«شكراً» ترامب… «شكراً» نتنياهو!

نصار إبراهيم

«شكراً» ترامب… و«شكراً» لك أيضا يا نتنياهو! ذلك لأنكما لم تتركا هامشاً أو مساحة ظلّ يستظلّ بها أغرار السياسة من الأعراب..

لقد أمسكتم هؤلاء «الأولاد» من آذانهم وأجبرتموهم على الرقص كالحمقى في ميادين سياسة وحروب لا يفهمون عواملها وعناصرها.. فهم يخوضون في السياسة والحروب كما لصوص الصحراء تماماً… إنهم يعتقدون أنّ السياسة مجرد بئر نفط وأكياس نقود، فيما يعتقدون أنّ الحرب مجرد رقصة عراضة بالسيف.

لقد رقصوا بالأمس كالحمقى عند سماع نبأ ضربة التوماهوك الأميركية على سورية… بدون أدنى حدّ من الرصانة والتفكير بانعكاسات ذلك ومعانيه التكتيكية والاستراتيجية.

هم يعتقدون أنّ مجرد الاستعداد لتغطية أثمان الصواريخ الأميركية العسكرية يعني أنّ أميركا قد اتخذت قرارها بالذهاب من أجل سواد عيونهم لحرب إقليمية وعالمية…

«شكراً» ترامب … و«شكراً» لك أيضا يا نتنياهو… لأنكما في ساعات معدودة كشفتما الوجوه والأقنعة والحماقات والاصطفافات…

ولأنّ الأعراب لم يسمعوا بشيء اسمه التفكير الاستراتيجي وعلاقات القوة وموازين القوى والجيوبوليتيك في الصراعات الإقليمية والدولية فقد اعتقدوا أنّ مناورة صواريخ التوماهوك هي الحرب ذاتها… وبغباء وانفعال أسقطوا وتخلوا حتى عن خطاباتهم البائسة عن فلسطين والقدس فوجدوا أنفسهم يرقصون ويتمايلون وهم يشبكون أيديهم في يد نتنياهو… إنهم لم يراعوا حتى الحدّ الأدنى من اللياقة الديبلومسية.. لا أحد يطالبهم بموقف كما موقف بوليفيا.. فبينهم وبين ذلك سنوات ضوئية… ما أقصده هو حدّ أدنى من الاحترام لمشاعر غالبية الشعوب العربية.. التي لا تزال ترى في «إسرائيل» عدواً… إنهم برعونتهم وخفتهم قد أربكوا حتى من يناصرهم من إعلاميين وأشباه مثقفين…

العقل العاجز عن رؤية ساحات الحرب بشمولية وعمق، العقل الذي لا يترك مساحة للعوامل المبنية للمجهول في السياسة والحرب، العقل الذي لا يتحسّب لردود فعل الآخر، العقل التابع والخاضع.. يبني مواقفه على أمنيات وأوهام، بل ويعتقد أنّ المغالاة في الفرح والرقص احتفالاً بالضربة الأميركية المحسوبة بدقة سيدفع ترامب لمزيد من المغامرات دون أن يحسب حساباً لشيء..

العقل السياسي للصوص الصحراء والنفط وسماسرة الأوطان لا يقف ليسأل السؤال البديهي: وماذا بعد؟

العقل الذي يدير السياسة والحرب بثقافة الانتقام في واقع معقد بألف معادلة سياسية واقتصادية واجتماعية وجغرافية وتشابك المصالح لا يعي أنّ الحرب هي لعبة شطرنج تخفي أكثر مما تظهر… فيحرقون سفنهم وأوراقهم في أول نقلة.

السياسة والحروب في هذه المنطقة يديرها الكبار بمفهوم سباق الماراثون وليس بمفهوم سباق المئة متر للهجن.

حسناً لقد وصلت رسائل التوماهوك، وسقط شهداء من شعبنا وجيشنا العربي السوري… ومن قال إنّ الحرب ليس فيها خسائر… وتضحيات… ولكن الأهمّ والعبرة هي في نتائج الحرب… الأهمّ ماذا سيفعل الأعراب وأشباههم وهم يقفون عراة في الصف الآخر حين تتواصل المواجهة ولكن وفق معادلات جديدة بعد أن حرّرت رعونة ترامب سورية وحلفاءها من بعض القيود التي كانت تشكل عنصر ضبط كي لا تنفتح أبواب الجحيم…!؟

أكرّر «شكراً» ترامب و«شكراً» يا نتنياهو لأنكما قمتما بتعرية منظومة البؤس العربية كما قمتما بجعل ما يسمى «بالثورة السورية» ترقص معكم بكامل بلاهتها ناسية حتى الحدّ الأدنى من مشاعر الشعب السوري المسكون بقضية الجولان المحتلّ وفلسطين.

المشكلة أنكم لا تعرفون.. أما ترامب ونتنياهو فيعرفان أنّ صلية التوماهوك كانت لها أهداف محسوبة ومحدودة ومحدّدة… وهما يعرفان أيضاً معنى الحرب حين تتجاوز المناورات ويصبح كلّ شيء مباحاً… ولهذا كان السؤال الحاسم عند العديد من المعلقين الأميركيين: وماذا بعد…؟ كما نصح بعض الساسة الإسرائيليين نتنياهو بعدم الانفعال والذهاب بعيداً… فاللعبة خطرة للغاية.

بصراحة لقد كنا بحاجة لهذا الفرز كي ينتهي اللعب في المساحات الرمادية… الآن أصبح كلّ شيء واضحاً بالصوت والصورة والموقف وبئر النفط الذي يتوهّم بأنه يضخ من أعماق الأرض سياسة وليس تعاسة.

وفي النهاية تذكروا أنّ الحرب لم تنته بعد… ولم تفعل صواريخ التوما هوك، التي ضلّ ثلثاها الطريق، سوى أنها أعادت صياغة قواعد الحرب والسياسة والاشتباك بما لم يتخيّله أحد.. حينها سنرى ماذا سيفعل جبير الجبار وكلّ من وجّه الشكر فعلاً لترامب وتمنى لو يقبل يديه التي أطلقت النار على دمشق… ومن يعش… يرَ!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى