تقارب باكستاني ـ روسي يُنذر بتوازنات جديدة… والصين وروسيا تستعدان لتسلّم زمام المبادرة
هادي حسين
يعود إلى الواجهة موضوع التعاون الباكستاني – الروسي من جديد ليتصدّر اهتمام الصحف ووسائل الإعلام الباكستانية بقوة وبشكلٍ واضح بعد اللقاء السُداسي روسيا الصين باكستان إيران أفغانستان – الهند الذي استضافته موسكو الأربعاء 14 نيسان/ ابريل 2017، حول المسألة الأفغانية، بعد أن كانت موسكو قد استضافت لقاء ثلاثياً حول أفغانستان ضمّ باكستان والصين أيضاً آواخر كانون الأول/ ديسمبر من العام الفائت.
يرى خبراء في إسلام آباد أنّ تعزيز العلاقات الروسية -الباكستانية سيساهم فى تحقيق الاستقرار والازدهار فى المنطقة بشكل كبير، كما يتوقع أن تلعب روسيا إلى جانب الصين دوراً ناجعاً في التوسط بين باكستان وأفغانستان من جهة، وبين باكستان والهند من جهة أخرى.
لكن لا يزال التعاون الناشئ بين باكستان وروسيا مبهماً بعض الشيء لكثيرين، لا سيما التعاون الدفاعي بين البلدين من خلال رفع موسكو حظر توريد الأسلحة وبيعها أربع طائرات هجومية من طراز MI 35 لإسلام آباد غريباً نوعاً ما، آخذين بعين الاعتبار الشراكة الاستراتيجية الوثيقة – التي استمرت 70 عاماً – بين موسكو ونيودلهي من جهة، والتموضع الجيوسياسي لإسلام آباد الذي وضعها دائماً إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية، من جهة أخرى.
مع ذلك، ومن خلال تتبّع السياسة الخارجية الروسية يتبيّن أنّ باكستان ومنذ العام 2008 أدرجت كدولة إقليمية رائدة سعت روسيا إلى تطوير العلاقات معها بشكل ثنائي ومتعدّد الأطراف.
يرى خبراء في إسلام آباد أنّ الارتياح الروسي لباكستان هو في الواقع علامة على تزايد أهمية باكستان في الساحة الدولية الناشئة. وللمساعدة في فهم هذا التقارب الجديد بين الدولتين، من الجيد والضروري استعراض بعض الأمور التي دفعت نحو ذوبان جليد الاصطفافات الجيوسياسية التي فرضتها سنوات الحرب الباردة القاسية.
أولاً، الأزمة الأوكرانية وضمّ روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014 وما أعقب ذلك من عقوبات اقتصادية فرضها الغرب على موسكو. بالإضافة إلى أنّ انهيار أسعار النفط منتصف عام 2014 ساهم في انكماش الاقتصاد الروسي بنحو 4 عام 2015، كون الاقتصاد الروسي يعتمد على تصدير النفط الخام الذي يتكفل بتغطية 37 من موازنة الدولة، كلّ ذلك جعل موسكو تفكر وتسعى بجدّ لتحقيق اقتصاد أكثر استقراراً والبحث عن أسواق جديدة.
ثانياً، تطمح روسيا لترفع من صادراتها العسكرية التي بلغت أكثر من 15 مليار دولار عام 2015 من خلال توقيع صفقات مع باكستان التي تُعدّ سابع أكبر مستورد للأسلحة في العالم. لا سيما أنّ الدول الرئيسية المستوردة للأسلحة الروسية مثل الهند وفيتنام وفنزويلا تقوم بالانفتاح على نوافذ تسوّق جديدة للأسلحة في أماكن أخرى من العالم، ما يجعل السوق الروسية بحاجة إلى مشترين جدد لتعزيز اقتصادها.
ثالثاً، تدشين مشروع الممرّ الاقتصادي الصيني – الباكستاني إلى بحر العرب، والاهتمام الصيني بالموقع الاستراتيجي لباكستان نجح في دغدغة رغبة روسيا في الوصول الى المياه الدافئة لبحر العرب، لأسباب كثيرة، منها لكسر سياسات الاحتواء والتطويق التي تسعى الولايات المتحدة جاهدةً لتطبيقها و فرضها على موسكو.
رابعاً، انّ مركز القوى العالمي يتحوّل إلى آسيا، وروسيا تدرك هذا التغيير الاستراتيجي جيداً. لذلك، من مصلحة روسيا إقامة تحالفات جديدة في المنطقة. لا سيما مع دول كباكستان والصين النوويتين.
خامساً، إنّ ارتباط الهند المتزايد والوثيق مع الولايات المتحدة هو أيضاً عامل في دفع الاتحاد الروسي للبحث عن حلفاء بديلين في جنوب آسيا.
سادساً، ترى موسكو أنّ تكاسل واشنطن عن إعادة إحياء دورها المتناقض في الشرق الأوسط وجنوب آسيا فرصة لتولي زمام المبادرة وبناء شراكة استراتيجية مع باكستان الذي يوفر توازنات جديدة يساعد في دمج باكستان في الإطار الأوراسي المتعدد الأقطاب بقيادة الصين وروسيا.
في الخلاصة، يمكن استنتاج أنّ روسيا وباكستان تشهدان فترة لم يسبق لها مثيل من التقارب بينهما. على الرغم من أنه لا يزال في بداياته، إلا أنه يشير إلى آفاق واعدة لكلا الدولتين. وبطبيعة الحال سيكون لهذا التقارب تداعيات إيجابية بالنسبة لروسيا و باكستان على حدّ سواء.
أخيرا، ومن نافل القول إنّ التحالف الروسي – الباكستاني -الصيني سيكون هائلاً بما فيه الكفاية لقلب موازين القوى وفرض إيقاع جديد للعبة، لا سيما في أفغانستان.
وإنّ غداً لناظره قريب…