الوثيقة… والسلطة البديلة
معن حمية
الوثيقة السياسية الجديدة لحركة حماس، لا شك في أنها تقيّد مسار الحركة على الصعد كافة. وما هو واضح، أنّ الوثيقة تنطوي على عناوين ومضامين متضادّة، وتجازف بالمزاوجة غير الواقعية بين كون «حماس» حركة مقاومة تتبنى ثوابت الحق الكامل، وبين كونها نواة سلطة فلسطينية بديلة!
والسؤال ما الذي يدفع حركة «حماس» إلى القبول بأن تكون الجهة الاحتياطية لممارسة الوظائف ذاتها التي مارستها السلطة الفلسطينية، وكانت محلّ إدانة واستنكار من الفلسطينيين، بمن فيهم عناصر «حماس» وجمهورها؟
اليوم، كيف يبرّر قادة حركة «حماس» القبول بدولة فلسطينية على أراضي 1967، وعلى أقلّ من عشرين في المئة من مساحة فلسطين؟
هذا القبول ليس إجراءً مرحلياً، ولا هو تكتيك في السياسة، بل سقطة كبيرة في فخ تصفية المسألة الفلسطينية. هو قبول بحلّ الدولتين، أي بمثابة اعتراف غير معلن بالدولة اليهودية على 83 في المئة من مساحة فلسطين المحتلة، ودولة فلسطينية ضعيفة هشة وغير متحدة.
القضايا المصيرية الكبرى، لا تقارب بالمرحلية التي تحمل في طياتها تحوّلاً في النهج والمفاهيم والسلوك، فهذا تفريط بالحق ويمسّ الجوهر والثوابت والمرتكزات.
حركة «حماس» بوصفها حركة مقاومة، وأيّ فصيل فلسطيني آخر، ليسا مضطرين إطلاقاً للإعلان بأنهما ليسا ضدّ اليهود. هذا لزوم ما لا يلزم، فمن يحتلّ فلسطين هو العدو اليهودي الذي يعلن للملأ عن مشروعه بإقامة دولة يهودية على أرض فلسطين، ويدعو العالم كله إلى الاعتراف بيهودية الدولة.
الفلسطينيون في حالة حرب ضدّ الاحتلال اليهودي الاستيطاني الاستعماري. فاليهود احتلوا فلسطين، وعاثوا قتلاً بالفلسطينيين وشرّدوهم من أرضهم وبيوتهم، وارتكبوا بحقهم أفظع المجازر الإجرامية الإرهابية، وهم يواصلون سياسات التهويد والاستيطان على مرأى العالم ومسمعه.
ماذا يهمّ «حماس» وغير «حماس» إن تمّ اتهامهم بمعاداة السامية، فهل اتهام كهذا يبطل دورهم كمقاومة؟
معاداة السامية، ورقة تستخدمها «إسرائيل» ضدّ من يناصر المسألة الفلسطينية، ونادراً ما استخدمتها ضدّ الفلسطينيين. لذلك ما الحاجة وما المصلحة من عناوين سياسية قد ترسم مساراً للتحوّلات في النهج. لا سيما أنّ إسقاط العداء لليهود من دون سبب، هو قبول بدولة يهودية على أرض فلسطين.
إنّ توقيت إعلان الوثيقة بالعناوين الإشكالية، وبعد قمة البحر الميت العربية مباشرة، يمثل تحدياً كبيراً يتهدد المسألة الفلسطينية، عدا عن كونه يطرح أسئلة كثيرة، فهل كلام القمة عن فلسطين كان مقدمة لوثيقة حماس، أم أنّ وثيقة حماس جزء من نمط تفكير عام دولي وإقليمي وعربي جرى تظهيره في قمة البحر الميت؟
لا شك في أنّ القيادة السياسية لحماس ستواجه صعوبات كبيرة في وضع العناوين الإشكالية التنازلية موضع التطبيق العملي، خصوصاً أنّ الأرض الفلسطينية مشدودة الى فكرة المقاومة بالكامل، وغير معنية بعناوين إحباطية كهذه تتعارض مع فكرة المقاومة، وتشكل تخلياً عن الثوابت وعن حق العودة الكاملة وتحرير فلسطين، كل فلسطين.
الوثيقة، بما اشتملت من عناوين، لن تمنح «حماس» عناصر قوة إضافية، بل تمنحها فرصة العبور الى منصّات المفاوضات والتسويات، فتتحرّر من مواقفها الرافضة لأوسلو وملحقاته، وتتحوّل سلطة بديلة لا أكثر ولا أقلّ…
عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي