لماذا تناصر إيران سورية في وجه المؤامرة؟ 3
ترجمة فاطمة ضاهر
تساعد الجمهورية الإسلامية الإيرانية النظام السوري بشكل لافت بالمواد العسكرية والحماية العامة والإرشادات، بغية زيادة قدراتها على المقاومة في الميدان. منذ عام 2011، قامت أيضاً تشكيلة واسعة من المنظّمات كوزارة الأمن والاستخبارات وشركة «إيران إيليكترونيك»، بمساعدة النظام. وأُرسِلت هيئة منسِّقة إلى سورية لتقدّم نصائح إلى قوات الأمن وتدريبهم على التصدّي للفتنة. وبعد نجاح طهران في مواجهة «التيار الأخضر» عام 2009، قامت بدورها في مساندة دمشق في حرب الإنترنت ضدّ «الثائرين». وقدّمت أساليب لمراقبة الهواتف النقّالة وشبكات الإنترنت. كما أوفد الحرس الثوري وحدة «نخبة القدس» وهي وحدة مكلّفة بشؤون البلاد الخارجية . وتمت الموافقة على مشاركتهم بشكل غير مباشر في نهاية شهر أيار من عام 2012 من قِبل القسم الإيراني، بعدما صرّح نائب قيادة الوحدة العماد اسماعيل غني لوكالة «إيرنا» أنّه لو لم تتواجد الجمهورية الإسلامية لكانت المجزرة بحق الشعب أفظع بكثير. ومُسح التعليق مباشرة بعد نشره. وفي شهر تموز 2012، كانت طهران ستزيد من مشاركتها العسكرية بعد «نجاحات المعارضة السورية» وفشل بعثة الأمم المتحدة. وفي آب 2012، ألقى «الجيش السوري الحر» القبض على 48 إيرانياً في الأراضي السورية، واتّهمهم بأنّهم من «الحرس الثوري». أما طهران فاعتبرتهم زوّاراً في طريقهم إلى مقام «السيدة زينب» في جنوب دمشق.
في هذا السياق، صرّح القائد العام للحرس الثوري، للمرّة الأولى، أنّ أعضاء من «وحدة القدس» كانوا متواجدين في سورية. وحُرّروا وعادوا إلى طهران حيث تأكّد انتماؤهم الى وحدات تابعة للحرس الثوري. كما أنّه تأكّد تواجد الحرس الثوري في سورية لمرات عدّة، مثلاً في شباط 2013 عندما توفي العماد الإيراني حسن الشاطري، أو في أيار 2014 عند وفاة قائد اللواء عبد الله الاسكندري الذي كان يقود «مؤسّسة الشهيد» في محافظة فارس حتى 2013، حتى ولو أنّ طهران حدّت من دورهم. وهذا عدا عن عدد المقاتلين الذي كان يعتبر ضئيلاً في البداية، لكن ما لبث أن ازداد كثيراً، إضافة إلى درجة انخراطهم المباشر في سورية للقتال إلى جانب قوات الرئيس الأسد في العمليات العسكرية ضدّ المسلّحين.
على الصعيد العسكري، وبحسب الخبراء الأميركيين، فإنّ طهران ساعدت دمشق التي تتوقّى الحذر من قواتها العسكرية المؤلفة من عدد كبير من السنّة، في تأليف كتائب موالية للأسد الجيش الشعبي قوة الدفاع الوطنية ، والمؤلفة بشكل عام من الشيعة السوريين وبعض العلويين للقتال لمصلحة نظام الأسد. وسيتولى الحرس الثوري وحزب الله تدريب هذا الجيش الشعبي المؤلف، وبحسب التقديرات، من 50.000 عنصر. وشُكّلت هذه المجموعات على طراز «الباسيج الإيراني»، وكانت فاعلة جداً في دمشق وحلب بحسب تصريحات محمد رضا الذي يقود هذا التنظيم شبه العسكري في إيران.
إلّا أنّ تعبئة الشبكات العسكرية الشيعية بدأت لمصلحة النظام السوري منذ خريف 2012. ومن الصعب تحديد الدور الرئيس لإيران في هذا الحشد. لكنها ومن دون شك سهلّت المواصلات وتنظيم مقاتليها وانتشارهم في سورية. ونجحت الدعاية في تسليط الضوء على الطابع المضاد للشيعة لدى بعض «الجهاديين» السنّة الموجودين في سورية في جذب المقاتلين. وتتألف القوة الموالية للأسد من شيعة من مختلف الجنسيات العراقية، السورية، اللبنانية،- الأفغانية والباكستانية المنخرطين رسمياً في سورية للدفاع عن «مقام السيدة زينب» في جنوب دمشق. إلّا أنّهم يعملون في مناطق أخرى في البلد. ويساعد النظام السوري عدداً من المنظمات الشيعية العراقية المقرّبة من طهران مثل منظمة «بدر».
إلّا أنّ الحليف الأساس والمقرب من طهران منذ إنشائه هو حزب الله. ويعتبر هذا الحزب من أهم الأطراف في محور المقاومة ضدّ «إسرائيل» والولايات المتحدة. ويتشارك مع طهران مصلحة حيوية لاستمرار نظام بشار الأسد. وقد استفادت طهران جداً من أعضاء هذا الحزب في سورية. وفضلاً عن القرب الجغرافي من قاعدتهم اللبنانية، وخبرتهم العسكرية العربية، فقد تمكنوا من الدخول إلى الأراضي السورية بشكل أفضل من الحرس الثوري. وكان على حزب الله، الذي كان يساند نظام الأسد في خطابه منذ بداية الأزمة، تحديداً مسؤولية حماية الحدود اللبنانية ـ السورية من تسلل الجماعات المسلحة المعارضة للأسد. وكان قد ساعد دمشق في لبنان وذلك بتعاونه مع الخدمات السورية المناصرة لبشار الأسد اللاجئين في هذا البلد، ومع نصرائهم من اللبنانيين. وفي نهاية نيسان 2013، وبعد انتهاء معركة القصير، اعترف السيد حسن نصر الله علناً بتدخل قوات حزب الله في المعارك العسكرية في سورية، وتكرّر هذا الاعتراف منذ ذلك الوقت في عدّة مناسبات. وازداد عدد المقاتلين اللبنانيين في عدّة مناطق مثل حلب وحمص ودمشق وفي منطقة القلمون الواقعة على الحدود السورية ـ اللبنانية في شتاء 2013 وربيع 2014. ويبقى من الصعب تحديد عدد المقاتلين في سورية. لكنه أُعلِن عن حوالى 3000 إلى 5000 مقاتل تقريباً. وذكرت وسائل إعلام عدّة، خسارة بعض المقاتلين لكن من دون تحديد عددهم بدقة، لأنّ طهران والحزب يبقيان سريين في هذا الموضوع.
وصرّحت جريدة «دايلي ستار» الأميركية في آذار 2014 عن مقتل حوالى 500 مقاتل في سورية. وسُجّلت خسارات إضافية في الأشهر اللاحقة. باختصار، ساعد انخراط حزب الله في سورية في تحسين القدرة العسكرية لدى النظام السوري ضدّ معارضيه، محقّقاً بذلك أهداف طهران. لكن من الممكن أن يؤثر هذا الانخراط بشكل سلبيّ على المدى الطويل على الحكومة اللبنانية وبالتالي على طهران، حتى ولو كانوا على حذر لأّن الوضع في سورية صار غير واضح.
إضافة إلى ذلك، قدّمتن إيران كمّيات هائلة من الأسلحة إلى حليفها السوري. كما أظهر توقيف السلطات «الإسرائيلية» باخرة «فيكتوريا» والمضبوطات من الأسلحة في تركيا في أذار وآب 2011 وتشرين الثاني 2012 .
كما مرّرت طهران المعدّات العسكرية جوّاً إلى دمشق عبر العراق، مخترقة بذلك حظر تمرير الأسلحة إلى سورية الذي فرضته الأمم المتحدة. واستدعت واشنطن لهذا الأمر بغداد عدّة مرات لكن من دون جدوى، على رغم عمليات تفتيش طائرات الشحن الإيرانية المتوجّهة نحو سورية منذ تشرين الأول 2012. واعترف وزير خارجية العراق في تموز 2013 بأنّ بلاده لا تمتلك الوسائل لمنع طهران من إرسال الأسلحة عبر مجالها الجوّي.
وتعتبر مساعدة إيران لسورية ضرورية جداً لاستمرار النظام. وصرّح عماد البحرية جيمس ماتيس في نيسان 2013 قائلاً: «لا أصدّق أنّ الأسد كان سيصمد في السلطة في الأشهر الستّة الماضية لولا المساعدة الإيرانية».
المصادر: «غارديان» و«تايمز».