مبادرة بريطانية – سعودية ـ أردنية؟
روزانا رمّال
لم تنتظر رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي أكثر كي تتحرّك من أجل معرفة المصير الذي ستؤول إليه الأمور في بلادها، فبلد المليونين ونصف مسلم في أوروبا والتي تضم أكبر قاعدة للإخوان المسلمين فيها والمدعوم مسبقاً من جهاز mi6 «الاستخبارات البريطانية»، تُضاف اليها اشكال متعددة من اوجه حركات التطرف «المنقحة»، والتي يبدو أنها انشأت مجموعات متواصلة تعمل كخلية نحل في الدول الأوروبية تعيش أسوأ أيامها.
تبدأ «ماي» أولى زياراتها للشرق الاوسط وهي تتحضر لانفصال بلادها رسمياً عن الاتحاد الأوروبي، بعدما كانت لندن أولى ضحايا الربيع العربي الذي أسقط تقديراتها بمساعدتها على الصمود داخل منظومة أوروبية موحدة، بحال تمّ التعويض عن الخسائر التي غرقت فيها كبريات الدول الاوروبية في السنوات العشر السابقة بخيرات الربيع العربي التي كان من المفترض ان تتقاسمها العواصم الغربية الكبرى واشنطن ولندن، ومعهما فرنسا وأذ بسورية تتصدر الازمة التي تفرعت لتصل لكل العالم بعدما ضخّ فيها حشد غفير من التطرف الذي اصطدم بصمود النظام.
رئيس وزراء بريطانيا السابق دايفيد كاميرون كان قد اصطدم بدوره بتقرير لجنة شيلكوت التي رفعت الغطاء عن أوجه العمليات الأمنية والعسكرية التي اتخذتها بريطانيا في ليبيا والعراق، مروراً بسورية وفق أجندة الربيع العربي تلك مع عودة لمرحلة توني بلير وغزو العراق. ولم يلحق بريطانيا حسب التقرير الا الخسائر السياسية والاقتصادية وكان لا بد من العودة عنها، فحدث انقلاب ناعم للسلطة وكامل عن الاتحاد الاوروبي بفوز رئيسة حزب المحافظين تيريزا ماي مكان كاميرون.
الأكيد أنه من غير الوارد أن تنتهج «ماي» السياسات العامة نفسها التي انتهجها كل من بلير وكاميرون في الشرق الاوسط، من دون مراعاة الحالة البريطانية الاستثنائية في اوروبا ديمغرافياً بعد اليوم وإلا لما كان الانقلاب في السلطة هناك قد جرى وهي غير مستعدة لكي تتعرّض لأي نوع من أنواع المحاسبة مجدداً، وكذلك المحافظين الذي يعوّلون كثيراً على سياسات ماي الاقتصادية.
التصعيد في الشرق الأوسط ليس وارداً بالنسبة لبريطانيا وهي عملت على الانسحاب تدريجياً من الثقل المركزي للعمليات في سورية وليبيا، مكتفية بطلعات جوية مشتركة مع حلف الأطلسي لحظات الذروة المعهودة. لكن هذا لا يعني أن لا تستنفر بريطانيا بالكامل بعد هجمات ويستمنستر الإرهابية. وعلى هذا الاساس تعمل رئيسة الوزراء البريطانية على تحريك مبادرة سعودية أردنية مشتركة تتصل بعمليات مكافحة إرهاب من غرف أمنية تتصل مباشرة بالعمليات في سورية. فالأردن التي تعتبر عصب الاخوان المتبقي في المنطقة بعد مصر مهدّدة ايضاً، بالانفجار في اي لحظة وتدرك بريطانيا جيداً مغبة اي تحرك من الحدود السورية باتجاه الأردن والعكس من داخل المناطق التي تحوي متشدّدين وهم غير بعيدين عن منطق الثورة الهادفة لمشاركتهم في السلطة أو اقتناص فرصة التفرد فيها. والتعاون الامني البريطاني الاردني ليس جديداً بل هو نتاج سنوات طويلة منذ حقبة الملك حسين وما بعده، وقد أشرف الاميركيون مباشرة على حفظ شكل المعاهدات الامنية بين كل من الاردن و«اسرائيل» وتجهد القوى الامنية المشتركة بين تلك الدول بتثبيت الأمن في المملكة الهاشمية كمنطقة واقعة ضمن المدى الحيوي الاميركي تليها المملكة العربية السعودي كجغرافيا.
كشفت ماي بمشاوراتها في عمان عن إصرارها الكبير على مكافحة خطر الإرهاب وتطوير قدرات جديدة مشتركة لضرب صميم معاقل داعش مطلقة مبادرة أمنية بريطانية – أردنية جديدة. حضر اعتداء ويستمنستر بشكل مباشر مع المسؤولين الأردنيين، معتبرة ان الارهاب الذي طال لندن يستدعي خطة لتحسين التعاون بشأن مكافحة التطرف العنيف في المنطقة، ويعكس بوضوح أن الإرهاب «شر يطالنا جميعاً وعلينا التكاتف معاً لمكافحته». وعلى هذا الاساس اعلنت ماي الموافقة على تقديم دعم لسلاح الجو الملكي الاردني لتحسين القدرات الجوية الأردنية في ضرب اهداف داعش بشكل مباشر مع حديث عن تعاون وثيق مع الأردن لإدارة تداعيات الصراع السوري. وهذا يعني ان محور اهتمام لندن بات معرفة مصير الإرهابيين في سورية وتسريع الخلاص القادر على إبعاد خاطر الارهاب عن بريطانيا. وهو الامر الذي قد لا يكون بالصورة السهلة التي ترغب بريطانيا فيها بعدما طرحت مخارج إنشاء مناطق عازلة حدودية باءت بالفشل.
تبدو واشنطن وسط كل هذا تفرجة حيال التحرك لقتال داعش من خلال الإعلان عن تطوير او توسيع الحلف، قبل ان يتبين مصير العلاقة الروسية الاميركية. وعلى هذا الاساس تتحرك لندن سريعاً من اجل تقديم سياسة دفاعية استباقية قادرة ان تحل محل الاميركي بالوقت الضائع من جهة، وقادرة على ضبط تدهور الأوضاع من جهة أخرى أكثر قبل فوات الأوان.
ذروة الزيارة البريطانية تكمن في زيارة المملكة العربية السعودية المعنية مباشرة بالأزمة السورية والتي تشرف على سير العمليات العسكرية في ضواحي دمشق والعملية السياسية عبر وفود متعددة الأجنحة والأذرع. وهي كفيلة بوضع خطة عملية مع بريطانيا لضبط الأوضاع. واذا كان التحرك البرطاني السريع نحو الاردن والسعودية لحظة اعتداءات ويستمنستر يشير الى شيء، هو الى قلق بريطاني كبير لا يسعها من بعده الا عرض سياسات تقويض داعش بدلاً من تعويمها أكثر واي سياسة تصعيد نحو سورية هي اصابة او «مقتل» سياسي اقتصادي كارثي في عهد تيار المحافظين آخر آمال الانكليز.