مسيحيو مصر: القابضون على الجمر..
روزانا رمّال
لا تعيش الجماعات الإرهابية المتطرّفة في مصر على فكرة تنفيذ عمليات ضد مواقع شيعية أو هاجس صراعها السني الشيعي التقليدي ذلك الذي تقوده مع الفئات المدعومة من إيران وحلفائها في المنطقة. تكاد تكون مصر المساحة العربية الوحيدة التي تتواجه مع إرهاب آخر بهوية صراع موجّه ضد المسيحيين نظراً للتكوين الديمغرافي والأكثرية المسلمة الطاغية. ففي سورية مثلاً تركّز المجموعات الانتحارية على أجندة عمل تنطلق من وجوب التخلّص من النظام السوري المتّهم بعلويته أو شيعيته أو ما يعادلهما، ممّا يحسب على إيران عقائدياً، وفي لبنان تستهدف داعش المناطق أو الأحياء الشيعية التابعة لحزب الله، خصوصاً في ضاحية بيروت الجنوبية مع استهداف بعض الأهداف المسيحية التي تعرقل حركتها حدودياً كالذي جرى في منطقة القاع أخيراً. العراق أيضاً واقع ضمن مخاطر الصراع السني الشيعي «الدسم».
يدفع الأقباط المصريون وحدهم كأقلية ثمن عرقلتهم نشوء «دولة الخلافة». وقد اتهمهم داعش بذلك في أحد تسجيلاته الصوتية فلم يعُد الاستغراب من مسألة استهدافهم مطروحاً، فالتخلص منهم ضروري لقيام دولة متطرفة خالية من غير المسلمين «المتطرفين».
إنهم المصريون الأقباط… «القابضون على الجمر»، فالتمسك بالمسيحية بات جواز سفر للموت في بلدهم وأي منهم غير مستعدّ للتخلّي عن عقيدة «الحب والسلام». الصراع السني – الشيعي الذي يعيشه الجوار لم يجنب مصر التي نجت من فرضية اندلاع فتنة مذهبية سنية شيعية، بل كشف عن سرعة نقل الصراع الى كل مَن يعادي تلك العقيدة.
يأتي التطرف ضد المسيحيين في مصر لينسف مزاعم تأسست عليها حروب الشرق الأوسط الفئوية، على اعتبار ان التطرف الشيعي «الإيراني» أسس لتطرف سني «وهابي» أو داعشي او إلى ما هنالك.
يتحدث مصدر متابع لـ«البناء» عن حال المسيحيين في الشرق مستشهداً بما يتعرّض له الأقباط المصريون ليلفت النظر نحو الرئيس اللبناني «المسيحي» ميشال عون، ويؤكد أن الأقباط المصريين ومعهم مسيحيو سورية يعتبرون في زمن الإرهاب أن عون هو ضمانتهم في هذه المنطقة الملتهبة. وهم لا يعتبرون أنه رئيس الجمهورية اللبنانية فقط، بل هم على علاقة وارتباط عاطفي ونفسي وإيديولوجي معه يتمثل بفرد مساحة أمل تترجم باستحصال عون على حقوق المسيحيين في بلد عربي محاط بالجوار المسلم فتعزز الأمل ببقائهم بالمنطقة يختم المصدر، داعياً لعدم التهاون في مسألة حماية عهد الرئيس اللبناني القوي في مثل هذه الظروف.
وبالعودة لمصر، يتلقى الأقباط المصريون القاطنون في مدينة العريش مثلاً تحذيرات مباشرة من متطرّفين لإخلاء بيوتهم. يعود بعضهم لمنازلهم أو يستيقظون صباحاً ليجدوا عبارة «ارحل» مكتوبة على جدران المنازل. حرق منازل، تجزير وإبادة أسر ونسف الممتلكات، ممارسات شبيهة جداً لما تعرّض له السوريون في معلولا وغيرها. المجرمون أنفسهم ممن يتبعون تنظيم داعش الإرهابي ومجموعات عليها «أنصار بيت المقدس» و«ولاية سيناء» وغيرها.
تفجيرات في طنطا والاسكندرية أمس في عيد الشعانين بمناطق بعيدة عن سيناء تأخذ الى الحساب الأكبر المتمثل بضرورة إعلان مصر «إسلامية متطرفة» والتخلص من المسيحيين فيها على كامل الأرض. مشروع لم يستكن يتحضّر لمصر ويأخذها نحو الاستنزاف. الحكومة المصرية واقعة من جهتها بين مطاردة الاخوان المسلمين المتشددين وبين مطاردة الداعشيين وخطط مكافحة الإرهاب والانضواء ضمن محاور قتالية جدية في المنطقة. ولا تزال الخصومة واضحة بين مصر والقطريين الداعمين لحركة حماس والاخوان المسلمين والذين تدخلوا في الشؤون المصرية عنوة. وقد ظهر هذا بعدما غادر وفد الرئيس السيسي القمة العربية بالأردن لحظة بدء أمير قطر بإلقاء كلمته.
بداية استهداف الاقباط كان عام 2011 عشية الربيع العربي الذي طال مصر، وبالرغم من كل الفوضى التي عمّت القاهرة وغيرها من المناطق، ومن تبديل شكل الحكم وحدوث انقلابين إلا أنه يتبيّن أن أكثر من سبعين في المئة من التفجيرات في مصر ككل هي ضد المسيحيين وهذا ملخص عن أبرزها:
تفجير كنيسة القديسين 2011 في الاسكندرية بعيد الميلاد.
إحراق كنيسة مارجرجس بحدائق القبة في القاهرة في رأس السنة 2013 ومحاولة تفجير كنيسة في رفح المصرية.
أعمال تخريب وحرق كنائس عدة مثل دير العذراء وكنيسة مار جرجس وكنيسة الإصلاح وغيرها إبان عزل الرئيس مرسي في حزيران عام 2013.
21 تشرين الأول 2013، إطلاق النار على حفل عُرس خارج كنيسة الوراق .
28 كانون الثاني 2014، هجوم مسلح على كنيسة السيدة العذراء بمدينة «6 أكتوبر».
1 كانون الثاني 2015 هجوم مسلح على كنيسة مارمرقس الكاثوليكية، بمدينة المنيا في عيد الميلاد قتل حينها حراس الكنيسة.
12 تشرين الأول 2015 إطلاق نار على الكنيسة الإنجيلية في الهرم.
11 كانون الأول 2016 تفجير كبير في الكاتدرائية المرقسية في العباسية.
9 نيسان 2017 تفجير كنيستين واحدة في طنطا وأخرى في الاسكندرية في عيد الشعانين.
استهدافات مكثفة للمسيحيين زمنياً تبعاً لتواريخ متتالية، تؤكد أن هناك من يريد القول إنهم فئة غير مرغوب فيها في المجتمع المصري..
أقباط مصر أولئك القابضون على الجمر… الذي أحرق المؤامرة بدمائهم.