العدوان الأميركي على سورية… التوقيت والأهداف والتداعيات
حسن حردان
شكل العدوان الأميركي المباشر على إحدى القواعد الجوية للجيش السوري في المنطقة الوسطى من سورية، تطوراً جديداً في مسار الحرب الإرهابية الاستعمارية التي تشنّ على سورية منذ ست سنوات.
على أنّ هذا العدوان، الذي نفذ بعد اتهام الدولة السورية باستخدام السلاح الكيماوي في قصف بلدة خان شيخون في محافظة إدلب والتي تخضع لسيطرة تنظيم جبهة النصرة الإرهابي، طرح جملة من التساؤلات أبرزها:
ــ ما هي الحقيقة بشأن استخدام السلاح الكيماوي في هذا التوقيت، وما هي أهدافه؟
ــ لماذا سارعت الدول الغربية إلى توجيه الاتهام إلى الدولة الوطنية السورية باستخدام السلاح الكيماوي من دون أدلة، ورفضت طلب روسيا تشكيل لجنة تحقيق دولية محايدة للتحقيق، وتبيان الحقيقة في هذا الموضوع؟
ــ ولماذا أقدمت إدراة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تنفيذ هذا العدوان ولم تستجب لطلب روسيا عدم القيام بخطوات أحادية تشكل خرقاً للقانون الدولي وتدخلاً بشؤون الدول الداخلية، وماذا يعني قيامها بهذا العدوان؟
ــ وأخيراً ما هي التداعيات والنتائج المترتبة على هذا العدوان والاحتمالات؟
أولاً: من المعروف أنّ سورية وعلى اثر إقدام الجماعات المسلحة باستخدام السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية من دمشق عام 2013 والتوتر الذي حصل في المنطقة اثر تهديد إدارة الرئيس باراك أوباما بشنّ هجوم واسع على سورية، وافقت دمشق بوساطة روسية على نزع أسلحتها الكيماوية لإبطال الذرائع والاتهامات الأميركية الغربية ونزع فتيل الأزمة، وجرى بموجب ذلك وبإشراف من الأمم المتحدة إتلاف مخزون سورية من السلاح الكيماوي وأعلنت لجنة الأمم المتحدة المشرفة على الأمر أنه تمّ إنجاز مهمتها بالتعاون الكامل مع الدولة السورية، في حين أنّ اللجنة التي شكلت للتحقيق خلصت إلى عدم توجيه الاتهام لأيّ طرف، بعد أن تبيّن أنّ الذي شنّ الهجوم الكيماوي هو الجماعات الإرهابية وليس الجيش السوري. وكان واضحاً أنّ الهدف من ذلك كان وقف الهجوم الواسع للجيش السوي على مواقع المسلحين في الغوطة الشرقية، والتحريض على سورية ودفع أميركا إلى التدخل العسكري في سورية لتغيير موازين القوى لمصلحة المسلحين وتمكينهم من إسقاط الدولة السورية، وأنّ «إسرائيل» واللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة وتيار الحرب في واشنطن والدول المنخرطة في الحرب على سورية كانوا يضغطون بهذا الاتجاه، وأرادوا دفع إدارة أوباما لشنّ الحرب المباشرة على سورية.
اليوم يأتي استخدام السلاح الكيماوي في خان شيخون من قبل جبهة النصرة في توقيت نجح فيه الجيش السوري في إحباط هجوم الجماعات المسلحة في ريف حماة واستعادته جميع المناطق التي سيطروا عليها وقراره بمواصلة التقدّم نحو مناطق المسلحين الأخيرة في ريف حماة في حلفايا وطيبة الإمام ومورك تمهيداً للهجوم على مواقع جبهة النصرة في محافظة إدلب بدءاً من خان شيخون، في حين يواصل الجيش السوري مدعوماً من حلفائه التقدم وتحقيق الإنجازات في الميدان على جبهات القتال كافة. كما جاء في توقيت أعلنت فيه الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب من مواقع ثلاثة، البيت الأبيض والخارجية الأميركية ومندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة أنّ أولوية الإدارة العمل على هزيمة داعش وليست إسقاط الرئيس بشار الأسد، وأنّ الشعب السوري هو الذي يقرّر مصيره الرئيس الأسد، الأمر الذي أثار سخط الجماعات المسلحة والدول الداعمة لها، وتيار الحرب في واشنطن، ودفعهم إلى تدبير استخدام السلاح الكيماوي في خان شيخون واتهام الجيش السوري بالوقوف وراء الهجوم بهدف تحقيق ما يلي:
1 ـ التحريض ضدّ الرئيس بشار الأسد والجيش السوري عبر اتهامه بارتكاب هذه الجريمة التي ذهب ضحيتها العديد من المواطنين السوريين. وبالتالي محاولة إضعاف موقف الدولة السورية في المحافل الدولية وفي المفاوضات.
2 ـ إيجاد مناخ دولي ضاغط على الدولة السورية يجبرها على تعطيل ووقف هجمات الجيش العربي السوري على الجبهات كافة لإنقاذ الجماعات المسلحة من الانهيار والهزيمة وتمكينها من إعادة التقاط أنفاسها وتنظيم صفوفها من جديد.
3 ـ التأثير على موقف الرئيس ترامب ودفعه إلى تبديل موقفه من الرئيس الأسد ومحاربة الإرهاب وشنّ عدوان عسكري على مواقع الجيش السوري، لا سيما المطارات العسكرية، وهو ما مهّد له معهد واشنطن في مقال خصّص لذلك، في حين أعلن وزير الخارجية الفرنسي مارك ايرولت أنّ الهجوم الكيماوي يشكل «اختباراً للإدارة الأميركية الجديدة» بعد الموقف الأخير للرئيس ترامب من مصير الرئيس الأسد. وما يؤكد هذا الضغط والاستخدام أنّ «إسرائيل» التي تعتبر الأكثر استخداماً للأسلحة المحرّمة دولياً هي التي قادت هذه الحملة مع حلفائها الغربيين والإقليميين ضدّ سورية واتهامها بارتكاب جرائم حرب.
ثانياً: انطلاقاً من ذلك سارعت الدول الغربية إلى توجيه الاتهام للرئيس بشار الأسد بالوقوف وراء الهجوم الكيماوي على خان شيخون، وعطلت الدعوة الروسية لتشكيل لجنة تحقيق دولية محايدة لتبيان الحقيقة في ما حصل وتحديد الجهة التي استخدمت الكيماوي، وذلك لتحقيق أهدافها المذكورة آنفاً، وتضليل الرأي العام والتعمية على الحقيقة، ومنع انكشاف استخدام جبهة النصرة للغازات السامة، على غرار ما حصل في الغوطة الشرقية من دمشق عام 2013، واستطرادا الإبقاء على هذا السلاح الكيماوي صالحاً للاستخدام كلما واجه المسلحون وضعاً صعباً وباتوا على أبواب هزيمة كبيرة ومطلوب إنقاذهم منها وإعادة تعويمهم لمواصلة حربهم لاستنزاف سورية.
ثالثاً: يبدو من الواضح أنّ إقدام الإدارة الأميركية إلى المسارعة لتوجيه هذه الضربة الصاروخية، للقاعدة الجوية السورية، إنما جاء مخالفاً لموقف الرئيس ترامب، وخضوعاً منه للحملة التي قادها تيار الحرب، ومحاولة مكشوفة للتناغم معه والعمل على امتصاص والحدّ من المعارضة التي يواجهها في الداخل من قبل المؤيدين لخيار مواصلة دعم قوى الإرهاب في سورية، وعرقلة الحلّ السياسي للأزمة على أساس احترام حق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه بعيداً عن أيّ تدخلات خارجية. وكذلك محاولة الظهور بمظهر مختلف عن الرئيس السابق أوباما الذي تردّد في اتخاذ قرار شنّ الهجوم على سورية عام 2013.
غير أنّ هذا العدوان الأميركي كشف على نحو لا لبس فيه أنّ الولايات المتحدة هي من يشنّ ويقود الحرب الإرهابية ضدّ الدولة والشعب والجيش في سورية، وأنّ الإرهابيين هم أدوات في المشروع الأميركي للسيطرة على سورية وتعويم الهيمنة الأميركية الأحادية، وأنّ أميركا هي أكبر دولة إرهابية في العالم وصانعة الإرهاب، لا تتوانى عن خرق القوانين الدولية، وانتهاك سيادة الدول، والعمل على تكريس قانونها القائم على شريعة الغاب، ولعب دور الشرطي في العالم الذي يعطي لنفسه الحق في إطلاق الاتهامات وإصدار الأحكام واستخدام القوة، ضاربة بعرض الحائط المؤسسات الدولية، بعد أن عطل الفيتو الروسي الصيني المزدوج استصدار القرارات الأميركية الغربية لتشريع تدخلها الاستعماري في شؤون الدول وتغيير أنظمتها الوطنية الشرعية.
رابعاً: في النتائج والتداعيات والاحتمالات،
1 ـ من المسلم به أنّ أولى النتائج تجسّدت في انكشاف الدور الأميركي في الوقوف وراء الحرب الإرهابية على سورية، ودخولها على الخط مباشرة، بعد أن أدرك الغرب كله بأنّ هزيمة الإرهابيين باتت قاب قوسين، وأنّ انتصار الدولة الوطنية السورية ومحور المقاومة أصبح أمراً واقعاً ومسألة وقت ليس إلا. هذا الانكشاف للدور الأميركي يسهم في تعزيز الاقتناع لدى الشعب العربي السوري والجماهير العربية والرأي العام العالمي بأنّ ما جرى ويجري في سورية إنما هو مخطط أميركي غربي صهيوني رجعي عربي يستهدف تدمير سورية والإطاحة بنظامها الوطني والقومي المقاوم للاحتلال الصهيوني ومشاريع الهيمنة الاستعمارية، الأمر الذي يزيد من الالتفاف حول قيادة الرئيس الأسد ويعزز من شرعيته ودوره الريادي في مواجهة القوى الاستعمارية وأدواتها الإرهابية وكلّ الأنظمة الدائرة في الفلك الغربي.
2 ـ لقد أدّى العدوان إلى دفع روسيا إلى إنهاء التنسيق الجوي مع أميركا لمنع حصول حوادث الطيران في الأجواء السورية، وهذا يشكل رداً عملياً على انتهاك أميركا للقوانين الدولية وعدم أخذها بموقف موسكو التي أكدت أنّ الجيش السوري لم يشنّ الهجوم بالسلاح الكيماوي، وأنّ هذا السلاح لم يعد يملكه أصلاً الجيش السوري، وهو موجود لدى الجماعات الإرهابية، وبالتالي مطلوب عدم توجيه الاتهامات من دون أدلة.
ولا شك في أنّ هذا الردّ الروسي سيكون له تأثير كبير على مجرى التطورات في سورية، وسيجعل الطائرات الحربية الأميركية لا تتمتع بمظلة الحماية الصاروخية الروسية التي تحمي سماء سورية، عدا عن احتمال أن تقدم موسكو على تزويد الجيش السوري بأسلحة متطورة قادرة على صدّ ومواجهة أيّ اعتداء أميركي جديد على سورية عبر الطيران أو الصورايخ. فروسيا لا يمكن لها أن تتساهل إزاء هذا التجاوز الأميركي للخطوط الحمراء التي رسمها حضورها العسكري النوعي على الأراضي السورية. خصوصاً أنّ الاعتداء الأميركي على سورية ومحاولة إنقاذ الإرهابيين من الهزيمة يمسّ بالأهداف التي من أجلها أرسلت موسكو قواتها إلى سورية.
3 ـ إنّ إقدام أميركا على مواصلة اعتداءاتها على الجيش السوري من شأنه أن يقود ليس فقط إلى الاشتباك مع الجيش السوري وحلفائه، وإنما إلى احتمال التصادم مع روسيا، وهو أمر تسعى كلّ من موسكو وواشنطن إلى تجنّبه، لأنه سيقود إلى حرب عالمية مدمرة للجميع.
4 ـ من هنا فمن المحتمل أن يكون الاعتداء الأميركي هذه هي حدوده، امتصاص حدة المعارضة التي يواجهها ترامب داخل أميركا منذ تسلمه السلطة، وتعزيز موقفه في مواجهة خصومه، من دون أن يتخلى عن موفقه الرافض للتورّط في حرب جديدة أكثر خطورة وكلفة من حرب العراق، وهو الذي أعلن، أيّ ترامب، أنه يريد توفير الأموال للنهوض بالاقتصاد الأميركي من الركود، وحلّ أزمة البطالة في أميركا، وإصلاح البنية التحتية، التي تحتاج إلى تريليون دولار على الأقلّ.