«إنقاذ» الأسد ثمنه ثلاث مناطق عازلة؟
د. عصام نعمان
ليس كل أعضاء «التحالف الدولي ضد الإرهاب» ملتزمين المشاركة في القتال ضد «داعش» في العراق وسورية. بعضهم قال ذلك ضمناً للولايات المتحدة. بعضهم الآخر قالها علناً. أبرز الأعضاء غير الملتزمين تركيا. والسبب هو عدم اتضاح الثمن الذي ترى أنها تستحقه لقاء مشاركتها.
ماذا تريد تركيا؟
المطلب الأول للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إزاحةُ الرئيس السوري بشار الأسد. ضرب «داعش» في سورية يؤدي عملياً في رأيه إلى تقوية الأسد. لذا يطلب التزاماً بأن مشاركة تركيا في الحرب على الإرهاب سيرافقها أو يعقبها تحرّك ضد سورية يضمن إضعاف الأسد تمهيداً لإزاحته.
المطلب الثاني لأردوغان اقتران ضرب «داعش» بضرب خصومه الأكراد في شمال شرقي سورية. الأكراد الموالون لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي صالح مسلم يناصرون أكراد تركيا الذين يؤيدون رئيس حزب العمال الكردستاني عبد الله اوجلان. كِلا الفريقين يعادي أردوغان ويؤيد ضمناً سورية الدولة في وجه المعارضة المسلحة.
المطلب الثالث، تأسيس منطقة عازلة في شمال سورية وإعلان حظر الطيران فوقها وتأمينها.
إدارة أوباما لم تتخذ بعد موقفاً من مطالب أردوغان. تبدو شديدة الحذر بسبب اضطرارها إلى مراعاة مصالح حلفائها ومنافسيها وحتى اعدائها الإقليميين. هي لا تستطيع الظهور بمظهر حليفة تركيا في معاداة الأكراد حرصاً منها على مصالحها مع الأكراد العراقيين ودورهم المؤيد لها في سعيها إلى بسط نفوذها على العراق مجدداً. غير أن رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي لمّح أخيراً إلى إمكان استجابة مطلب المنطقة العازلة.
يتردد أن واشنطن تُهندس مخرجاً من مأزقها يقوم على أساس تسوية ترضي تركيا جزئياً من دون الإساءة إلى «إسرائيل» أو لحلفائها الإقليميين. جوهر التسوية المرتقبة غضُ النظر عن مخطط تركي له جذوره الأطلسية يقضي بإقامة مناطق عازلة على الحدود التركية السورية، وعلى خطوط الفصل بين سورية و«اسرائيل» في منطقة الجولان المحتل، وعلى الحدود السورية اللبنانية في منطقتي القلمون وعرسال. وتعتقد واشنطن أن هذه التسوية لن تستفز إيران وروسيا لأن من شأنها «إنقاذ» الرئيس الأسد!
الواقع أن أردوغان طرح خطةً على أوباما خلال اجتماعهما الأخير في نيويورك تقضي بإنشاء منطقة عازلة على الحدود بين تركيا وسورية بعمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية مدعومةً بحظر للطيران فوقها لمنع سلاح الجوّ السوري من ضرب قوات المعارضة السورية المسلحة في شمال البلاد وشرقها. إلى ذلك، جرى تسريب معلومات مصدرها حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض مفادها أن أردوغان أصدر أمراً رئاسياً بتحديد نقاطٍ لتمركز القوات البرية التركية على الأرض تمهيداً لفرض المنطقة العازلة قبل أن يعلن رئيس وزرائه أحمد داوود أوغلو إنه سيطلب من البرلمان التركي أوائل تشرين الأول المقبل تجديد الإذن للحكومة بإرسال قوات إلى العراق وسورية.
في الجولان، سبقت جبهة النصرة أردوغان في تنفيذ المنطقة العازلة. فقد حرصت، بادئ الأمر، على إقصاء بقايا «الجيش السوري الحر» عن قرى الجانب المحرر من الجولان قبل أن تقوم بمدِّ سيطرتها، على مرأى من قوات الفصل التابعة للأمم المتحدة، إلى بعض القرى والمواقع شرق خط الفصل ومن ثم إزاحة القوات الأممية من منطقة وجودها في الشطر السوري من المنطقة المجردة من السلاح. إلى ذلك، كانت «اسرائيل» وما زالت تستقبل جرحى قوات المعارضة السورية المسلحة، وتساندها بقصف مدفعي لمواقع الجيش السوري في الجوار. كما قامت أخيراً بإسقاط طائرة سوخوي سورية كانت متجهة لقصف مواقع جبهة النصرة في المنطقة العازلة المستحدثة.
في لبنان، قام مقاتلو «النصرة» و«داعش» منذ أشهر عدة بالتسلل إلى بلدة عرسال الحدودية وتوظيفها في مستلزمات الإمداد اللوجستي. وعندما حزمت الحكومة اللبنانية أمرها وقررت، تحت ضغط القوى الوطنية، إخراج مقاتلي «النصرة « و«داعش» من عرسال، تظاهر المقاتلون بالخروج لينقضّوا لاحقاً على جنود الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، وليقتلوا منهم ضباطاً وجنوداً، وليختطفوا نحو 40 عنصراً عسكرياً للمساومة والمقايضة.
فيما يتصاعد ضغط المسلحين على قوات الجيش على طول حدود لبنان الشرقية مع سورية بالتساوق مع ضغوط أهالي العسكريين الأسرى على الحكومة لمقايضتهم بعناصر «جهادية» مسجونة كانت صدرت بحقها أحكام قضائية، وأخرى موقوفة للتحقيق معها بشأن عمليات إرهابية، تتجه البلاد نحو مفترق سياسي وأمني بالغ الخطورة. ذلك أن قوى 14 آذار المحافظة، ولاسيما «تيار المستقبل»، تضغط من أجل التسليم بمبدأ المقايضة لأسباب ثلاثة: الأول، عدم قدرة الجيش اللبناني في رأيها على مواجهة «النصرة» و«داعش»، واستحالة استكمال تسليحه في مدة وجيزة. الثاني، معارضتها التنسيق مع سورية وحزب الله لمواجهة القوى «الجهادية» بدعوى أن ذلك يخرق مبدأ نأي لبنان بنفسه عن الأزمة السورية. الثالث، أن التنسيق مع سورية وحزب الله يؤدي إلى الإخلال بميزان القوى الداخلي لمصلحة قوى 8 آذار ما يؤثر بدوره في انتخابات رئاسة الجمهورية وتالياً على الانتخابات النيابية.
تُدرك جبهة «النصرة» و«داعش» مأزق لبنان واللبنانيين في هذه الآونة وعجز الحكومة عن اتخاذ قرار بالمقايضة أو بالمواجهة، فتراهما يتجهان إلى انتهاز الفرصة المتاحة للهجوم على عرسال أو مباغتة الجيش وحزب الله على غير خط التوقعات بغية تحقيق جملة أغراض:
المباشرة في إنشاء المنطقة العازلة.
احتلال بلدات وقرى تحتوي منازل ومنشآت صالحة ليحتمي فيها مقاتلوها من أمطار الشتاء القادم وثلوجه في منطقة تعلو لا أقل من 1500 متر عن سطح البحر.
تأمين الإمداد اللوجستي لوحداتها المقاتلة.
محاولة إخراج الجيش اللبناني من حلبة الصراع لاستفراد حزب الله والعمل على مشاغلته وإضعافه.
إحداث خلل في ميزان القوى الداخلي لمصلحة قوى 14 آذار المعادية لسورية.
في حال بادرت جبهة «النصرة و«داعش» إلى الهجوم، فإن ذلك سيؤدي إلى ردٍّ سريع من الجيش كما من حزب الله. إلى ذلك، فإن أعضاء الحكومة، وإن ليسوا مجمعين على مباغتة «الجهاديين» بهجوم، إلّا أنهم متفقون على وجوب الدفاع عن النفس. رئيس الحكومة تمام سلام أكد بتصريح من نيويورك لصحيفة «النهار» بأن لبنان «جزء من الجهد الدولي لكبح الإرهاب ومكافحته»، مستدركاً أن ذلك يتم «بصيغة دفاعية» لأن قدراته لا تسمح بعمليات هجومية. وثمة من يؤكد أيضاً أن أياً كان موقف الحكومة، فإن الجيش اللبناني عندما يجد نفسه هدفاً لهجوم مباشر فسيبادر تلقائياً وبلا تردد إلى الرد على العدوان، وأنه احتاط لهذا الاحتمال بالتنسيق مع حزب الله، وأن الحزب ربما يكون قد نسق مع الجيش السوري لتنفيذ خطة دفاعية متكاملة من شأنها صدّ العدوان ودحره.
ما موقف إيران وروسيا من التسوية الأميركية بمناطقها العازلة الثلاث؟
المقول في بيروت إنهما ترفضانها، وإنهما ستساعدان سورية وقوى المقاومة، بشكل أو بآخر، في إسقاطها.
مع ذلك، يبقى سؤال مقلق مطروح اليوم في بيروت: متى هجوم جبهة «النصرة» و«داعش»، قبل عيد الأضحى أم بعده؟
وزير سابق