صحافة عبريّة
كتب يوعز هندل في صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبريّة:
في سجلّ تاريخ هذه المنطقة سيكتب أن تركيا كانت المحاولة الأخيرة للإسلام لإقامة دولة ديمقراطية. فما أن تحوّلت إلى دكتاتورية، مع سلطان يدعى أردوغان، لم يتبقَ في الشرق الاوسط شعوب إسلامية حرّة. فالغنى والمكانة العائلية أصبحا المعيارين الوحيدين اللذين منحا الحرية للمسلمين. معظمهم كانوا عديمي الحظ: عائلات فلاحين فقراء، عديمي الثقافة وامكانيات التقدم. طبقة وسطى تكسب بضعة دولارات في الشهر وحفنة اغنياء. لقد اهتم الزعماء بأنفسهم وبعائلاتهم. لم يكن زعيم واحد لدولة إسلامية مع حساب بنكي متواضع. مئات ملايين الدولارات حجزت في حسابات أوروبية. لدى أردوغان قصور بمئات الغرف، وحتى الزعماء الفلسطينيين كان لديهم ما يستند اليه في الايام الباردة بعد الاعتزال.
إن فترة الظلام التي مرت على أوروبا في العصور الوسطى غطت الشعوب الإسلامية في الشرق الاوسط. العصر الذهبي، الثقافة، الفلسفة والحداثة التي كانت في الماضي تبددت في الإسلام الحديث. معدومو الانجازات العلمية، معدومو جوائز نوبل، معدومو التقدم وحقوق النساء، الاطفال والفقراء.
في مجال واحد فقط ازدهر وأثر الإسلام الشرق اوسطي السياسة الغربية. فقد صممت دول أوروبا من جديد بفضل أو بسبب الإسلام. موجة الهجرة الجماعية من الدول التي كان الإسلام فيها ديناً ودولة تدفقت نحو شواطئ القارة. وأراد الجموع الاختلاط، اما اولئك الذين لم يرغبوا في ذلك فقد قرروا كل شيء.
المال من اغنياء السعودية مول المدارس ومستنبتات التطرف الديني في أوروبا. وخلق التطرف الإرهاب، بأرقام قليلة، اصابات تكتيكية ولكن مع تأثير استراتيجي. من أميركا التي تعرضت لعمليات 11/9 وحتى أوروبا، كان وعي الشارع هو الدفاع عن النفس. أوروبا التي ذبحت وقتلت ستة ملايين يهودي، وطردت نخبة ثقافية وعلمية وجموع يهودية دينية من الفلاحين والتجار في الكارثة، استقبلت عشرات ملايين المسلمين في القرن التالي لذلك. ممثلو العالم الثالث والفاشل. ممثلو المنطقة التي يقتل فيها المسلمون المسلمين ولا توجد قدرة على الاهتمام بحقوق الانسان أو التقدم. منطقة الهدوء فيها هو نتاج الدكتاتورية، استخدام القوة وقمع الجماهير.
في كل الاستطلاعات تبين أن غرب أوروبا الليبرالية خافت من المسلمين اكثر من اي شيء آخر، من دون صلة بعددهم الحقيقي بين السكان. المرغوب فيه تنافس مع ما هو قائم: السلامة السياسية، مقابل المخاوف الدفينة، الشعارات على الهجرة والاندماج مقابل المسلمين الذين جلبوا بيتهم إلى أوروبا، قوانين الشريعة مقابل حرية الدين، الفساتين القصيرة والبكيني مقابل البرقع الذي عبر عن قمع المرأة. معظم المسلمين لم يكونوا جزءاً من الصراع بين الثقافات، ولكنهم لم ينجحوا في منعه. متلازمة الجمهور الجبان والهادئ هاجرت معهم إلى أوروبا. المتطرفون المتدينون، الأئمة في المساجد وأشرطة الشبكة التي اجتذبت الشبان إلى «داعش» قررت مستقبلهم ومستقبل أوروبا بأسره.
استغرق وقت إلى أن نجحوا في أن يقولوا هذا بصوت عال. ليس سهلاً الربط بين الدين والثقافة وبين الفشل الاجتماعي. فالانسان هو انسان بلا فروق الدين، العرق والجنس، ولكن احداً لم ينجح في أن يشرح بكلمات أجل لماذا لا يوجد حتى ولا ديمقراطية إسلامية واحدة في الشرق الاوسط، لماذا لا توجد قدرة على انتاج حرية صحافة وحقوق للاقليات. لماذا المكان الوحيد الذي نجحوا في ان يخلقوا فيه قيماً ديمقراطية وليبرالية ومعها ازدهار اقتصادي كان بالذات دولة يهودية يعيش فيها مسلمون ايضاً، وليس دولة إسلامية يعيش فيها يهود ومسيحيون ايضاً.
كيف كان يمكن أن نشرح هذا في أوروبا من دون أن يشتبه بنا بالعنصرية، بالخوف من الإسلام، بكراهية الاجانب او بالفاشية؟ وكل هذا على خلفية الفترة الاكثر ظلامية في تاريخ أوروبا الكارثة. هذه الاسئلة كلها بقيت خارج الجدار، محظورة وخطيرة. أسئلة فتحت عصراً جديداً في القارة الأوروبية.
الان، أغلقوا كتب التاريخ وانظروا حولكم.
مارين لوبان تفوز بإنجاز غير مسبوق في فرنسا في ألمانيا، هنغاريا، بولندا، النمسا وهولندا تنمو أحزاب يمينية متطرفة الرئيس ترامب وحملته الإسلامية. العالم الغربي يتغير، والإسلام هو الذي أحدث التغيير. فهو يعيد أوروبا الشكاكة والكارهة. هذا ليس فقط موضوعاً داخلية يتعلق بالهجرة وحرب الحضارات. وبينما لا تزال هوامش اليمين واليسار في أوروبا يرافقها نفي الكارثة وكراهية اليهود نجد أن هذه المرة توجد لهم دولة. كتابهم كتبوه بأنفسهم. بالمقابل فإن هذا الفصل في الكتاب الأوروبي يُكتب الآن.
شتاء أوروبا مع صعود اليمين
كتب درور يميني في صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبريّة:
عشرون في المئة من الناخبين في فرنسا، واحد من كل خمسة، اختاروا مرشحة اليمين المتطرف للرئاسة الفرنسية. ويجدر بنا أن نوضح بأن ليس كل من صوت لمارين لوبان هو بالضرورة لاسامي، بالضبط مثلما ليس كل من ينتقد «إسرائيل» هو لاسامي. ولكن التصريح الاخير للوبان، التي تنكرت لكل مسؤولية فرنسية عن إرسال يهود فرنسا إلى أفران الغاز ـ والذي هو تنكر للتعاون مع النظام النازي ـ هي على مسافة ميلليمتر واحد من نفي الكارثة.
منذ أيام فقط تحدث رئيس الدولة، روؤفي ريفلين، عن الدرس المزدوج من الكارثة: الوطني والكوني. وهذه كانت اقوال مناسبة وصحيحة. ولم يكن قد أنهى كلمته، وإذا ببداية النشرات الاخبارية، في فرنسا وفي العالم، نشر النبأ عن أن لوبان فازت بخُمس أصوات المقترعين في الدولة الثانية في حجمها في أوروبا. هذا مخيف ومقلق. صحيح أنّ فرنسا لا تسير نحو التحول غداً إلى ألمانيا في الثلاثينات، ولا حاجة للقفز إلى المقارنات. ولكن ريفلين محقّ عندما يدّعي ان هذه مشكلة عموم أوروبية: النفي، التنكر للمسؤولية، محاولة الادعاء بأنّ أيدينا لم تكن ضالعة في الفعلة.
قبل نحو ثلاثة عقود، في الثمانينات، كان هذا خلاف بين المؤرخين، تصدره آرنست نولتا الألماني. فهو لم ينفِ الكارثة، بل ادعى فقط بأنها جزء من سلسلة أحداث مشابهة وكثيرة أخرى، كتلك التي قام بها النظام الشيوعي. كان هذا تقزيماً للكارثة. وبشكل عام، أضاف أولئك المؤرخون، أنّ الالمان أنفسهم أيضاً عانوا، ويا لهم من مساكين. ولكن آخرين، مثل كين لفينغستون من قادة حزب العمال البريطاني، ومثل الفيلسوف سلبوي جوجيك قبله الادعاء هو أن النازيين والصهاينة تعاونوا. وحتى قبلهم، في الستينيات من القرن الماضي، كان المؤرخ آرنولد توينبي هو الذي حدّد الاتجاه لمواصلي دربه. ترهات من هذا النوع، كما ينبغي الاعتراف، تطرح في «إسرائيل» ايضاً. لدى البعث ينبع هذا من الجهل. لدى آخرين ينبع هذا من الاغراض المناهض للصهيونية. اما النتيجة فهي واحدة. وذات مرة كان هذا يسمى الوصم بالشيطنة. هذا هو الاسم الصحيح اليوم ايضاً.
هذه المسيرة تحصل في ألمانيا أيضاً. فهذا الاسبوع فقط دار في حزب اليمين المتطرف «بديل لألمانيا» صراع بين مؤيدي الخط العنصري واللاسامي وبين مؤيدي الخط الاكثر اعتدالاً منه، الذي يعارض اللاسامية، بقيادة زعيمة الحزب براوكا بتري. وقد انتصر المتطرفون. وقد حقق المتطرفون حتى الان انجازات في النمسا، في اليونان وفي هنغاريا ـ الدول التي يعتمل فيها اليمين اللاسامي. والان، من شأن هذا ان يحصل في ألمانيا أيضاً.
شيء غير حسن يمر على أوروبا. الجميع هناك ليسوا جميعاً لاساميين. أبعد من ذلك. ولكن اللاسامية، التي تتخفى أحياناً في زيّ اللاصهيونية، توجد بازدهار. وهذا بالتأكيد مدعاة للقلق.
حلّ الدولتين سيكون خاضعاً لتفكير العلاقات العامة لدى ترامب
كتب أوري سفير في صحيفة «معاريف» العبريّة:
لا تعلم أي مدرسة للدبلوماسية في العالم دبلوماسية وحلّ النزاعات، مثلما يديرها رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب. فعندما تسلّم ترامب مهام منصبه، اعتبر في حكومة «إسرائيل» كتجسد لرؤيا المستوطنين. «ترامب هو منّا»، هتف رجال «يشع» المستوطنون من نفتالي بينيت وحتى فتيان التلال. وبالمقابل، رأى العالم العربي في انتخابه نهاية العالم في ضوء تصريحاته ضد المسلمين، التي اعتبرت كعنصرية.
مرّ شهران وانقلبت الخواطر. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قلق، حتى لو لم يكن يعترف بذلك. فالمسيح في واشنطن يبدو أكثر فأكثر مثل باراك أوباما. رئيس الوزراء يخشى أساساً من تصريحات ترامب وممثليه عن «الصفقة العظمى»، التي يتطلع لها بيننا وبين الفلسطينيين، بإسناد عربي. وفجأة يظهر مبعوث ترامب للمفاوضات في المنطقة جيسون غرينبلت في مؤتمر الجامعة العربية في عمّان ويلتقي مرّة أخرى برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وبوزراء خارجية الاردن، مصر، السعودية، تونس، اتحاد الامارات، الجزائر وغيرهم. وهو يقول لهؤلاء أن برأي الرئيس الأميركي يحتمل أن يكون حان الوقت لتحقيق صفقة في «الموضوع الإسرائيلي ـ الفلسطيني». وقد التقى حتى الآن الملك الأردني عبد الله والرئيس المصري السيسي مع الرئيس ترامب، ورئيس السلطة الفلسطينية سيلتقي ترامب في أيار. وسيكون للقطار الجوي العربي إلى واشنطن أغلب الظن تأثير على الرئيس الأميركي بالنسبة لمركزية المسألة الفلسطينية في الدول العربية.
ما الذي يقف خلف دوافع ترامب؟ بخلاف سلفه في المنصب، لا يدور الحديث عن قلق قيمي من آثار الاحتلال على هوية «إسرائيل» الديمقراطية. فالديمقراطية «الإسرائيلية» تعنيه بقدر ما تعنيه قشرة الثوم، وهكذا ايضاً الأميركيون. ترامب يحتاج إلى الدول العربية من أجل التحالف ضدّ «داعش». وهي في هذه اللحظة ذخر استراتيجي في حملة ترامب للعلاقات العامة عندما تسقط «عاصمة داعش» في سورية يريد ان يعلن: «جئت، رأيت، انتصرت على داعش» هذا رغم انه لم يكن ساهم في شيء في حرب الاستنزاف ضد التنظيم الإسلامي، الذي كان أوباما بدأ بها.
حل الدولتين سيكون خاضعاً لتفكر العلاقات العامة لدى الرئيس الأميركي. وبالتالي فإن سياسته ستبقى غير متوقعة. وبالقدر ذاته الذي لا يمكن فيه لليمين أن يعتمد على ترامب، لا يمكن لليسار ان يفعل ذلك ايضاً.
حان الوقت لقطع الحبل السري عن أمّ أميركا. فهوية الدولة والديمقراطية في «إسرائيل» متعلقتان بنا فقط. في هذه اللحظة نحن نتدهور في منحدر سلس نحو تحوّلنا إلى دولة أبرتهايد ثنائية القومية. لا باراك أوباما الليبرالي، ولا ترامب المحافظ، يمكنهما أن يمنعا ذلك. الاول لم ينجح، الثاني لا يهتم. نحن نوجد اليوم في مفترق تاريخي: الضمّ أو فكّ الارتباط، دولة ثنائية القومية أو دولة يهودية. ثيوقراطية أو ديمقراطية. حان الوقت للحسم من خلال استفتاء شعبي. اليسار يخاف من الاستفتاء الشعبي، لأنه يقدّر أنه سيخسر. اليمين لا يريد لأنه برأي قادته، نتنياهو وبينيت، فإنهم يتقدمون نحو ضم الضفة الغربية حتى دون حسم الجمهور.
ليس الخيار بين دولتين ودولة واحدة، بل بين دولتين ولا دولة. في الوضع الحالي، حيث لا يعنى رئيس وزراء «إسرائيل» وكذا رئيس الولايات المتحدة الا بالعلاقات العامة، فإننا محكومون بضياع «الهوية اليهودية الديمقراطية».