمكنها تحدّي السيطرة الأميركية في الخليج، عليهم أولاً التفكير بالعواقب المحتملة لحرب أخرى يمكن تجنّبها، قبل أن تلحق بها كارثة مميتة.