أيها الأكراد في العراق والشام كونوا كما كنتم دائماً السيف والترس

اياد موصللي

قرأت خبراً يقول: «سليماني يدعو أكراد العراق للتحاور مع بغداد وذلك بعد لقاءات جمعته إلى كلّ من مسعود البارزاني وجلال الطالباني رئيس جمهورية العراق السابق خلال زيارة لم يعلن عنها قام بها الى إقليم كردستان في العراق.. وذلك بعد الأزمة التي نشأت عقب رفع العلم الكردي في محافظة كركوك… ومعارضة العرب والتركمان لذلك…

الموضوع الكردي الذي كان ولا يزال يبرز بين فترة وأخرى مهدّداً وحدة الوطن والشعب، من شعب سجل في تاريخ بلادنا في سورية سواء الشام أو العراق أروع صفحات البطولة والتضحية والحرية ومواقف العز، وكان راية الوحدة فيها..

يوم ترشح جلال طالباني لرئاسة جمهورية العراق وحدث ما يشبه الاستغراب لهذا الأمر كتبت مقالاً حول الموضوع عام 2005 وقلت فيه: مرة أصدر المجتمع العلمي اللغوي العربي بياناً. وهو الهيئة المسؤولة عن تصويب اللغة في عالمنا العربي، وقرأت التوقيع رئيس المجمع اللغوي العربي محمد كرد علي، كردي رئيساً للمجمع اللغوي العربي. فلمَ نستغرب أن يكون كردياً رئيساً لجمهورية العراق؟ لا سيما أنها ليس المرة الأولى التي يتولى فيها كردي رئاسة جمهورية عربية. لأنّ الاكراد هم جزء أصيل أساسي في مجتمعنا وأمتنا.

لمَ هذا العجب كله؟ الأكراد عراقيون أبناء هذه الأرض الخيّرة، يحاربون من أجلها، يقدّمون الشهداء، يفلحون ويزرعون ويحصدون… فلم في السياسة لا يحصدون ما دام زرعهم فيها عراقي وهويتهم عراقية وولاؤهم عراقي.

الأكراد في الواقع وفي قناعتنا وإيماننا هم جزء أساسي حيوي «وقطبة» النسج الوطني الذي يتألّف منه مجتمع هذه الأمة بمكوناته المتجانسة التي تنصهر فيها العصبيات المتنافرة وتضمحلّ في وحدتها كلّ النتوءات وتبقى مصلحة الأمة فوق كلّ مصلحة.

فلمَ تعود هذه النغمة الانفصالية للظهور والبروز بين حين وآخر.. فدماء الأكراد التي تسفك في سبيل حماية العراق من الهجمة البربرية التكفيرية التي يتعرّض لها من داعش وأمثالها من حثالات… هذه الدماء التي سالت وتسيل دفاعاً عن الشام بكامل نواحيها في الحسكة ومحافظات حلب وإدلب ودير الزور لم تسفك دفاعاً عن مناطق يسكنها سوريون أكراد، فالأكراد وهم سوريون شاميون وسوريون عراقيون يؤمنون بأنّ الدماء التي تجري في عروقهم هي وديعة الأمة فيهم متى طلبتها وجدتها. وقد أعطوا هذه الدماء طيلة فترات التاريخ حيث كانت ولا تزال الأطماع الأجنبية ببلادنا موجودة.

لقد تفاعل الأكراد في مختلف مراحل التاريخ مع محيطهم الاجتماعي الذي وجدوا فيه على هذه الأرض متجانسين مع المجموعات الأخرى مكوّنين حضارة كما سطروا تاريخاً وسجلوا بدمائهم لوحات بطولية رائعة وتبرز وحدتهم هذه في بلاد الشام وما بين النهرين العراق عكس ما هي في تركيا وإيران. ففي بلاد الشام وما بين النهرين وجد الأكراد ذاتهم. فالكردي في كلّ منعطفات التاريخ كان يشعر ويتصرف من وحي شعوره بأنه جزء من أمة وينتمي اليها وولاؤه لدولة قومية لا تقوم على عنصرية أو عصبية هوجاء ولا تنظيم عنصري، أمة هي نتيجة سلالات متعدّدة جاءت هذه المنطقة بالهجرة او بالحروب واندمجت متفاعلة مع محيطها وشعبها ومع بعضها البعض مكونة المجتمع الذي يشكل تاريخه وحضارته جوهر وجودة.

نظرة على المكانة التي احتلوها في هذا الوطن ومساهمتهم الجلى في صنع تاريخه تبيّن كم هم في صلب تكوين هذا الوطن. ولم نقرأ في كتب التاريخ عن المماليك الأكراد ولكننا قرأنا عن المماليك الأتراك والشراكة والارناووط الاكراد. أسّسوا دولة كردية في كيان سوري عربي حكمت هذه الدولة اسرة كردية أغنت تاريخنا العظيم بإنجازاتها وكانت ملحمة من ملاحم ساحاتنا الكبرى وملأتها بالبطولات العظيمة.

نريد ان نرى عراقاً قوياً لجميع أبنائه الذين يحفظون له الحب والولاء، ونريد أن نرى الروح التي عرف بها العراقيون تعمّ أرضهم من جديد وان تعود الأصالة الى تعاملهم وتجانسهم ويصبح شعارهم الأوحد كلنا عراقيون والعراق لنا. وكذلك في بلاد الشام نريد من التاريخ ان يعيد نفسه في الشام والعراق.

مهما اشتدّت المحن وقست الظروف والتعديات. الأكراد سوريون يحق لهم ما يحق لسواهم ولكلّ حق واجب وواجب الأكراد دعم وحدة وطنهم وترسيخ روابطها أرضاً وشعباً وان يقبروا الفكر الانفصالي ودعاته.

العراقيون تنفخ نارهم اليوم لتطهو لحومهم وتشوى وتقدّم على مائدة الأجنبي الطامع في ثرواتهم كما يطمع أولاد الحرام بالمال الحلال… مرّ لبنان بعهود مماثلة، فبعد أحداث وفتنة 1859 عقد في 2 آب 1860 مؤتمر باريس ضمّ النمسا فرنسا روسيا بروسيا ألمانيا بريطانيا. وبعده عقد مؤتمر بيروت في 5 تشرين الثاني 1860 وعرفت المقرّرات التي نتجت عنه ببروتوكول 1860 وقعت هذه الدول نظاماً أساسياً لجبل لبنان كرّس منذ ذلك الحين الطائفية نظاماً وتدخل الدول في شؤونه الوطنية والداخلية قانوناً. ومنذ ذلك الحين صار يحكم لبنان متصرف، ولكن لو درسنا تاريخ هؤلاء المتصرفين لعرفنا أنّ لبنان كان يحكم من أجانب بأسماء عربية فـ»رستم باشا» كان إيطالياً، و «واصف باشا» إسبانياً، و «أوهانس قيمجيان باشا» أرمنياً. هؤلاء مثل «بريمر» الذي جاءكم أيها العراقيون كما الذين عقدوا مؤتمر بيروت الذي أشرنا إليه يمثلون في ذلك الحين دول التحالف الدولي، اليوم وكما أرسل ذلك التحالف قواته مدّعياً دعم العراق أرسل ذلك التحالف 12 ألف جندي لمساندة الدولة العثمانية في تثبيت الأمن وترسيخ وجودها وتدخلها، وتبع هذا كله بعثات وإرساليات ومندوبيات وجواسيس وعملاء لا زلنا نحصد زرعهم حتى يومنا هذا.

زمنكم يذكرنا بيومنا ذاك دون أن ينسينا أمسنا فتذكروا أنتم أيها السوريون في الشام والعراق، فدستوركم يجب أن يصون وحدتكم ويحصّنها لا أن يكون كما كان «بروتوكول» الدول الأجنبية عام 1860 في لبنان حيث وزع الإدارة على الطوائف «موارنة، دروز، أرثوذكس، سنة، شيعة، كاثوليك…» وكان الإسفين الذي مزق وحدة الشعب. فلا تكونوا في العراق والشام عرباً وأكراد بل سوريون فقط في الشام والعراق.

أيها العراقيون عوا مهمتكم بكامل خطورتها ولا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل، فتتفرّقون وتذهب ريحكم وتتشتت جموعكم وتصبحون أمثولة سيئة بعد أن كنتم عنوان الحضارة والوحدة والتقدم، وبعد أن كنتم راية العز وأصحاب وقفتها لا تجعلوا شريعة المعتدي قبلتكم بعد أن كنتم مصدر الشرائع الإنسانية، لا تجعلوا تربتكم تضمّ رفاة الحزانى والمغدورين وضحايا العدوان والقتل والسحل بعد أن كانت تربتكم مرقد الطهر والتقوى والصلاح. فإنّ الشريعة الأجنبية دائماً تجعل أعزّة القوم أذلة. أيها العراقيون، كونوا لأهلكم ووحدتكم كما كنتم دائماً السيف والترس.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى