من الشعيرات إلى موسكو عودة الإبن الضال…!
محمد صادق الحسيني
منذ أن قرّر «الطاووس» أن ينفش ريشه معتقداً أن عدّوه السوري والإيراني الى جانب حزب الله وخصمه الروسي سيخيفهم منظر الريش المهيب، كانت النتيجة واضحة وجلية بأنّ المعركة استعراضية ومعركة إرادات سيربحها المؤمنون والراسخون بعلم اليقين بالنصر…!
محاولته الفاشلة لإضفاء المزيد من الهيبة على منظر الريش، من خلال رشقتي صواريخ التوماهوك من تلك التي كان الأميركي يهدّد بها العالم بأكمله، على الطريقة الأميركية الفجّة والمقيتة، ظاناً أن بإمكانه خلق مشهد هوليودي يجعله يعود الى طاولة المفاوضات، لم تسعفه كثيراً، لأن نار الحق كانت أقوى من نيرانه..!
فخصمه هذه المرة كان له بالمرصاد ليعيده منكّس الرأس الى مسار التفاوض في أستانة وجنيف بداية شهر أيار المقبل..!
وهكذا فشلت صواريخ التوماهوك البعيدة المدى، في تغيير موازين القوى في الميدان وباءت مساعي المرابي الكبير من تجميع بعض الأوراق التي يمكنه وضعها على الطاولة لتبرير مطالبته بحصة في الكعكة السورية، وتحديداً لاقتناص جزء من عقود مشاريع إعادة الإعمار في سورية، كما يحلم فريق عمله اليهودي…!
إن الصمود السوري الأسطوري، رئيساً وجيشاً وشعباً، بالإضافة الى ثبات موقف الأخوة والحلفاء الأوفياء في مواقفهم تجاه الدولة السورية قد أفشل عملياً محاولة ترامب هذه بشكل كامل، ذلك أن الضربة الصاروخية جعلته يعود بخفي حنين، وذلك للأسباب التالية:
1 نجاح سلاح الدفاع الجوي السوري في إسقاط 36 من أصل 59 صاروخاً أطلقتها مدمّرات الأسطول السادس الأميركي في البحر المتوسط، أي إسقاط 60 في المئة منها.
2 فشل هذا العدوان في إحداث حالة صدمة عميقة في صفوف الجيش العربي السوري، وتالياً في صفوف الشعب السوري، والذي ظنّ أنه سيهجر مدنه وقراه بمئات الألوف، مما سيعطي الفرصة للميليشيات السعودية التركية «الإسرائيلية» التي كانت تنتظر لشنّ هجوم واسع النطاق على مختلف مواقع الجيش العربي السوري في الجبهات كافة.
وكالعادة قام الكاوبوي الأميركي بعد هذا الفشل الذريع بإطلاق حملة واسعة جداً من التهديدات والعنتريات، مخاطباً بها ليس سورية فحسب، وإنما حلفاءها أيضاً، ظناً منه أن روسيا، التي خسرت 24 مليون إنسان خلال الحرب العالمية الثانية دفاعاً عن سيادتها، وإيران التي صمدت قرابة الأربعين عاماً تحت سيل من التهديدات وإجراءات الحصار والتخريب الأميركية، وحزب الله الذي جعل من أسطورة الميركافا كابوساً لا زال الجنود الصهاينة يعانون منه حتى اليوم، نقول ظناً منه إن هؤلاء الحلفاء سترتعد مفاصلهم عند سماعهم فرقعات الألعاب النارية التي أطلقها هذا البائس ترامب الذي فشل تماماً، كما فشل قبله أقوى أحد أذنابه في المنطقة أي الكيان الصهيوني عندما حاول بتاريخ 17/3/2017 مهاجمة مطار الشعيرات مستخدماً سرباً جوياً من أربع طائرات اف 16، حيث قامت الدفاعات الجوية السورية بإسقاط إحداها وإصابة أخرى وفرار بقية التشكيل قبل دخوله المجال الجوي السوري.
وهكذا تكون هذه الحماقة الكبرى التي ارتكبها ترامب وجنرالاته الفاشلون، وفي ظل الثبات الصلب للرئيس بوتين وللحليف الإيراني وحزب الله على مواقفهم من العدوان المستمر على سورية منذ ما يزيد على ست سنوات، ليس فقط قد ارتطمت بجدار حديدي صلب بل وقد خلقت واقعاً استراتيجياً جديداً ليس فقط في الميدان السوري وإنما على صعيد العالم كله…!
ما يعني أن الوضع الاستراتيجي الجديد الناتج عن الهزيمة الأميركية المدوية في معركة صواريخ مطار الشعيرات أُجبر الأميركي على التراجع الاستراتيجي مجدداً والتراجع عن دعم مخطط الهجوم الميداني الواسع على شمال سورية وجنوبها والعاصمة دمشق من خلال أدواته من «إسرائيل» إلى الاردن فداعش واخواته، حيث كان من المفترض أن تقوم طائراته في الاردن الى جانب سلاح الجو «الاسرائيلي» بتأمين الغطاء الجوي لجحافلهم على الارض…
بكلمات أخرى، فإننا نستطيع القول إن الفريق الأميركي وعلى رأسه ترامب ووزير خارجيته قد أجبروا عملياً على الانكفاء على أعقابهم، رغم جعجعاتهم المتلفزة، في هذه المنازلة المحدودة نسبياً والواسعة التأثير فعلياً.
باختصار شديد يمكن القول إن هجمة اليانكي الصاروخية أسفرت عن:
أولاً: فشل العدوان عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً.
ثانياً: زادت من الإجراءات العسكرية الحازمة التي اتخذتها القيادة الروسية والتي شملت اعلان حالة التأهب القصوى في سلاح الصواريخ الاستراتيجية الروسية ووضع 96 في المئة منها في حالة جهوزية عملياتية كاملة للإطلاق.
ثالثاً: أدت الى تعزيز فروع القوات المسلحة السورية كافة بما تحتاج إليه من سلاح وعتاد كي تتمكن من مواصلة هجومها الشامل على المسلحين في مناطق القتال كافة.
رابعاً: جعلت الولايات المتحدة تحسب ألف حساب قبل أن تتورط بشكل واسع في مستنقع الجغرافية السورية وتزداد يقيناً بعدم قدرتها على تحقيق النصر الخاطف فضلاً عن عجزها عن حسم الحرب جزئياً لمصلحتها نتيجة ظروف مالية وبشرية وتسليحية…
ما دفع عملياً ادارة ترامب الى الخضوع للوضع الاستراتيجي الجديد والقبول بأن يستمرّ وزير خارجيتها في مشروع زيارته روسيا باعتباره الطرف الأضعف للقاء نظيره الروسي لافروف، متوسلاً اللقاء مع الرئيس بوتين الذي ظل مرهوناً بنتائج اللقاءات مع لافروف…
انعكاس الفشل الميداني المدوي هذا هو الذي ظهر جلياً في صورة اتفاق لافروف مع تيلرسون على النقاط المحورية التي شكلت الأساس للقاء الرئيس بوتين مع الوزير الأميركي. ذلك اللقاء الذي ما كان ليتحقق إلا بعد موافقة تيلرسون ورئيسه بناء على اتصالات هاتفية بين ترامب وتيلرسون خلال لقاءاته مع لافروف على المطالَب الرئيسية للرئيس الروسي والمتمثلة في:
ا وقف التصرفات الأحادية الجانب، او بكلمات أخرى، عدم قيام الولايات المتحدة بتوجيه أي ضربات عسكرية منفردة ضد سورية في المستقبل.
ب موافقة الولايات المتحدة على قيام منظمة حظر الأسلحة الكيماوية بالتحقيق في ملابسات واقعة بلدة شيخون السورية.
وبالفعل فقد قامت اللجنة الدولية العليا الخاصة بالتحقيق في استعمال الأسلحة الكيماوية بعقد جلسة لها في لاهاي يوم 13/4/2017 لبحث موضوع خان شيخون، وبناء على طلب روسي أميركي مشترك، مما يعني تنازلاً أميركياً كبيراً خاصة أن الولايات المتحدة كانت ترفض إجراء أي تحقيق دولي في الموضوع وبشكل قاطع.
وفي الختام يجب تأكيد أن ذلك يشكل عملياً عودة فعلية لتفاهمات كيري/ لافروف الشهيرة عدم القيام بإجراءات أحادية الجانب والعمل على حلّ الازمة السورية وغيرها بالوسائل السلمية الأمر الذي دعا الوزير الأميركي وهو في موسكو للإدلاء بتصريح تراجعي عن المواقف الأميركية التصعيدية التي رافقت الضربات الصاروخية ضد الرئيس الأسد…
وهكذا كان التصريح الذي دعا فيه تيلرسون وبكلمات دبلوماسية مختارة لضرورة رحيل الأسد بطريقة منظمة أيّ ترك الموضوع لصندوق الانتخابات، حيث يقرر ذلك الشعب السوري، ما يشكل عودة الى تصريحاتهم ما قبل الهجمة الصاروخية القاضية بأن إسقاط الرئيس الأسد ليس أولوية أميركية…!
إنه بالتأكيد موسم هجرة ترامب إلى مالاقا بعيداً، حيث الشرق الأقصى تماماً، كما كان يخطط سلفه أوباما وذلك على موعد مع المنازلة التي تنتظرهم مع التنين الصيني وإن بنسخته الكورية الشمالية مؤقتاً. وهي النقطة التي كان قد توقف عندها ساكن البيت الأبيض السابق باراك أوباما طويلاً، يوم خرج من الميدان السوري متجرّعاً كأس السم مطأطئ الرأس خائفاً يترقب…!
بعدنا طيّبين، قولوا الله.