الكبار يتبادلون الرسائل…! الحبر من دمائنا والطوابع ظلال أرواح شهدائنا

محمد ح. الحاج

ليست القضية استهداف مطار أو موقع لأنّ طائرة أقلعت منه أو لأنها قصفت مكاناً فيه مخزون كيميائي، أو لأنها استخدمت قنابل كيميائية أو صواريخ كما قال خبير في الطب يدّعي المعرفة بالذخائر والتسليح، ومعلوم أنّ الصواريخ تحمل مقذوفات كيمائية أو غيرها لتوصلها إلى الهدف لكن الطائرات تحمل القنابل، وأيضاً صواريخ جو جو، القضية أبعد من ذلك بكثير؟

لماذا مطار الشعيرات؟ وليس سراً أنّ مناطق شمال حماة ليست في دائرة أو قطاع عمل الأسراب الموجودة فيه، مطار الشعيرات يتحمّل مسؤولية التصدّي لقطعان داعش شمال وشرق وجنوب حمص وصولاً إلى الحدود العراقية، وهو فعلاً من قصم ظهر هؤلاء ودمّر أرتالهم، خصوصاً بعد سيطرتهم على تدمر للمرة الثانية ومحاولتهم الاقتراب من مطار الـ تي فور، وعندما تدخل الطيران الصهيوني المعادي ليضرب الوحدات التي تلاحق داعش في محيط تدمر كان مطار الشعيرات بالمرصاد، فمن محيطه انطلقت الصواريخ لتلاحق الطائرات الصهيونية، أسقطت واحدة وأصابت أخرى ولاحقتهم حتى داخل الأرض المحتلة ودبّ الذعر في قطعان المستوطنين بعد إطلاق صافرات الإنذار.

الاتفاق السري ما بين منظمة الايباك المتحكمة بالإدارة الأميركية وترامب يتضمّن أولوية حماية الكيان الصهيوني ومنع تعرّضه للتهديد أو العقوبات الدولية، ولولا التزامه بذلك لما وصل إلى البيت الأبيض، إضافة إلى وعود ربما مسموح التراجع عنها لاحقاً كنقل السفارة إلى القدس، ولهذا أطلقت الاستخبارات المركزية معلومة أنّ الطائرة التي قصفت خان شيخون أقلعت من مطار الشعيرات والتقط الخبر كلّ الأدوات وردّدوا ذلك على صفحاتهم قبل أربع وعشرين ساعة، واستنتج العقلاء والقيادة أنّ المطار سيكون مستهدفاً بعمل عسكري، وبعد حصوله صدر في صحافة العدو أكثر من تلميح وشكر للإدارة الأميركية التي أخذت بالثأر، وبعضهم لم يخجل من القول إنهم يحاربون عنا…!

أذكر قول الرئيس الأميركي بنجامين فرانكلين وتخوّفه… وسيأتي يوم نرى أبناءنا يعملون بكدّ لإطعام هؤلاء الطفيليين اليهود وهم يتربّعون ويتآمرون عليهم.

ليت العمل اقتصر على الإطعام، بل إنّ أبناء أميركا اليوم يقاتلون نيابة عن الصهاينة في كلّ المواقع، الصهاينة يسيطرون على كلّ ما يفكر في أميركا، الرؤوس والبطون، الإعلام، والمال، والأغذية والقول لخبير أميركي.

لم يكن للرئيس التنفيذي في الإدارة الأميركية خيار القبول او الرفض، كان ملزماً بتنفيذ قرار المؤسسة السرية الحاكمة، وحتى لا يتورّط ويورّط إدارته بصدام مع القوات الروسية في المنطقة، آثر ابلاغ القيادة الروسية قبل وقت تتمكّن فيه من سحب مستشاريها حتى لا يُصاب أيّ منهم، وحدّد موقع الضربة، وهكذا أمكن الاستعداد، حماية الطائرات الحديثة، واستعداد الدفاعات الجوية ما أدّى إلى إفشال الضربة بالمفهوم العسكري، أو جعلها محدودة التأثير وهذا تأكد سريعاً عند إقلاع الطائرات من نفس المطار بعد ساعات لتضرب داعش في مناطق شمال وشرق تدمر، هذه المجموعات التي كان استمرارها وحمايتها من ضمن أهداف الضربة الأميركية لمطار الشعيرات، وهي أهداف متعدّدة، وليست فقط انتقاماً للطيران المعادي أو لحماية داعش، بل تضمّنت أيضاً رسائل للحكومة السورية، وللوجود الروسي، وللتحالف المشرقي، للصين، وأيضاً للعالم قائلة: إننا لا زلنا موجودين وأصحاب قرار وهيبة لم تتزعزع… أوليس هذا ما أعلنه ترامب، الهيبة هي صلب القول إنّ العملية لخدمة الأمن القومي الأميركي.. وصلت الرسالة للجميع ولكن مع وصولها سقطت أجزاء منها على الطريق بحيث كان الردّ سريعاً، وحامياً على غير عادة الروسي!

عشرات التعليقات والأسئلة على صفحات التواصل والمواقع والصحافة الالكترونية: أين هي الدفاعات الروسية، وأين الادّعاء بأنّ الأجواء السورية ستكون مغلقة و… أين أس 300 وأس 400، وبالمتابعة وتدقيق ما تمّ نشره في الغرب وخصوصاً فيريل الألمانية في لقاء مع خبير ألماني يقول إنّ الدفعة الأولى من الصواريخ قد وصلت المطار قبل تشغيل نظام التشويش الالكتروني الروسي الأحدث، وهو أثبت فاعليته في كلّ من كرواتيا وسورية، واعترف بذلك في حينه الجنرال الأميركي تشرش بقوله: لقد خسرنا وربح الروس لأنهم متقدّمون علينا في هذا المجال. وهكذا كانت الرسالة الجوابية العاجلة، العمى الالكتروني للصواريخ وإسقاطها في البحر دون إلحاق الأذى بأحد، أما التصدي لها بالمضادات الصاروخية فسينتج عنه تساقط بعضها فوق مناطق مدنية حسب المسار وهي كانت تعبر الأجواء اللبنانية وتلحق أضراراً وإصابات دون شك الغريب أنّ الحكومة اللبنانية لم تحتجّ حتى على اختراق حرمة أراضيها إنْ لم تستنكر الاعتداء على سورية.

الإدارة الأميركية تسلّمت الرسالة الروسية والتزمت الصمت دون الكشف عن أية تفاصيل لما حدث، المهمّ أنّ دافع الضرائب الأميركي لا يتحمّل أيّ من نفقات العملية، لا ثمن الصواريخ ولا أجور الإطلاق، لقد دفعها سلفاً محمد بن سلمان، ويتردّد أنّ السعودية بشخصه اتفقت على أن يكون عدد الصواريخ 70 في حين أنّ 59 وفي قول آخر 61 صاروخاً هي حصيلة الإطلاق، هل سيطالبون بإطلاق ما تبقى أم يستردّون الثمن؟

الرسالة الأميركية تمّت كتابتها بدماء أبنائنا الشهداء في مطار الشعيرات، ودماء جرحانا التي روت أرض المطار، أما الجواب فقد حمل على غلافه ظلال أرواح هؤلاء الشهداء والعهد الذي نؤمن به أنّ هذه الدماء عينها هي ملك الأمة متى طلبتها وجدتها، أما رسالتنا إلى الرئيس الأميركي فقد ردّدها السوريون في كلّ أنحاء العالم: سحقاً للعربدة الصهيو – أميركية، وقالت التظاهرات لا للعدوان على سورية، أما رسالتنا الداخلية فهي مزيج من الغضب والإصرار على الوقوف بوجه العدوان، والمطالبة بأن يكون الردّ الآتي هو ضرب قاعدة الشرّ، وجذر البلاء العدو الصهيوني، ومقابل كلّ قذيفة بمثلها وكلّ صاروخ بصاروخ والموقع بموقع مثيل، وهناك إجماع سوري على أنّ النتيجة ستكون وقف العدوان فلا أميركا ولا الغرب ولا الصهاينة يحتملون الخسائر، ولا الدماء ولا الموت الذي يعملون على تصديره لنا بكلّ الوسائل ولنردّد كشعب سوري: اعقروها إنها أصل البلاء، اعقروها وسترون كيف تتوقف الحرب القول منقول عن د. علي مخلوف .

عندما ترتكب الدول الكبرى عدوانها لا تخشى العقوبات، فالحق الذي تتمتع به يجعلها فوق القانون وفوق المساءلة، الغرب يستخدم هذا الحق فيتو لحماية العدوان على الدول المستضعفة، والشرق يستخدمه أغلب الأحيان لحماية هذه الدول أو لمنع الإدانة عن نفسه، والكلّ يتحاشى الصدام المباشر بسبب خطورته على الحياة البشرية على سطح هذه الكرة الصغيرة مع ما تحمله على ظهرها من أدوات تدمير وخراب، هذه الدول تتبادل الرسائل الساخنة في مناطق الصراع على النفوذ وعبر أدوات وآليات تضبط إيقاعها عبر التواصل والتنسيق والتفاهم، واقتسام الغنائم والثروات، وعند حصول سوء تفاهم ترتفع حدة الرسالة الجوابية فيجري البحث وبسرعة عن حلول وترضيات قد تتضمّن اعتذاراً سرياً أو علنياً أو تنازلاً هنا أو هناك، ولا بأس من المساومة على حلّ أمور عالقة قديمة بعد الوصول إلى تحقيق أفضل منها وهكذا… يمكن لأميركا ترامب أن تطلق يد الروس في القرم ومحيطها مقابل تفاهمات في سورية، في العراق في ليبيا، وهي مناطق صراع شئنا أم أبينا، هي مناطق فاعلة بمواقعها وأهميتها وثرواتها وليس بقراراتها وقوتها، هذه كيانات تستطيع الدفاع عن وجودها بمساعدة طرف آخر وليس بقدراتها الذاتية، دول لم ترتق إلى مستوى التنسيق والتحالف والتقدّم والتصنيع وامتلاك القوة، هي كيانات تحمل في مكوّناتها عوامل تفتيتها وتمزيقها وتنتظر فقط الإثارة والتوقيت… وإشعال الفتيل، ليبدأ تجريد السيوف والتهليل والتكبير أمام أنظار الساخرين والمستهزئين.. ويردّد البعض: يا أمة سخرت من جهلها الأمم…

الواقعية في معالجة المواقف تتطلب منا ان نعلن الحقيقة ليس انتقاصاً من قدرنا، ولا تحميل المسؤولية لطرف ما بعينه سوى دول العدوان، هو قدرنا، ضريبة الموقع الاستراتيجي والإرث الحضاري، والأطماع، وتقصيرنا في الانطلاق كما دول مماثلة تعرّضت للكوارث والويلات، لكننا لم نحسن إغلاق أبوابنا ونوافذنا فتسرّب منها الشر واستوطن بيننا، كم نحن بحاجة لارتقاء العقل أو استخدامه في حدّه الأدنى… على الأقلّ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى